مرة أخرى تتابع الصحف الدنمركية تصريحات وزيرة الاندماج الدنمركية إنجر ستويبيرج، فمثلا هاميرسهوي سبليتورف الموظفة في شركة أرّيفا للمواصلات اكدت بأن لديها 3500 سائق، ثلثهم من المسلمين، وبغض النظر عن عدد الذين يطبقون شعائرهم ولكن بشكل عام أنهم يدبرون امورهم بأنفسهم، فإذا كانت هناك ضرورة لتغيير أوقات السياقة فهم يبلغون مدير الاتصالات بذلك، مثلما يعمل زملاؤهم الدنمركيون الإثنيون "الأصليون" في فترة أعياد الميلاد المجيدة، حيث يحل محلهم السائقون المسلمون.
وقالت " نحن لا نحاول أن نحل مشكلة غير موجودة، ولم نشعر أننا نواجه مشاكل عملية. إن أرّيفا ليس لها أجندة سياسية، ونشدد هنا بأن الأمور تسير على مايرام عندنا". نفس الأمر بالنسبة لإتحاد 3 أف حيث أكديان فيلادسن لجريدة يولاند بوستن بأنه لم تحدث أبداً مشكلة مع السائقين المسلمين مثل عدم تأدية واجبهم بشكل جيد في شهر رمضان. وقال إن 50 % من السائقين في كوبنهاجن من خلفيات إثنية أخرى غير دنمركية ولم نسمع إطلاقاً بأن الصيام مشكلة.
ودخل إختصاصيو التغذية على الخط فصرح الدكتور توماس مينيرت لارسن الأستاذ المحاضر في معهد التغذية الإنسانية في جامعة كوبنهاجن بأن صيام 18 ساعة لا يسبب مشكلة ويمكن لجسم الإنسان أن يتحمل، يشعر بالجوع لكنه يعتاد على هذا الأمر بسرعة.
أما بالنسبة للأستاذ الجامعي ينس ريكارد أندرسن المحاضر في التغذية الوقائية والكلينيكية في جامعة كوبنهاجن، فله نفس الرأي ويقول: عمليا إن المسلمين غير صائمين في هذه ال 18 ساعة, إنهم مجرد يجمعون ثلاث وجبات في واحدة. هذا النوع من الصيام يسمى intermittentمتقطع، على فترات متقطعة، حيث يصوم المرء ويفطر بأوقات محددة. ويدعى هذا النوع من الصيام eat windows، نوافذ التغذية ويشمل هذا المصطلح أيضاً الحمية 2:5 التي يصوم فيها المرء يومين أسبوعياً ويفطر في الأيام الباقية. المقصود طبعا أن الطعام يخزن في جسم الإنسان بوجبة كبيرة.
"وقد بينت دراسات مجموعة البحث البلجيكية أن التركيز يقل و يضعف لدى الصائمين في الأسبوع الأول، لكنه يصبح إعتياديا في النصف الثاني من شهر رمضان". أحد هؤلاء الباحثين لودي جوديريس، البروفيسور في جامعة ليوفين قال أيضا "إن الصيام يمكن أن يؤثر إيجابياً على قدرة التركيز". وقد إختبر جوديريس مجموعةً من الناسالذين لم يتناولوا وجبة الغداء فوجد أنهم لايشعرون بالنعاس drowsyعلى عكس الذين أكلوها.
ويقول في إستنتاجات دراسته: إن نتائجنا تشير إلى أن رمضان لا يعطي أرباب العمل في اوروبا الغربية أي سبب لإبعاد المسلمين عن أعمال تحتاج إلى تركيز مستمر.
وهنا دخل على الخط متخصصان في التغذية، لدى كل منهما خبرة عمل 22 سنة بير بريندجآرد ولويسه بروون، وأجريا دراساتٍ عديدةً وأصدرا كتبا كثيرةً، حيث أكدا أن جسم الانسان يتحمل 18 ساعة من الصيام وأنه قادر على العمل، وأنهما لايخافان الجلوس في حافلة يقودها سائق مسلم صائم، واضافت لويسه تقول " أنا لا اعترض على الجلوس في حافلة يقودها سائق لم يأكل لمدة 18 ساعة، بل سيكون لدي قلق أكبرعند الجلوس في حافلة يقودها سائق بدين".
