في مثل هذه الأيام وقبل أكثر من ربع قرن اقترف حزب البعث ومؤسسته العسكرية، جريمة قصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية التي راح ضحيتها آلاف الأطفال والنساء من المدنيين العزل، وفي حينها كانت الولايات المتحدة وبقية الدول الكبرى تنافق نظام البعث لمصالحها في المنطقة، وتجامله أمام الضبع الإيراني الذي بدأ يكشر أنيابه في حينها، ولولا بعض الصحفيين ووكالات الأنباء لما عرف العالم واحدة من أبشع جرائم الحرب في تاريخ البشرية بعد الحرب العالمية الثانية.
واليوم وبعد أكثر من ربع قرن يقترف ذات الحزب وبنفس العقلية والمبادئ التي تبيح إبادة الآخر لمجرد الاختلاف معه، كما تفعل داعش والقاعدة في تعاطيها مع مفردات الحياة التي لا تلاؤمها، ويقتل العشرات من المدنيين الأطفال والنساء لمجرد إن المكان يضم مقرات لما يسمى بالنصرة، ولا يهم إن يكون في نفس المنطقة مدارس أو مباني سكن للأهالي المهم أن تقتل عدوا واحدا حتى وان قتل بالقرب منه العشرات أو المئات، كما يبرر تنظيم الدولة داعش أو القاعدة أعمالهما في تفجير السيارات المفخخة أو العبوات وقتلهم للعشرات من الأبرياء.
ورغم إن خارطة التحالفات تختلف نوعا ما عما كانت عليه أيام حرق حلبجة، حيث الأمريكان والروس يلعبون بل يرقصون على حبال الصراع بين الأطراف، نراهم اليوم أيضا يعزفون ذات السيمفونية المملة، لولا ارتفاع إيقاع وصلة منها بقصف الأمريكان للقاعدة التي انطلقت منها طائرات البعث السوري لكي تقتل وتحرق المئات من المدنيين، هذا القصف الذي أرسل رسالة للروس قبل السوريين بان هناك خطوطا حمراء في سوريا، لا تبيح لأصحاب القواعد العسكرية على البحر تجاوزها، تلك الخطوط التي ترسم مناطق النفوذ لكلا العظميين ووكلائهما المنفذين!
الأسلحة الكيماوية وقبلها النابالم وقبلهما براميل البنزين التي استخدمها الجيش العراقي في حرق قرى ومدن كوردستان منذ أيلول 1961 وحتى 2003 لم تغير قيد أنملة توجه شعب كوردستان لتحقيق أهدافه وطموحاته، بل إن واحدة من أسمى تجلياته حينما توقفت حرب ( أم المعارك ) وكان هناك بصيص أمل للحوار والتفاوض مع بغداد صدام حسين ذهبت قيادة كوردستان برئاسة البارزاني تحمل جراحاتها وملفات تفاوضها حول حقوق شعب كوردستان دونما فتح ملفات الدم والموت قبل سنين قليلة، والتوجه إلى المستقبل وخيار السلم والبناء.
النتيجة؛ ورغم ماسي ما حصل في حلبجة وبعد صراع طويل ومرير سقط خيار الحرب والعنصرية والتكابر وانتصرت إرادة الخير والسلام، وتحولت حلبجة إلى رمز للمقاومة والانطلاق إلى التحرر، وهي ذاتها أسقطت من احرقها، وفي خان شيخون سجلت ساعة سقوط نظام الأسد وبدأ العد التنازلي الحقيقي لنهايته وبداية عصر جديد، ربما يختلف عما حققه شعب كوردستان وأيقونته في حلبجة، لكنه في آخر الصراع ستكون الغلبة للسلام والتعايش وان بعد حين!
لقد سقط البعث ودولته ونهضت حلبجة، وفي خان شيخون ترتسم نهايات حقبة الأسد!
[email protected]
التعليقات