50 سنة من الاستقلال في الميزان
تقرير للتنمية البشرية: المغرب على مفترق
أحمد نجيم من الدار البيضاء:قال تقرير للتنمية البشرية بعنوانquot; 50 سنة من التنمية البشرية في المغرب 2025 quot; ، أن المغرب عند مفترق طرق. فهو أمام وضع تاريخي متسم بتعدد الاختيارات والمشاريع الكبرى، التي تنتظم في نهاية المطاف، حول خيارين رئيسيين ومتعارضين : فمن ناحية، يمكن للبلاد أن تنخرط بقوة في دينامية رائدة للتجديد والتنمية، عبر استثمار الفرص المتاحة أمامها ومن خلال جعل سيرورة الإصلاح سيرورة دائمة وبنيوية. ومن ناحية أخرى، يمكن للبحث عن حلول لبؤر المستقبل المعوقة للتنمية أن يصطدم بتأجيل لا نهاية له. وهذان هما الطريقان المتاحان اليوم أمام المغرب، في أفق العقدين القادمين : طريق تراجعي، يدفع إلى التراخي والإحباط، في مقابل طريق مدعم برؤية طموحة وإرادية، في مستوى مؤهلات الشعب المغربي.
وهكذا، تكون السمة النموذجية المميزة لالتزام المغرب بالديموقراطية بمثابة مؤهل حاسم، توفر، في الحالة المتعلقة بأقاليم الجنوب، الباب الوحيد للمخرج الممكن :استقلال ذاتي يتيح للساكنة صلاحية التدبير الديموقراطي لشؤونها، في احترام تام للسيادة والوحدة الترابية للمملكةquot;
وquot;مندمج، بشكل واسع في مجتمع المعرفةquot; وquot;مغرب تكون فيه الحكامة الجيدة راسخة بعمق في أخلاقيات وممارسة كل الفاعلين في التنميةquot; وquot;مغرب يجري فيه تحرير الامكانات البشرية ولازمتها المتمثلة في تقوية تحميل المسؤولية للأفراد، ضمن بيئة محفزة، لا تعوق ولا تعرقل جهود الأفراد الهادفين إلى تقرير مصيرهم بأنفسهمquot; وquot;يتوافر فيه اقتصاد قوي مندمج، تنافسي ومفتوح على العالم، وقادر على تعميم الشغل والثرواتquot; وquot;مغرب يطبق قوانينه التي تتميز اليوم بدقتها وquot;مغرب سيكون قد استجاب للأهداف التنموية للألفية قبل سنة 2015quot; وquot;مغرب مندمج بعمق في محيطه المغاربي والإفريقي والمتوسطي والدوليquot;.
التعليم والديمقراطية
وحض التقرير على الطموح إلى quot;التقليص من نسبة أمية الكبار إلى أقل من 5 % مع محوها التام على مستوى المقاولاتquot; وquot;تقليص معدل البطالة إلى أقل من 10 %quot; وquot;رفع نسبة التلاميذ في مستوى البكالوريا ذوي نفس الفئة العمرية إلى %70 quot; وquot;رفع مجهود البحث والتنمية إلى5 % من الدخل الفردي الإجماليquot; وquot;مضاعفة أعداد المهندسين المستفيدين سنويا من التكوين للوصول إلى أكثر من 40 مهندسا لكل 10.000 من السكان في أفق سنة 2025، في شكل يمكن من تشجيع إقبال الشباب المغاربة على الشعب العلمية والتقنية، وهي اليوم في وضعية مهمشةquot; وquot;السعي إلى جعل 40 % من مناصب المسؤولية الموكولة للنساء ترجع إليهنquot; وquot;تغطية ما يفوق 15 % من الحاجيات الطاقية باعتماد مصادر الطاقة المتجددة وquot;تحقيق مساواة كل المغاربة في ولوج الخدمات الأساسيةquot;.