بل إن صحيفة بي تي الدنمركية المشهورة صدرت بتاريخ عدد 22 مايو أيار 2018 بعنوان عريض:
ستويبيرج غاضبة: خبيران يعارضانها!
وأجرت في هذا العدد إستفتاءاً على سؤال:
هل ستقلق عند الجلوس في حافلة يقودها سائق لم يأكل ل 18 ساعة؟
فكانت نسبة 86% أجابوا لا و 14% أجابوا نعم وكان عدد المصوتين 7348
وكما يبدو من الإستفتاء بأن الدنمركيين لم يسيسوا القضية وأجابوا كما تملي عليهم ضمائرهم، وهذا أمر مهم ساهم في خلق ظرف إيجابي في أجواء بالأساس ليست بالمستوى المطلوب. وقد بعثت إحدى القارئات تقول "أنا لا اؤيد قدوم لاجئين كثر إلى بلادنا، لكن المفروض أن تشكر الوزيرة هؤلاء العاملين كي يندمجوا اكثر في المجتمع الدنمركي".
وأنا بدوري هنا أوجه تحياتي للقراء الأعزاء الذين احترمهم وآخذ بنظر الإعتبار آراءهم وأتعلم منهم بخاصة تلك التي ركزت على الفكرة ولم تشذ عنها أو تخلط الأوراق وتخرج عن السياق ولم تلجأ للتجريح والإنتقاص من الآخر، وتتحدث عن ثارات قديمة بين الأديان والأعراق وسمفونية الأحقاد التاريخية ولولا هذا الشعور لما تناولت هذا الموضوع مرة أخرى في مقالي الحالي رغبةً مني في إثرائه.
هناك رسائل أخرى من قراء دنمركيين رفضوا فيها فكرة وزيرة الاندماج ليس حباً بالمسلمين أو تعاطفا معهم بل كي يظهروا إحترامهم لحقوق الإنسان بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والإثنية، فَهُم، باستثناء عتاة العنصريين، لا يتحدثون بلغة الطرد "إذا ما عاجبك اطلع برّه"، ويركزون على الموضوع الحالي ولايتشعبون ولايصرحون بآراء إنتقامية وحقد دفين تخدش مشاعر الآخرين، فاللاجئون والمغتربون المقيمون هنا يسمون "الدنمركيون الجدد" وليس الأجانب أو جالية.
أغلب الإسكندنافيين غير ماضويين يرجعون إلى حروب الدنمرك مع السويد، ولا البروتستانت والكاثوليك مثل بعض السنة والشيعة أو المسيحيين والمسلمين عندنا مع الأسف، ولا الحروب الصليبية، وإن المسلمين قتلوا منا المسيحيين واغتصبوا كذا ألف وبالعكس، وإن الألمان إغتصبوا نساءنا في العالمية الثانية.
معظم الناس الإعتياديين هنا، على عكس بعض السياسيين والمؤدلجين، مهذبون لايشخصنون القضايا ولايطعنون بالمقابل ولايتنابزون بالألقاب ولا تكون ردات أفعالهم سريعة وانفعالية وعدوانية متحاملة بسبب الأحكام المسبقة عن الآخرين كما هو الحال في الشرق الأوسط؛ وإنهم، وهذا ما لاحظته عليهم من خلال عملي معهم لثلاثة عقود تقريبا، يريدون ان يتعلموا من أصحاب الشأن وذوي الإختصاص لكنهم يخافون على قيمهم الديمقراطية من الآخر بالذات بعد تزايد الإرهاب باسم الإسلام،ولهذا على المسلمين بالذات أن يستمروا في العمل والإندماج بالمجتمع الدنمركي لكي يغيروا الصورة النمطية عنهم
التعليقات