تتسارع الأحداث لتصب في مصلحة ايران وها هي تدخل الدول العربية واحدة تلو الأخرى، وكأن العالم ينقصه مزيد من الاستقطاب الطائفي. وكل ذلك بفضل التشتت والتشرذم العربي، وكذلك بسبب قدرة ايران على مواجهة العقوبات الاقتصادية واكتفائها الذاتي. ولكن موقف العرب الذين حالفوا ايران بحجة المقاومة مثير للدهشة، لأن ايران وعبر التاريخ لم تقف في صف العرب في أي من قضاياهم، وهي عندما تناصر القضية الفلسطينية، فإنما تناصرها شراء للعقول الوثابة على الواقع والمتغاضية عن التاريخ. فايران دولة عقائدية ولديها استعلاء قومي وتهمها السيطرة ونشر عقيدتها وزعامة المنطقة، نظرا لأهميتها الاستراتيجية وضعف العرب، وإلا لكانت طمعت بالدول الآسيوية الأخرى المجاورة لها، لكنها وجدت في السذاجة العربية ضالتها. وفي هذا الظرف بالذات، جاءت الفرصة الذهبية لأن من الحلفاء الجدد من يجلسون على جبل من الكنوز، مما يعزز الموقف الايراني ويشجعه على التمدد.
ولكن المثير للاستغراب والدهشة هو موقف حماس، فالمفروض أن الفلسطينيين شعب ثابت على المبادئ وليس المصالح، فكيف يتوقعون نصرة ايران لهم وهي تحتل أراض عربية وتسعى للمزيد؟ لقد وقف الأردنيون والفلسطينيون موقفا مؤيدا للعراق وتحملوا النتائج القاسية، ولكن موقفهم كان مشرفا لأنه كان قائما على المبادئ ودعما لبلد عربي دافع عن العرب وقدم الكثير لأجلهم، وسواء غضب الناس أو رضوا عنهم، فهم يعترفون اليوم بأن موقف الفلسطينيين والأردنيين كان مشرفا وعلى حماس أن تتمسك بهذا الموقف وتعزف عن الدخول في تحالفات تخالف المبادئ التي اتخذتها لنفسها وسجلت لصالحهم، وهي نصرة العرب ضد من يحتل أرض العرب كائنا من كان. ولا يغترون ببعض المساعدات الايرانية التي لم تجلب لغزة سوى توحش اسرائيل وقصفها كلما رغبت بذلك.
وليس الدعم الايراني لسوريا محبة فيها، والكل يعرف أن سبب الحرب كان رفض سوريا لمد خط أنبوب نفط لدول الخليج والموافقة على مده لايران وروسيا، أفلا تقوم ايران بالدفاع عن هذه المصلحة الاقتصادية العظيمة؟ بالإضافة إلى ذلك، فإن دعم الفصائل المقاتلة استراتيجية تتبعها الدول الطامعة لضرب القوي بالضعيف، وعندما ينهكان، تتولى أمرهما بشكل أسرع وأكثر سهولة. لذا فإن ايران تدعم جميع الفصائل المقاتلة من داعش حتى الحوثيين. ويمكن الاطلاع على هذا التكتيك العسكري في كتاب ماكس بوت "الجيوش الخفية" الصادر في عام 2013 الذي استعرض فيه تاريخ استخدام الميلشيات أو العصابات التي استنزفت وأضعفت كبرى الدول منذ الإمبراطورية الأكادية في القرن 22 قبل الميلاد إلى يومنا هذا، حيث تكون الميليشيات مدعومة حتى تنفذ مهمتها ومن ثم يتوقف الدعم. وها هي ايران تنفذ خطتها والعرب يستجيبون، ولا مجال للثقة بنواياها إذ لم يسبق لها صداقة العرب عبر التاريخ، ولو كانت صادقة، لأعادت الجزر التي احتلتها في عهد شاه ايران.
لقد وصل العرب إلى مرحلة مثيرة للشفقة وهم على وشك خسارة أموالهم وتدمير اقتصادهم وربما أكثر من ذلك، وليس هناك لديهم أي أمل بالخروج من هذا المأزق سوى التمسك بالثوابت التي ترفض التفريط بالأوطان ودعم العدو ضد الشقيق، وإعادة قراءة التاريخ الذي وثق للعرب هزائمهم المتتالية نتيجة الاستقواء بالأعداء ضد بعضهم البعض.
- آخر تحديث :
التعليقات