وطالب التقرير المغرب أن يفوز بquot; توطيد الممارسة السياسية العادية وتقوية التماسك الوطني وتحسين نظام الحكامةquot; وquot;توفير شروط اندماج قوي للمغرب في اقتصاد ومجتمع المعرفةquot; وquot;إعادة بناء اقتصاد تنافسي يستفيد من انفتاح النافذة الديموغرافيةquot; وquot;ربح رهان مكافحة جميع أشكال الإقصاء وإعادة تنظيم التضامنات والتغلب على الفقرquot; وquot;استغلال فرص الانفتاح وتجنب مخاطره، والمضي في مقاربات جديدة بهدف للتموقع الجهويquot; وquot;توطيد الممارسة السياسية العادية، وتقوية التماسك الوطني وتحسين نظام الحكامةquot;. وأضاف أنه quot;يتعين على المغرب أن يستكمل انتقاله الديمقراطي، وأن يستقر، بشكل دائم، في إطار الممارسة السياسة العادية. إن هذا الانتقال لن يتحقق إلا بفضل فاعلين مقتنعين بالاختيار الديمقراطيquot;، من خلال quot;ملكية دستورية ومواطنة تتولى، في استمرارية دورها التاريخي، وبتوافق مع القوى الحية للمجتمع، قيادة مختلف مراحل هذه السيرورة السياسية.
وأكد التقرير أن quot;الممارسة الديمقراطية الموطدة، هي وحدها التي يمكن أن توجه بلادنا نحو السير الثابت على طريق النجاحquot;، داعيا إلى أن يتحلى الجميع باليقظةquot;.
التحولات الديموغرافية
ولاحظ التقرير أن المغرب عرف على مدى الأربعين سنة التي تلت استقلاله، نموا ديموغرافيا مرتفعا، يميل حاليا نحو الاستقرار. وسجل تراجع معدل الإنجاب. وهكذا انتقل معدل الحياة من 47 سنة في 1962 إلى 71 سنة في 2004، نتيجة انخفاض نسبة وفيات الأطفال وتحسين التأطير الطبي، وتحسن شروط التزود بالماء الشروب، وتعميم برامج التلقيح. أما بالنسبة للإنجاب، فقد تراجع من 7 أطفال للمرأة الواحدة سنة 1962 إلى 2،5 سنة 2004. ويرجع ذلك، أساسا، إلى التقدم الحاصل في تمدرس الفتيات وتوسع التمدين، الذي سبب في تأخر الزواج، وكذا إلى سياسات التخطيط العائلي.
وأشار إلى ظاهرة التمدن التي شهدها المغرب، إذ ارتفعت نسبتها من 29 % سنة 1960 إلى 55 % سنة 2004. وإذا كان هذا التحول قد طرأ لصالح المدن، التي يفوق عدد سكانها 100.000 نسمة، فإن اتجاه التطور الذي حصل خلال العشرين سنة الأخيرة كان مطبوعا بإعادة الانتشار، لحساب المدن المتوسطة والصغرى، سواء فيمايخص التوزيع الجغرافي أو ما يتعلق بوتيرة النمو.
وتحدث عن الوصف العام للإمكان البشري بالمغرب ومكوناته الثلاث quot;الجالية المغربية المهاجرة إلى الخارجquot;، وسجل أنها شهدت منتصف التسعينات نهضة ملحوظة، تنحو نفس منحى آليات اشتغال كبرى شبكات الجاليات عبر العالم. وفضلا عن تدفق التحويلات بالعملة الصعبةquot;. وأوضح أن المرأة المغربية لعبت دورا مهما في تطور الإمكان البشري. أما بالنسبة إلى الشباب فلاحظ التقرير أن سياسات المغرب المستقل، باستثناء بعض الجهود المتميزة على الصعيد القطاعي، لم تدمج أبدا، وعلى الوجه الأمثل، الشبيبة ضمن المعادلة الشاملة للتنميةquot;. بخصوص النظام السياسي والمؤسسات والحكامة، لاحظ في موضوع quot;التوازن بين الاستقرار السياسي ودينامية المعارضةquot; أن المغرب ومنذ استقلاله، انطلق، في السير المطرد نحو تحقيق نموه المؤسساتي والسياسي، هادفا بذلك إلى بناء دولة عصرية. وإن تنصيص القانون الأساسي الأول على مبادئ الملكية الدستورية، والتعددية الحزبية، التي تسمح لمختلف مكونات المجتمع المغربي بالتمثيلية داخل البرلمان، كانت حاضرة قبل الاستقلال، في خطاب الحركة الوطنية، كما في مواقف جلالة الملك محمد الخامس.
