لماذا يهاجم خطيب مسجد فلسطيني داخل الخط الأخضر للاحتلال الاسرائيلي ، السعودية والإمارات ويتهجم بوقاحة على قياداتها ؟ لماذا وهو في قنوته خلال شهر رمضان يدعو عليها بالويل والثبور ، فيما يؤمّن خلفه من حضر بنية الصلاة ؟ ويقحم أدق تفاصيل السياسة في مقام إيماني لا يليق فيه أقل ما يشوش على الطاعة ويقطع العبادة ، لكن هذا الخطيب الموتور لا يفوّت فرصة إلا وأقذع فيها بالكلام ضد عاصمتين لم يعرف عنهما إلا حب الخير وإرادته للشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته.

كيف نفهم أن يضع الرئيس الفلسطيني ذو الشرعية الدولية كل ثقله وثقته في سلة السعودية وهو الذي راح فوق كل منبر يؤكد ويجدد موقف الرياض من تسوية عادلة تضمن للفلسطينيين حقوقهم ودولتهم وعاصمتهم ، فيما تسوق تلك المنابر المشحونة بالتلفيقات كذبة أن السعودية والإمارات تقف وراء صفقة القرن بكل تخريفاتها المشوشة.

يعبر هذا الخطيب الفلسطيني من جانب ، عن ذروة ما قد تبلغه الحركات الإسلاموية من اشتباك الدين بالسياسة ، وتكشف أداءاً توظيفياً سافراً لمنابر العبادة ومحاريب الطاعة وتحويلها إلى مسارح أيديلوجية تعبوية ، تستلب عقل الفرد وتشوه وجدانه ، وتحوله إلى كائن مذعن مستسلم لأهدافها الحزبية تحت سياط الدين وعبر استغلال آلياته.

كما أن جزءاً من هذا يحدث بتمويل ودعم من فرق جماعة الإخوان المسلمين المحظورة ، مثل دس بعض الشعارات المسيئة للسعودية والإمارات وسط التظاهرات التي اندلعت مؤخراً في الجزائر والسودان ثم تصويرها وتزويرها وتضخيمها وتعميمها في إطار حربهم المفتوحة مع عواصم الاستقرار.

ومثل تسيير بعض التجمعات الاحتجاجية في تركيا وبعض العواصم الأوروبية وحشوها بأنصار الجماعة لبث الرسائل التي تعزز من سرديتهم المأزومة، واختلاق الأخبار وتزييف الحقائق وإعادة تدوير ما ينتجونه من آراء وأفكار تحت لافتات أجنبية وادعاء أنها من مصادر غربية محايدة.

وإذا علم أن ذلك الخطيب يحمل الجنسية الإسرائيلية، ومنتظم بشكل رسمي في قوائم جماعة الإخوان المسلمين ، ويتلقى مسجده تمويلاً من تركيا ، وله صور تجمعه بالداعية القرضاوي ، وهو ضيف دائم على شاشة الجزيرة ، ولد في قرية الجليل المحتلة وعمل والده أجيراً في الشركات الإسرائيلية.

بدأ نشاطه السياسي بمشاركة بعض أفراد أسرته من خلال الحزب الشيوعي الإسرائيلي ، وحث الإسلاميين للاستفادة من زخم حضورهم في خوض انتخابات الكنيست الإسرائيلية.

ستقدم هذه الوصفة المتداخلة من التفاصيل، فكرة مختصرة عن الحقيقة المؤسفة.

يشكل هذا النوع من الخطابات، ورقة رابحة في حسابات الدعاية الإخوانية، والتي تمتد أذرعتها إلى غرفة عمليات لندن التي يديرها شخص غارق بإخوانيته عبر قناة تمثل التنظيم الدولي للإخوان، وقد وفرت لها مرحلة مقاطعة قطر دوراً جديداً وفرصة لانتعاش دورها وزيادة حضورها واستقطاب حقائب الدعم بعد أن كادت تخسر ذلك باستنفاد أغراضها.

قراءة المشهد بصورته الكاملة يعطي رؤية واضحة لحوض التفاصيل المتشابكة، ورغم تعقيدات وسرية عملية التوظيف والاسترزاق، لكن&اللعبة أصبحت مكشوفة تماماً منذ انطلقت المواجهة السافرة بدون مراوغة ولا مواربة.

تستمر&جماعة الإخوان المسلمين وداعموها&في سياسة خلق الشقوق في جدار الوحدة الفلسطينية، وتغذيها بحقائب المال المسيس التي تنفذ عبر إسرائيل وتحت نظرها وعنايتها لكيانات وأفراد يتبنون نهجها ويدعمون روايتها ويعملون تحت مظلتها لتحقيق أهدافها والالتزام بأجندتها.

ولن يصب هذا إلا في زيادة التشويش على القضية الفلسطينية التي انتهبتها المصالح الحزبية ، وانحراف بوصلة الشعب إلى حيث تزيد فجوة شقاقه وانشقاقه عن محيطه المحلي والإقليمي ، ولا بواكي للقدس وفلسطين.