معظم مدن العالم اليوم نصب في ساحاتها واحيائها نصب وتماثيل. هناك كذلك العديد من المؤسسات الرسمية والأهلية تقتني التماثيل والنصب لتكون واجهة عمرانية في مكاتبهم. قد لا نجد اليوم مدينة تخلوا من تلك الرموز لا بل أصبحت العديد من المدن تعرف من نصب معين فيها والاشهر برج ايفل ونصب تمثال الحرية في نيو يورك ونصب المسيح في ريو دي جانيرو وطبعا نصب بوذا الشهير .

خلال اكثر من خمسة عشر عاما كنت فيها عضوا منتخبا في هيئة الثقافة في مدينة يونشوبنك السويدية ناقشت مع الهيئة عدد من المرات نصب العديد من تلك التماثيل والنصب في المناطق العامة والابنية والمدارس والساحات العامة. هناك قرار في بلدية المدينة يوجب على الشركات البناء تخصيص نسبة ضئيلة لشراء الاعمال الفنية عند بناء الأبنية والاحياء الحديثة. اعتقد كانت النسبة اثنين في المائة وربما تغيرت النسبة. المهم قارئي الكريم بان تلك النسبة الضئيلة ساعدت على ترسيخ تقليد حضاري في تجميل ساحات واحياء المدينة ومع مرور الزمن تراكم كم من الاعمال الفنية في المدينة اضافت الى معمار المدينة طابعا منفتحا من ناحية ومصدرا اقتصاديا للفنانين.&

بعد سنوات تعدت الثلاث عقود قررت ان أعيش ها هنا في الاندلس في الشتاء هربا من المتجمدة الشمالية. مدن الاندلس تزدهر بالتماثيل والنصب التي تخلد الشخصيات بعضها مجرد رمزية حيث نرى مدينة الرسام المعروف بيكاسو ، مدينة ملقا والتي تزهو بأعمال ابن المدينة البار الذي تحول بيت الابوة ومتحفه فيها الى مزار للسياح يأممها الملايين سنويا. لا ريب ان اسبانيا دولة سياحية يزورها اكثر من خمسة وثمانين مليون سائح سنويا تهتم بأماكن التي يرتادها السياح.

الطريقة المبتكرة في عرض الاعمال الفنية من تماثيل ونصب في اسبانيا جديرة بالتمعن والاستفادة من تلك التجربة. الطريقة تتمثل في كون النصب والتماثيل قابلة للنقل من مكان الى اخر وبذلك يتم تعميم الثقافة الفنية في معظم انحاء البلاد. فالذي يريد ان يتمتع بمشاهدة تماثيل من عمل بيكاسو مثلا ، لا عليه الا ان ينتظر ليرى تلك التماثيل في ساحات المدينة بعد انتقالها من المصدر.&

لا ريب ان وجود العمل الفني ثابتا في مكانة يحتاج الى السفر الى تلك المدينة لمشاهدتها كما عليها جدارية الحرية للنحات والرسام العراقي الأشهر جواد سليم. ذلك العمل الملحمي يزين احد اكبر ساحات العاصمة بغداد والمسماة ساحة التحرير.

العمل الفني يمكن ان يتحول الى رمز سلام ومحبة بمقدار ما يرمز اليه. اما تماثيل الشخصيات من ملوك وادباء او فنانين ورجال علم فهم هوية وطنية وإنسانية. لا ريب ان الحضارات القديمة في بلاد الرافدين ومصر الكنانة قد أسهمت في إيصال علوم ومعارف عن تلك الحقب التاريخية الينا. اليوم تزدهر وتفتخر العديد من متاحف الألم بمقتنياتها من تماثل ونصب اكتشفت في الشرق الأوسط قبل الحضارتين الاغريقية والرومانية. &المسلة المصرية توجد اليوم كنصب خالد في العديد من عواصم العالم واصبت رمزا حضاريا ان كان في باريس او واشنطن او حتى في استانبول. هذا الدور الحضاري ليس فقط لزينة المدن وساحتها بل هي عبارة عن رسالة تأتينا عبر الزمن خالدة تذكرنا بأمجاد حضارات الشرق التي اهدت الى الدنيا تلك الرموز الثقافية كارث للإنسانية جمعاء.