تعاقب ان طالبت بحقوقها
الناشطة البحرينية متهمة بسبب الموروثات
... وقضاياها تعارض اولويات الحكومة

* ريم خليفة

لطالما اثير الحديث في مجتمعنا الذي تحكمه السلطة الذكورية عن عمل الناشطات البحرينيات في مجال حقوق المراة ...فمرة هي متمردة ومرة هي خارجة عن الدين والتقاليد...والسبب يكمن في طرحها قضايا تمس واقعها الحقوقي البائس والخوض في معركة دفاع عن هذه الحقوق التي تجهلها الكثير من مثيلاتها اللواتي للاسف وفي اغلب الاوقات يقفن ضد هؤلاء الناشطات معبرين عن وجهة نظر ذكورية لكن في اطار ديني رغم ان الحقيقة ما هي الا اطارا لاعراف وموروثات اجتماعية عززت مكانة المراة على انها اداة " تبعية" لا " قيادية" وذلك في صور مختلفة.

وهو ما يعكس واقعنا النسائي الحالي الذي لا يستطيع حتى في اعلى منصب حكومي ان يكون رايه فعالا او صانعا لقرار حقيقي للمراة لكن بوقا لاوامر وقرارت محسوبة من قبل اجندة سياسية ذكورية لا اكثر!

ان المشروع الاصلاحي الذي تشهده البلاد منذ اربع سنوات مازالت جوانب من ملامحه ناقصة خصوصا في ظل غياب قانون للاحوال الشخصية واصلاح القضاء الشرعي الذي مازال مستمرا في تميزه ضد صالح المراة بسبب خضوعه غالبا لمزاجية مغلقة.

ليس هذا فحسب بل ان عدم وجود اتحاد نسائي شعبي يمثل جميع الشرائح النسائية دون تسيس واستثناءات هي مشكلة اخرى في عدم اتاحة الفرصة في رفع الصوت النسائي الشعبي وطرح قضاياه تحت اجندته لا تحت وصاية اجندة جهات رسمية اخرى هذا في حال اشهار الاتحاد الذي سيعلن عنه قريبا بحسب ما كشفت عنه وزارة الشؤون الاجتماعية حديثا للصحافة المحلية!

وفي ظل هذا المد والجزر الخاص بوضع الناشطات في مجال حقوق المراة وفي سابقة اولى قامت النيابة العامة بتحريك ثلاث دعاوى جنائية ضد رئيسة الشراكة المجتمعية لمناهضة العنف ورئيسة لجنة العريضة النسائية غادة جمشير بتهم تتعلق باهانة القضاء الشرعي والقذف بحق احد القضاة وهي تهم تصل الاحكام المشددة فيها الى السجن خمسة عشرة عاما .

و بدات محاكمة جمشير في الرابع من يونيو/حزيران الجاري بينما تم تاجيل المحاكمات في جلستها الثانية الى الخامس من اكتوبر/ تشرين الاول المقبل.

وقد عبرت الجمعيات الحقوقية والنسائية والسياسية المحلية والدولية عن استيائها من التهم التي وجهت الى جمشير ." الوسط" التقت بعدد من الناشطات في محاولة جادة لاستعراض الايجابيات والسلبيات في عملهن الحقوقي كمدافعات لحقوق المراة.

وفي هذا الصدد قالت الناشطة جمشير ان المشكلة تكمن"في فتح موضوع المراة الذي هو موضوع حساس"مؤكدة انها " ليست على خلاف مع الدين الاسلامي كون ان الاسلام انصف المراة واعطاها حقوقا لكن لابد من ان تدافع المراة عن هذه الحقوق التي اعطاها الاسلام لانها واقعا ليست مطبقة وغير موجودة".

واضافت ان هذه الحقوق " لا تطبق بسبب الموروثات الاجتماعية وتجاهل بعض القضاة الشرعيين لتطبيقها لانصاف المراة ".

اما عن العواقب التي تواجه الناشطات في هذا الجانب فقد اوضحت جمشير بان اغلب الناشطات في مجال حقوق المراة تواجههن مشكلة واحدة اساسية متمثلة مع فئة الاسلاميين المتشددين لا المعتدلين منهم مشيرة الى انهم لا يريدون ان يعترفوا بحقوق المرأة اذ انهم دائما يخلقون الحجج لكن من اجل صالح الرجل لا المراة.

