أحمد عبدالعزيز من موسكو: التزمت موسكو الصمت إزاء الأنباء الواردة من طوكيو حول تعثر المفاوضات الروسية اليابانية على مستوى وزيري الخارجية حول مجموعة من البنود المرتبطة بعضها ببعض بصورة وثيقة. وكشفت الأنباء أيضا عن فشل وزيري خارجية البلدين في الاتفاق على تحديد موعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طوكيو والتي كان من المقرر أن تجري في النصف الأول من هذا العام، والتوصل إلى تسوية بشأن ملكية جزر الكوريل الأربع التي تشكل خلافا عميقا بين موسكو وطوكيو، وتعطل عمليا توقيع معاهدة السلام بين الجانبين.

في غضون ذلك أدلى وزير الخارجية الياباني نوبوتوكا ماشيمورا بتصريح محاط بالضبابية، عقب محادثاته مع نظيره الروسي سيرجي لافروف الذي يزور اليابان حاليا، بأن "الطرفين اتفقا على أن تتم زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى اليابان قبل نهاية العام الحالي. وسيجري التنسيق على موعد الزيارة فيما بعد"، الأمر الذي أكد مخاوف المراقبين من فشل زيارة لافروف، وإمكانية تأجيل زيارة بوتين إلى أجل غير مسمى.

وأفادت وكالات الأنباء الروسية بأن وزيري خارجية البلدين لم يتمكنا أيضا من تجاوز الخلافات الحدودية القائمة، وبالذات في ما يخص جزر الكوريل الأربع التي اقترحت روسيا إمكانية إعادة اثنتين فقط منها مقابل توقيع معاهدة سلام بين البلدين، بينما ترفض اليابان هذا الاقتراح مطالبة بالجزر الأربع. وأشار سيرجي لافروف إلى التناقض الشديد في موقفي الجانبين بهذا الصدد، مشددا على عدم وجود أي تغيير في وجهة نظر موسكو وطوكيو.

على الرغم من التفاؤل والدفء اللذين أحاطا بزيارة وزير الخارجية الياباني نوبوتوكي ماشيمورا لموسكو في منتصف كانون الثاني (يناير) 2005، إلا أن الأوساط السياسية والدبلوماسية الروسية أبدت بعض الشكوك في إمكانية نجاح زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطوكيو في رأب الصدع التاريخي وتوقيع معاهدة السلام التي يدور الحديث حولها منذ أكثر من 6 سنوات.

وجاء تشاؤم المراقبين في هذا الصدد من اللهجة الحادة التي تحدث بها وزير الخارجية الياباني عندما تطرق الحديث إلى إمكانية إعادة جزيرتين فقط من جزر الكوريل الأربع إلى اليابان مقابل توقيع اتفاقية سلام. إذ رأى ماشيمورا أن هذه الاتفاقية كان من الممكن توقيعها عام 1956 مع الاتحاد السوفياتي الذي أبدى الاقتراح نفسه، ولكن اليابان تنظر من وجهة نظر أخرى لهذه الأزمة، وتنطلق من مبدأ ملكية الجزر الأربع.

وفي ختام محادثاته مع نظيره الياباني نوبوتاكي ماشيمورا في موسكو آنذاك صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بصعوبة حل الأزمة الحدودية بين روسيا واليابان. وفي ما أشار إلى أنه سيقوم بزيارة إلى اليابان في النصف الأول من شهر أيار (مايو) 2005، رأى أن موقفي موسكو وطوكيو من أزمة الحدود والأراضي متناقضان. وقال "إن موقفي البلدين من القضية المذكورة مختلفان، ويمكن القول إنهما متناقضان". والجدير بالملاحظة أن زيارة لافروف هذه تأجلت من آذار(مارس) إلى أيار (مايو) من هذا العام، وهو ما يشير إلى عمق النزاع وتمسك كل طرف بمواقفه حيال جزر الكوريل.

وعلى الرغم من اتفاق موسكو وطوكيو على جعل الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى اليابان في النصف الأول من عام 2005 مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة وأنها ستجرى في هذا العام الذي يشهد ذكرى مرور 150 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا واليابان. غير أن زيارة بوتين أيضا لم تتم إلى هذه اللحظة، الأمر الذي يعكس تناقضا شديدا في موقفي البلدين.

إضافة إلى كل ذلك، كانت جولة من الغزل السياسي الروسي لليابان انتهت في آخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2004 بمعارضة شديدة في الدوائر السياسية والبرلمانية الروسية، ومظاهرات حاشدة في سخالين على تصريحات كل من الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرجي لافروف بإمكانية إعادة جزيرتين من جزر الكوريل الأربع إلى اليابان مقابل توقيع معاهدة سلام وعدم اعتداء بين موسكو وطوكيو. وصرح وقتها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن موسكو مستعدة لإعادة جزيرتي (شيكوتان) و(خابوماي) إلى اليابان، مشيرا إلى أن الكرملين يعلن اعترافه بالبيان الروسي-الياباني المشترك الصادر عام 1956، والذي أعلن فيه الاتحاد السوفياتي السابق تنازله عن جزيرتين مقابل الاحتفاظ بجزيرتين أخريين. ومن جانبه أيضا أعلن الرئيس الروسي بأن روسيا مستعدة للوفاءبما أخذته على عاتقها سابقا من التزامات، ومن ضمن ذلك التزاماتها بتنفيذ الاتفاقيات مع اليابان بالقدر نفسه الذي ستلتزم به نحو تنفيذ المعاهدات نفسها.

وعلى الرغم من الاقتراحات التي قدمتها موسكو، رفضت اليابان العرض الروسي وأعلنت تمسكها بموقفها، وبأنها لن تغير رأيها بشأن المشكلات الحدودية مع روسيا. وصرح رئيس الوزراء الياباني زينتيريو كويزومي في كانون الثاني(يناير) الماضي بأن الاتفاقيات الموقعة مع روسيا تتحدث عن الجزر اليابانية الأربع، وليس جزيرتين فقط. وأضاف أن مسار اليابان لن يتغير بشأن هذه القضية ما لم يتم تحديد واضح بشأن إعادة 4 جزر، ولن يتم أيضا توقيع اتفاقية السلام مع روسيا. وشدد كويزومي على عدم وجود أي حديث حول إعادة جزيرتين فقط من جزر الكوريل الأربع، مستشهدا في ذلك بالبيان الذي تم توقيعه في طوكيو بين القيادتين الروسية واليابانية عام 1993، والذي تضمن فقرات واضحة بشأن إجراء مفاوضات جدية بين الطرفين حول ملكية هذه الجزر.

يذكر أن ملكية أربع جزر (كوناشير، وإيتوروب، وشيكوتان، وخابوماي) قد انتقلت إلى الاتحاد السوفياتي في عام 1945. وتنص معاهدة السلام التي عقدت في 8 أيلول (سبتمبر) عام 1951 بين اليابان والحلفاء على تنازل الأولى عن جميع حقوقها في ساخالين الجنوبية وجزر الكوريل. وفي عام 1956 وقع الاتحاد السوفياتي واليابان بيانا مشتركا صادق عليه فيما بعد مجلس السوفيات الأعلى. ويتضمن هذا البيان اتفاقا بشأن تسليم اليابان جزيرتي خابوماي وشيكوتان بعد توقيع معاهدة سلام بين الدولتين. غير أن اليابان تصر على استعادة جميع الجزر الأربع كشرط أساسي لتوقيع توقيع معاهدة السلام مع روسيا.