تمتلك دولة الامارات العربية المتحدة رؤية واضحة تجاه المستقبل، وتبدو هذه الرؤية واضحة في أهداف استراتيجية 2021، التي تعزز القوة الناعمة لدولة الامارات وتدعم مكانتها الدولية، حيث تهدف الامارات إلى أن تكون من أفضل 10 دول في التميز والقدرة التنافسية من خلال المؤسسات، والبنية التحتية، والاقتصاد الكلي، والصحة والتعليم الاساسي، وكفاءة سوق العمل، والابتكار في سنة 2021، وأن تكون اضمن أفضل 10 دول في العالم خلال السنوات الأربع القادمة في مؤشرات التنمية البشرية والمستدامة، وأن تكون من أفضل (30) دولة في مؤشر مستوى جودة الرعاية الصحية الأساسية والرعاية الصحية الوقائية، والرضا عن الرعاية الصحية البدنية والذهنية، وضمن أفضل 10 دول في السنوات الأربع القادمة في توفير فرص متساوية للمواطنين والمقيمين في الدولة؛ للحصول على خدمات صحية وعلاجية ترقى لأفضل المستويات العالمية، مع التركيز على زيادة الوعي حول المخاطر الصحية وضمان الوقاية منها. كما تلتزم الامارات في هذه الرؤية بتوفير أعلى مستويات جودة الحياة، انطلاقاً من بيئة متسامحة، وثقافة غنية، وخدمات حكومية متميزة.

وتمضي الامارات بثقة في تحقيق هذه الأهداف الطموحة، وتدرك أن سقف التحديات عال، ولكن تجربتها منذ تأسيس الدولة الاتحادية على يد القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تؤكد أنه لا مستحيل عن توافر الإرادة والعزم الصادقين، وفي ظل التعاون الصادق بين القيادة والشعب على بلوغ تلك الأهداف. ومن ثم تمضي الإمارات وفق رؤية محددة الخطوات والأهداف، وترسم لنفسها خطوطاً واضحة ودقيقة للعمل في استشراف المستقبل، فهناك استراتيجية اقتصادية متخصصة تهدف إلى أن تكون دولة الامارات متقدمة علميًا، وذات اقتصاد مبني على المعرفة، يعتمد على الصناعات المتقدمة، والبحث العلمي، وتحقيق معدل نمو للقطاعات غير النفطية، والتقليل من الاعتماد على النفط، بل والتخطيط للاحتفال بتصدير آخر برميل نفط. 

علمياً، أسست الإمارات مجلس الإمارات للعلماء؛ ليكون منصة معرفية لتعزيز ومناقشة كل المبادرات التي تطلقها الدولة؛ بهدف خلق بيئة محفزة على الابتكار والابداع والبحث العلمي؛ وبناء جيل من العلماء المواطنين في مختلف المجالات العلمية.

على صعيد القوة الناعمة، التي أسست لها الدولة مجلساً وطنياً متخصصاً، تمضي الدولة بكل ثقة في إرساء ركائز هذه القوة، باعتبارها داعماً رئيسياً لما تتمتع به الدولة من موارد قوة في السياسة والاقتصاد والأمن وغير ذلك، حيث تمضي الدولة على درب تعزيز ثقافة التسامح والتعايش، واسندت هذه المهمة الحيوية لوزارة هي الأولى من نوعها في العالم، بهدف تعزيز قيم التعايش المشترك والتواصل والانفتاح على كل حضارات وثقافات العالم. وتشير إحصائيات إلى وجود أكثر من (200) جنسية، مما جعل دولة الامارات تحقق مؤشرات عالمية متقدمة في مفهوم التلاحم والاستقرار المجتمعي. وفق ما أكد عليه تقرير البنك الدولي في عام 2015.

من هنا تأتي أهمية الافتتاح المرتقب لمتحف "لوفر ـ أبوظبي" في 11 نوفمبر المقبل، فهو ليس منتجاً سياحياً فقط، بل مزيجاً من السياحة والثقافة والفنون وبالتالي فهو إنجاز ضخم سيعزز مكانة أبوظبي كوجهة سياحية إقليمية، ولكنه ينطوي على أبعاد ثقافية عالمية ذات تأثير بالغ، فالمسألة لا تتعلق بمتحف تقليدي، بل بمتحف له تاريخ ومكانة عالمية، ووجوده في أبوظبي من شأنه أن يكون جسراً للثقافة والمعرفة وقناة للتواصل والتقارب الثقافي بين الشرق والغرب.

الإمارات لها جهود رائدة وموقع متميز في التواصل الثقافي بين الحضارات، فقد نجحت في بناء نموذج حضاري وانساني رائع للتعايش في ظل وجود عمالة وافدة تنتمي إلى أكثر من مائتي جنسية، كما باتت رمزاً عالمياً في التسامح الإنساني، ومن ثم فهي تسعى دائما إلى البحث المشتركات في الثقافات والحضارات، وتمضي على هذا الدرب وفق رؤية تهدف إلى تحقيق التقارب الإنساني ونبذ ثقافة العنف والصراع والحروب وسفك الدماء واستصالها عبر استراتيجية لبناء معادل موضوعي بديل لها يقوض أهداف تنظيمات الفوضى والتخريب والحروب.

الإمارات هي النموذج الذي تنشده البشرية، والبشر المحبون للسلام في كل أرجاء العالم، فهي عاصمة النور في الشرق، وعاصمة للعمل الإنساني في العالم أجمع، ولوفر أبوظبي سيكون علامة فارقة ليس فقط في العلاقات بين الامارات وفرنسا، ولكن بين الشرق والغرب. ويأتي افتتاحه في توقيت مهم للغاية، فالمنطقة على وشك طي صفحة الإرهاب "الداعشي" بعد هزيمته في العراق وسوريا، ومن تحتاج الإنسانية إلى جهود هائلة تبذل على مستوى الثقافة ونشر الوعي لمواجهة الفكر المتطرف والعنيف، وذلك من خلال نشر قيم إنسانية وحضارية راقية تعمل على محو أفكار هذه الجماعات الضالة، التي سعت، ولا تزال، للوقيعة وإشعال الصراع والحروب بين الحضارات والثقافات والأديان.

لا خلاف على أن الثقافة والتعليم يمثلان سداً منيعاً ضد التطرف والإرهاب والتغول والعنف، ومن هذا المنطلق فإن الامارات تعمل على مسارات متوازية، فهي تشارك بجدية بالغة في الجهود العسكرية لمكافحة الإرهاب واستئصال جذوره في مناطق شتى، وبموازاة ذلك تعمل أيضاً على نشر الوعي والتصدي للارهاب بالتعليم والثقافة وغير ذلك من مبادرات وجهود تبذلها الامارات.

لوفر أبوظبي إضافة نوعية تاريخية للقوة الناعمة الإماراتية، وسيكون له تأثير كبير في مكانة دولة الامارات على صعيد الثقافة والفكر العالمي، وسيدعم مكانة أبوظبي كعاصمة للنور والثقافة والحوار والتعايش في الشرق.