وتساءلت جمشير كيف يتم تجاهل حقوق النساء وهم يمثلون نصف المجتمع علما بأن نسبتهم في المجتمع البحريني تقدر 52 في المئة بينما رجال يقدر عددهم ب48 في المئة فقط... وهو ما يعني ان الاكثرية حقوقها معطلة في المجتمع.

واضافت ان "مشكلة المتشدد متمثلة في توجهه الطالباني وهو ما نراه ونلمسه في كيفة التعامل مع قضايا المحاكم الشرعية التي لا تعترف بالمراة ولا بحقوقها فعلى سبيل المثال كانت هناك حالة كنا نامل ان يتفهم القاضي لظروف سيدة في الخمسينات من عمرها ارادت الحضانة لابنائها ،وهي بائعة تعمل في مجمع تجاري فما كان من القاضي الا ان اطلق حكما مفاده ان المجمع التجاري يعتبر فسادا اخلاقيًا ولا يمكن ان تعطى الحضانة للام كونها تعمل في هذا المكان! ".

نظرة المجتمع
واشارت جمشير الى ان نظرة المجتمع للناشطة في مجال حقوق المراة بها تقليل من شأنها او عدم الاستلطاف الى عملها خصوصا اذا رفعت صوتها لتنادي وتطالب بحقوقها التي هضمتها فئة من المجتمع موضحة بان البعض مازال يريد ان يحدد شكل ومهام المراة.

بينما اضافت جمشير ان المشكلة الاخرى تكمن ايضا في من هم في موقع صنع القرار بالدولة فهؤلاء يساندون هذه الفئة بل ويرحبون بممارساتها مع ان المجتمع البحريني ،لايمثل تيارا واحدا اي الاسلامي المتشدد فهناك المعتدل منهم الذي لا يؤخذ برأيه اضافة الى التيارات اليسارية والليبرالية والمستقلة وغيرها هذا في حال كانت الدولة جادة في ان تطرح وتاخذ بوجهات النظر المختلفة وذلك بصورة سليمة فيما يتعلق بحقوق المراة.

وعلقت جمشير قائلة" من يقبل ونحن في القرن الحادي والعشرين محاكم القضاة الشرعيين الذين يستندون على مزاجهم الخاص لا على قانون مكتوب رغم ان البحرين موقعة على اتفاقية دولية تناهض اشكال التميز ضد المراة؟"


وتساءلت جمشير عن الاسباب الحقيقة وراء عدم تبني الدولة للتغيير فيما يتعلق بحقوق المراة وسن قانون الاحوال الشخصية الذي تحول الى مطلب نسائي قديم ينصف حقها وحق ابنائها مستفسرة اهو عدم الايمان بهذه الحقوق او تفادي الحكومة التصادم مع رجال الدين!

كما اضافت جمشير بان الناشطات يضطرن في نهاية المطاف الى طرح القضايا وما يتعرضن له الى الاعلام الخارجي والمنظمات الدولية منوهة الى ان الناشطين عموما كانوا قبل مرحلة الميثاق يعتقلون او ينفون او يعذبون ابان حقبة امن الدولة اما ما بعد هذه المرحلة، فان العقاب مازال موجودا لكن الاسلوب تغير متمثلا في النيابة العامة وفي اجواء اتسمت بهامش متواضع من الحرية والدليل على ذلك " محاكماتي وسلسلة القضايا الكيدية التي وجهت ضدي...ومن قال ان هناك حرية للتعبير فعندما مارست حقي اتهمت بقذف القضاء البحريني لنعته بالفساد والمحاباة والتخلف والجهل".

وعن مطالب البحرينية الازلية لسن قانون للاحوال الشخصية فقد اوضحت جمشير انها تأمل " ان يتم الاخذ ما هو الافضل من المذاهب الخمس والاعتماد اساسا في احكامه على القران الكريم والسيرة النبوية لانها صالحة لكل زمان ومكان مع الاخذ بعين الاعتبار بتطبيق بنود وقوانين تناسب ما هو في صالح المراة في وقتنا الحالي".