وسجل التقرير الانفتاح السياسي الذي تشجعه الثقة في رسوخ مقومات الدولة الفتية، التي كانت لا تزال قيد التكون، حقق المناخ السياسي، شيء فشيئا، صفاءه وهدوءه. وأوضح أنه منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش المملكة، تم إعطاء دفعة جديدة لتحرير الإمكان البشري للبلاد : فقد تمت بلورة مشروع ديمقراطي حداثي مع الالتزام الحازم به، ومباشرة مفهوم جديد للسلطة. كما تم إدخال تغييرات مهمة على مستوى المسؤوليات السياسية والإدارية المركزية والترابية، إقرار مدونة جديدة للأسرة وتأهيل البنيات التشريعية، فتح أوراش كبرى للتنمية،إحداث مؤسسة محمد الخامس للتضامن، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وديوان المظالم. وخلال السنة الحالية، التي تصادف الذكرى الخمسينية للاستقلال، دعت هيئة الإنصاف والمصالحة والتوصيات الصادرة عنها إلى الطي النهائي لملف انتهاكات حقوق الإنسان وتحقيق مصالحة المغاربة مع تاريخهم المعاصر، وإقامة حياة ديمقراطية فعالة.
بحث عن الذات
وسجل أن نمط quot;الحكامةquot; لا يزال يبحث عن ذاته، إذ أن المغرب نظم سنة 1960 الانتخابات الجماعية العامة، التي كانت الأولى من نوعها في تاريخه. وجاء الميثاق الجماعي، الذي تم اعتماده سنة 1976، ليوسع اختصاصات المجالس الجماعية. كما اعتُمد ميثاق جماعي آخر سنة 2002، وأُجريت الاستشارات الانتخابية الجماعية بانتظام، كما أجريت افتحاصات للتسيير الجماعي، وإن كانت انتقائية وعرضية.
ولاحظ أن هذه التجربة لم تحقق النتائج المتوخاة منها. إذ أن الانزلاقات الحاصلة في العمليات الانتخابية، والطابع العرضي وغير المستقر للتحالفات الحزبية المحلية، والتكوين المتفاوت للمنتخبين، وسوء التدبير، والتقطيع الترابي غير الملائم ؛ كلها عوامل، من بين أخرى، أضرت بالتنمية البشرية، في العديد من الجماعات القروية والحضرية.
كما تحدث عن استمرار ثقافة مقاومة التغيير المتسمة بطابعها المتمركز، وبعدم إبدائها سوى لاستعداد محدود للثقة وتفويض الاختصاصات.
أما على مستوى الإدارة المركزية والأجهزة الوطنية اللامتمركزة فإن الحكامة ما تزال تشكو من نقائص كبيرة، بالرغم من بعض التطورات الظرفية والمحدودة. وبطبيعة الحال، هناك مشاكل عويصة تتعلق بتبذير المال العمومي والارتشاء والمحسوبية والزبونية، التي لا تزال متفشية، بالرغم من التدابير والنوايا الحسنة. ومن بينها : الإعلان عن ميثاق حسن التدبير، وتحسين شفافية إبرام الصفقات العمومية، واعتماد قواعد عادلة ومحفزة في تدبير الموارد البشرية، وإحداث مجالس جهوية للحسابات، واللجوء المتكرر إلى الافتحاصات الداخلية والخارجية.
وبالإضافة إلى الانحرافات والممارسات غير القانونية، يمكن تسجيل أشكال أخرى من العجز من قبيل تفضيل هيمنة النظرة القطاعية الضيقة ؛ والكفاءة غير المتساوية ؛ وعدم استقرار موظفي الوزارات والمسؤولين الإداريين ؛ عدم الاعتبار الممنهج للاستحقاق ؛ التواجد المفارق لوزارات متضخمة إلى جانب أخرى محدودية الصلاحية، غياب quot;البين-وزاريةquot; ؛ الفواصل البيروقراطية، تقلب الهيكلات الإدارية تنازع اختصاصاتها. والملاحظ أن بعض هذه النقائص لا يقتصر وجودها على الإدارة، إذ تنسحب كذلك على العديد من المقاولات، بل وحتى على التنظيمات السياسية والمدنية. هذا فضلا عن انتشار ظواهر من قبيل : التعالي المفرط، لأشخاص ذاتيين على الهياكل والمجموعات، والانفعالية في التسيير، وضعف الاستشارة والحوار، وإعمال مبدإ التفاوض لفض التوترات.
