خرجت المواطنة السعودية صباح يوم 30 مايو إلى الفضاء العام برفقة فرقة مدججة من الأنظمة واللوائح التي تحفها, وتلخص قانون حمايتها من التحرش .
على الرغم من كون الفضاء العام المحلي تحميه شبكة من خصائص سلوكية محافظة و وقورة ،لكن هذا المزاج ينتمي تاريخيا إلى حقب البلدات الصغيرة التي كانها المجتمع قبل عقود من الزمن, لكنها حتما لن تلبي احتياجات المدن الكوزموبوليتانية الكبرى التي انفرشت بمساحات هائلة, والتي تطمح للاستثمار بكافة المكون البشري الوطني.
هذه المدن رغم واجهتها الأسمنتية إلا إنها كانت بمرجعية ثقافية تنتمي إلى عمران مائل كان يشطر المدينة إلى واجهة ذكورية, وحرملك نساء متوار عاطل مُعطل, تبدى في الدوائر الحكومية , أماكن الترفيه, وصولا إلى التصميم الهندسي للمنازل , وبات خروج المرأة للفضاء يمثل حالة استنفارية تتقاطع مع هدوء المدينة وانتظامها, مابين من يمثل له هذا الخروج تهديدا واستفزازا يجب أن يكفكف على الفور وفي أقصر وقت, وبين مخاتلة حضور المرأة في الفضاء العام وفق قوانين الفريسة والصياد, وجميع هذا على حساب صورتها النمطية في الثقافة وتمكينها ومشاركتها في مكتسبات التنمية وسوق العمل كإضافة نوعية.
لذا صدور قانون مكافحة التحرش بالنسبة للمواطنة السعودية سيحسم العديد من هذه المواضيع, فهو يقارب في أهميته قرار تعليمها أن لم يوازيه, لاسيما إن المتتبع للمخاضات الصعبة التي مر بها القرار قبل أن يرى النور وينتشله أمر من المقام السامي, سيعرف أنه يمثل منعطفا في مسيرة تمكين المواطنة, لاسيما لأنه نازل الزمان والمكان معا, والآن دخول المرأة لسوق العمل هو مشروع دولة وتحميه بالقوانين, ومامن مجال للتجاذبات التي اعتقلت هذا المشروع سنوات داخل الدوائر الضيقة ومجلس الشورى.
و ما حرك ملف القانون بقوة مؤخرا هو خروج أفواج كبيرة من المواطنات إلى سوق العمل وتمكينها من قيادة مركبتها , جميع هذا كان يحتم وجود حيز مدني ايجابي وصديق للمواطنة في مدن لطالما اتخذت طابعا ذكوريا عبر السنين .
في السابق كان هناك موجة تجييش كبرى ضد هذا القانون, لاسيما من قبل الشرائح المتطرفة التي كان يقض مضجعها أي مشروع يتعلق بتمكين المواطنة ومغادرة أدوارها التقليدية التي ترفع الرجل على مستوى تراتبية الأدوار, وتجعله يستأثر بصناعة القرار والهيمنة الاقتصادية على النساء .
في الوقت الذي كانت تزدحم ملفات الشرائح المتطرفة بمشاريع خيالية حول عمل المرأة من منزلها و صرف رواتب لربات المنزل (هكذا) ! يأتي قرار مكافحة التحرش ليصبح حضور المواطنة في الفضاء العام مشروع دوله تحميه مظلة قانونية, تدعم مشاركتها (على حد سواء) في جميع مجالات التنمية وينزع عنها حصار ذلك السياج المكهرب الذي كان يحجبها عن المشاركة الفاعلة المؤثرة.
في النهاية القرار خرج عبر أمر سامي ومن خلال أعلى سلطة تشريعية في البلاد بينما ظل أسيرا الأدراج المعتمة لمراحل طويلة, وهذا هنا يرجعنا للسؤال الأزلي الذي مابرحت الدوائر الفكرية والسياسية تسأله :-
إلى أي مدى شعوب المنطقة جاهزة للديمقراطية ؟ وهل الديمقراطية هي الترياق الناجح لتحديات مشروع النهضة في المنطقة ؟ في الوقت الذي نجد إن المكون الظلامي مابرح يستحوذ على العديد من مفاصل الارتكاز في المجتمع, وكما كان تعليم المرأة قرار دولة كذلك تمكينها ... جميع هذا عبر مسيرة طويلة تتطلب جهودا كبرى ودؤوبة رامية إلى في تفكيك فكر التوحش وتفريغ حواضنة بين شرائح المجتمع.
التعليقات