العمل النسائي
وعما اذا كانت الناشطة تتلقى الدعم من الجمعيات النسائية او من قبل المجلس الاعلى للمراة اوضحت جمشير انه للاسف الجمعيات النسائية ليست متحدة فيما بينها وجهودها اصبحت مبعثرة هنا وهناك فبدون العمل الميداني وطرح القضايا على الشارع في اعتصامات ومسيرات سلمية مثلما فعلت لجنة العريضة النسائية التي استطاعت ان تغير شيئا وتثير لاول مرة ما يدور في اروقة القضاء البحريني في العلن في صورة لم تألفها النساء قد دفع بالحكومة الى اجراء التغيير....فالجمعيات بدات من خلال الدراسة والتحليل ونحن كملنا المشوار باسلوب مختلف وهو واقع ما ينصب في اطار النضال النسائي الطويل للناشطات البحرينيات.

اما عن المجلس الاعلى للمراة وبكل احترام فهو لايمثل جميع النساء في البحرين بل اعضاءه فقط ولا يدعم الناشطات في اي جانب وغير متعاون كليا.

الاجندة السياسية
اما الناشطة والباحثة منى عباس فضل فقد اوضحت ان العقبات التي تواجه الناشطة التي تعمل في مجال النفع العام هي كثيرة وهي تعكس نظرة المجتمع للناشطة فهناك تقاليد واعراف تطلق على الناشطات باسم الدين او التقليل من حجم القضايا التي تطالب من اجلها.

تقول فضل : مرة كتبت عن مفهوم " الجندر" واصبحت منذ ذلك الحين القب ب" منى جندر" وقد تداول النعت من قبل جميع الاوساط بما فيها المثقفة بينما تفاجات مرة بكاتب صحافي معروف يسالني في ورشة عمل متخصصة عن معنى " الجندر"...وهو ما يدل على ان المجتمع مازال ينظر الى قضايا حقوق المراة بشيء من الاستخفاف وضيق افق وقد ساعد على تعزيز ذلك ايضا النساء انفسهم عندما يلقبون الناشطة بالمتمردة والعنيفة والمسترجلة اي قلب الحقائق بسبب قلة الوعي بالقضايا التي تطالب بها الناشطات في مجال حقوق المراة.

وعن محاكمة الناشطة جمشير قالت فضل ان الناشطات ليست لديهن جراة ونفس طويل كالمستوى الذي ابدته جمشير " لقد ابدت ذلك واضحا خلال حضوري جلسة محاكمتها الاولى".

واضافت ان الجمعيات النسائية حذرة في تعاملها مع مثل القضايا التي تطرحها جمشير فهي لا تريد التصادم مع رجال الدين ولا تشكل لهم الاولوية في تبني قضايا التي تدعو اليها الناشطات مشيرة الى ان الجمعيات مازالت تعيش على برامجها الخيرية لا اكثر!

وثمنت فضل جهود جمشير بانها اول من طرح قضية اصلاح القضاء البحريني وهي سابقة تحدث لاول مرة في تاريخ البحرين وهو ما لم تجرؤ عليه اي جمعية نسائية لان مصالحهم تدعو الى اتخاذ هذا الموقف السلبي اضافة الى ان اصحاب القضايا ايضا لا يحضرون لدعم الناشطات وهو ما قد يضعف موقفهم كون ان المراة تعودت ان تكون اداة تبعية لا قيادية تقود دفة التغيير بل تتحدث بلغة الرجل بسبب الموروث الاجتماعي والقبول بسقف محدود.

واضافت ان البعض لديه تحفظ من اسلوب جمشير لكن قضيتها ليست شخصية بقدر ما هي قضية عامة فاصلاح القضاء الى سن قانون للاحوال الشخصية هي مطالب اكثر النساء في البحرين.

كما اشارت فضل الى ان جمشير اوصلت قضيتها الى الخارج وهي مستمرة في نضالها حتى لو دخلت السجن على حد قولها في اكثر من مناسبة وبالعادة مثل هذه القضايا تطرح من خلال التحالفات مع الجمعيات النسائية بمساندة الشخصيات الوطنية والنسائية المؤثرة في المجتمع.