آفاق المستقبل
بخصوص المستقبل سياسيا، أكد التقرير أن المغرب في طور استكمال انتقاله الديمقراطي، الذي تجسده جملة من الإصلاحات الكبرى، الهادفة إلى تعميق وتسريع المسار الديمقراطي، وتأكيد سلطة القانون. وهو انتقال يلمس سواء على مستوى الممارسة السياسية أو على مستوى التشريع والقيم، التي تحكم اشتغال المؤسسات والعلاقات بين الفاعلين. موضحا أن الانتقال شمل توضيح قواعد اللعبة وتأهيل المؤسسات واستكمال الإصلاحات وquot;طي الملف الأسود لحقبة التوترات السياسيةquot;.
اقتصاديا، قال التقرير أن الاندماج في الاقتصاد العالمي يشكل أفق الانتقال الذي يعرفه الاقتصاد المغربي ؛ ذلك أن دينامية الانفتاح المتسارعة خلال الثمانينات، كانت تخللها فترات متتالية من الإصلاحات الداخلية وتحرير المبادلات، في إطار العديد من الاتفاقيات التي وقعها المغرب. وأحصى أوراش الانتقال الاقتصادي. أما اجتماعيا فأوضح التقرير أن المغرب أطلق عددا من الأوراش التي تفتح الكثير من الأمل. وهكذا سجلت السنوات الأخيرة حدوث منعطفات نوعية في التعامل مع القضايا الاجتماعية، كما أن ملفات حاسمة حظيت بعناية خاصة، في تجاوب مع أهداف الألفية للتنمية، التي انخرط فيها المغرب.
وأوضح أن للمملكة مؤهلات كثيرة منها quot;أساس متين للانتماء للأمةquot; وquot;مكتسبات ديمقراطية حول مؤسسات مشروعةquot; وquot;دينامية المجتمعquot; وquot;تقدم أكيد في مجال التنمية البشريةquot; وquot;انفتاح وانخراط ثابتان على الصعيد الدوليquot;
أما بؤر المستقبل فحددها في quot;العوائق وأنواع العجز البنيوية، التي تهم الأبعاد المحورية للتنمية البشرية بالمغرب، حيث إنه بدون الخروج من بؤر المستقبل، فإنها سترهن، بشكل أكيد، مستقبل تنمية البلاد. وشخص هذه البؤر في quot;مجال إنتاج المعرفة وولوجها ونقلها ونشرها وفي نتائج الاقتصاد الباهتة على مدى خمسة عقود الفارطة، وأوضح أن المغرب يعرف معدل بطالة عام يتراجع إلى أقل من 10 % منذ 1982. أما الفقر، فعلى الرغم من تراجعه نسبيا، إلا أنه ما يزال يهم خمسة ملايين مغربي.
أما البؤرة الرابعة فحددها في quot;الإدماج: إذ سجل ابتعاد المرأة عن المساهمة في الدينامية التنموية والوضع المقلق للمرأة القروية وانتشار الأمية والبطالة، أما البؤرة الخامسة فهي quot;الصحةquot;، إذ أن ولوج الخدمات العلاجية ما يزال غير عادل ومحدود بسبب عوامل عدة، بالإضافة إلى مستوى ضعيف من الإنفاق العمومي في مجالي الصحة والتغطية الصحية الجماعية والخاصة.
البؤرة السادسة هي quot;الحكامةquot; وسجل التقرير عجز المغرب أفقيا آخر، منذ الاستقلال يتعلق بحكامتها، بالمعنى الذي يفيد أسلوب التدبير والقيادة التسييرية وممارسة السلطة، سواء تعلق الأمر بالمجال العمومي أو المقاولة.
وشارك في إعداد التقرير في مايفوق مائة من الكوادر الجامعية والإدارية وفعاليات المجتمع المدني، بإشراف مزيان بلفقيه مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس.
التعليقات