ريما زهار من بيروت: لطالما كان الوجود المسيحي في لبنان الشرق الاوسط يشكل علامة استفهام حول تلاقيه مع الأديان الاخرى، وحرب لبنان التي اسفرت عن مقتل الآلاف انطلقت لبنانية- فلسطينية لتتحول طائفية ومذهبية، ورغم انتفاء وجود "الحزازيات" الطائفية بين القيادات اللبنانية، على ما ظهر في تحالف القوى المسيحية مع الاسلامية على اكثر من صعيد خصوصًا في الانتخابات ، فإن الشارع اللبناني لا يزال يخشى رواسب الحرب القديمة ويشعره ب"نقزة" السجال بين رئيس الجمهورية السابق أمين الجميّل والأمين العام ل "حزب الله" حسن نصرالله .
في تعليقه على واقع المسيحية في لبنان يقول الدكتور في القانون الدولي جورج سرحال :"على المسيحيين ان يعرفوا الاهمية المصيرية لتحديد دورهم ورسم تطلعاتهم على المدى ‏البعيد، والا فانهم سيساهمون من حيث لا يدرون في القضاء على اي وجود فاعل لهم ليس في لبنان ‏فحسب، وهذا الاهم، بل في المشرق قاطبة.

ويضيف ل"إيلاف" ان القيادات اليوم تتلهى بسجالات عقيمة وتتبادل رسائل الكثيرمنها ‏ملغوم، وكأن المطلوب تسجيل مواقف، او كأن الصراع السياسي في لبنان محصور برئاسة ‏الجمهورية او بالساحة المسيحية، علمًا ان لبنان تغير كثيرًا، وان قراره الفعلي، حتى بعد ‏الانسحاب السوري وعودة العماد ميشال عون وخروج الدكتور سمير جعجع من السجن لا يزال في مكان آخر.‏ لذا ينبغي ان تتبدل النظرة الى المشاركة المسيحية واعطاؤها بعدًا اعمق، بعيدًا ‏عما يسمى بمنطق الحصص والتقاسم، و لا بد هنا من تطوير الخطاب والأداء نحو مواطنية تنطلق من الانسان ‏الفرد من جهة، ومن جهة ثانية العمل على تقديس الحرية وترسيخها بمختلف ابعادها بمعزل عن حسابات الطوائف ‏والقوى السياسية، ومزايدات بعض رجال الدين من مختلف الفئات.

وهذه الدعوة ترمي الى حماية التوازن و توفير حد ‏مقبول من التناغم بين مختلف مكونات المجتمع اللبناني. الامر الذي يؤمن للمسيحيين طمأنينة ‏ترتكز الى مدى قدرتهم على فرض حضورهم وتعزيز موقعهم في شبكة العلاقات الداخلية ‏والخارجية، اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا في آن.ومن هنا نستطيع القول بانه بقدر ما يكون المسيحيون " لا ‏يستغنى عنهم"، اي حاجة فعلية يصعب تجاوزها، بقدر ما يحافظون على وجودهم.

وردًا على سؤال عن علاقة مسيحيي لبنان بمسلميه يرى سرحال ضرورة ان يحصل المسيحيون في لبنان على اجوبة واضحة وقوية على ‏الاسئلة المتعلقة بالعلاقة مع المسلمين ومع المحيط العربي والاسلامي الاوسع، وهنا تبرز ضرورة ‏التفاعل الايجابي مع الاسلام المعتدل الذي يمثل الاكثرية في لبنان وسائر البلدان في مواجهة ‏التطرف ايًا تكن هويته، وبالتالي لا تجوز المراوحة عند التشكي والتعبير عن المخاوف امام ‏الغرب الذي هو اساسًا يواجه المخاوف نفسها، بل يجب البحث عن مدى ترتيب العلاقات الجيدة ‏التي توفر شبكة امان للجميع.‏

ويتساءل سرحال عن غياب الفكر الخلاق الذي يكون مادة في خلفية كل تطور ‏سياسي وكل تحول وكل ثورة وكل نجاح لقوة سياسية. وفي هذا المجال يجوز السؤال عمن يمكنه ‏ان يستجمع القدرات المفكرة للتخطيط والدرس واستقراء التحديات وفي معادلة الحفاظ على ‏الحضور المسيحي من خلال الحفاظ على خصوصية لبنانية معينة توفر لجميع اللبنانيين اسباب ‏الازدهار والاستقرار والمتعة.
ويضيف" لا بد لكل من يستشعر هذا الضياع ان يتجرأ ويواجه القيادات على انواعها ‏بالحقيقة والمخاوف وبالحاجة الى احداث صدمة ايجابية وان تدريجًا، فالتحديات اليوم اكبر من ‏تجميع تكتلات غريبة ، واعمق من التوجه الى الخطابات التي تركز على الشكليات عوض ‏المضمون.

لقد ملّ اللبنانيون عمومًا والمسيحيون خصوصًا التجاذبات واصطناع الانتقادات، ‏بينما هم اشبه بالمدينة المحاصرة واهلها غارقون في نزاعاتهم الخاصة. فالمطلوب اليوم التقليل من الضجيج الاعلامي الخطابي لمصلحة الانصراف بهدوء وخلف الجدران الى ‏التفكير في ما ينبغي القيام به.ولا يجب تحميل بكركي اكثر مما تستطيع تحمله، الا في اطار ‏رعاية او مباركة اي توجه سليم.‏ ويختم بتسجيل اسفه لعدم فهم المسيحيين اللبنانيين جيدًا ابعاد الارشاد ‏الرسولي، الذي لا يعني ابدًا اخماد الحضور المسيحي في المحيط الاوسع، بل تفعيل الدور المسيحي بما ‏يساعد العالم العربي على ان يكون عالمًا افضل للانسان فيه.