وطالبت فضل بفتح القنوات الرسمية امام قضايا المراة في البحرين منوهةبان المجلس الاعلى للمراة لا يمثل امراة الشارع بقدر ما هو يمثل امراة تمثل الصوت الرسمي واستطاع ان يثبت دوره في المحافل العربية والدولية لا على المستوى الشعبي.

وتساءلت فضل عن الاسباب التي لا تدفع المجلس الاعلى الى عقد اتفاقيات مع الجمعيات النسائية على غرار الجهات الاخرى لتوحيد الجهود بدل من بعثرتها بين هذه الوزارة وتلك مثلما ما حصل مع صندوق النفقة للمطلقات والاسكان وغيره.

في حين اوضحت فضل بان قانون الاحوال الشخصية موجود ضمن الاجندة السياسية للدولة اضافة الى الكوتا لكن ليس من صالح الدولة طرحه حاليا لاعتبارات كثيرة اهمها ان التيار الاسلامي المتشدد هو الجهة المهيمنة على الشارع وهي الجهة التي لا تريد الدولة التصادم معها...

عمل فردي
في حين قالت رئيسة لجنة قانون للاحوال الشخصية هدى المحمود ان وضع الناشطات مشتت بسبب عدم وجود مظلة تحتضنهن، مثل الاتحاد النسائي لتوحد وتنظم جهودهن.

واضافت ان كل ما يحدث بدءا من قضايا العنف الاسري الى اصلاح القضاء البحريني هي قضايا فردية لا جماعية حتى تحولت بذلك الى جهود ذاتية لا جماهيرية.

رغم ان هذه الملفات كبيرة موضحة بانه في الماضي ساهمت الجمعيات النسائية في نشر الوعي وكانت تعمل في ظروف قاسية اما اليوم فان الجميع يبادر بسبب الوعي لكن بصورة فردية لا من قبل فريق عمل!

واكدت المحمود بان جزءًا من المشكلة هو غياب الاتحاد النسائي و عدم تجديد الرؤية حتى اصبحت احتكارا على شخصيات معينة مثلما حدث مع قضايا العنف الاسرى فهي اليوم فردية لا جماعية.

واضافت ان العمل المؤسسي مهم لجميع الناشطات فهناك التجربة المغربية التي يمكن الاستفادة منها.

وعن موقف اللجنة من قضية جمشير قالت المحمود ان اللجنة تدعم جمشير منذ البداية فهناك قضايا كيدية ضدها ولم تتجاوز الواقع بل كانت جريئة وشجاعة في طرحها...فجمشير قضيتها قضية راي عام.

وعن اسباب عرقلة جهود الناشطات في سن قانون للاحوال الشخصية اوضحت المحمود انه لابد من الاخذ بافضل ما جاء في المذاهب الخمس فهناك عشرين في المئة من الاختلاف بينما توجد ثمانين في المئة من الاتفاق والجميع يعلم ذلك بما فيه رجال الدين رغم انهم هم طرف في عرقلة هذه الجهود.

واضافت ان اللجنة تطالب بهذه القانون منذ فترة طويلة مؤكدة ان اللجنة لا تطرح قانونا مدنيا بل قانونا عادلا للمراة والاسرة معا وان كانت هناك محاولات جادة في العام 2003 لكنها انتهت بالفشل بعدما مورست ضغوط على بعض رجال الدين.

كما اوضحت المحمود بان اللجنة والناشطات يرفضون مبدا تاسيس قانون مذهبي للاحوال كونه يطعن في الوحدة الوطنية وهو امر غيرمقبول.

وعن دور المجلس الاعلى للمراة في هذا الجانب قالت المحمود انه ياخذ الامور بترو ويطرح مشاريعه بصورة مجزاة اذ ان مشروع النفقة مثلا لم ير النور حتى الان اضافة الى ان لعبة التوازنات تدخل في اتخاذ القرارات.

* بالتزامن مع صحيفة الوسط البحرينية