موسكو: سيحضر الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز إلى روسيا في نهاية حزيران (يونيو) الحالي بزيارة رسمية. وتجري الآن بنشاط مناقشة إمكانية توقيع عقود جديدة خلال هذه الزيارة بشأن توريدات أسلحة وبالتحديد غواصات. ويحظى هذا الموضوع بالمناسبة باهتمام خاص لدى الولايات المتحدة التي ترى أنه تتعين مراعاة رأيها بصورة إلزامية عند البت فيه!

وبالفعل، إن الدوافع لقلق إدارة واشنطن في الحقيقة ليست بقليلة. لقد أخذت روسيا في السنوات الأخيرة تلعب دورا ملموسا في سوق السلاح مما جعل العديد من المتعاملين فيها بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها تشك في الدور الرئيس للأخيرة. وقد أشار المحلل العسكري ريشارد غريميت في كانون الأول (ديسمبر) عام 2006 إلى أن quot;الولايات المتحدة هيمنت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في سوق الأسلحة التقليدية حيث المنافسة عالية، عادة. ولكن الوضع تغير الآن. ذلك أن موسكو أخذت تعمل بإصرار وحزم أكثر فأكثرquot;.

وفي الحقيقة يثمن العديد من البلدان منتجات المجمع الصناعي العسكري الروسي. ولا يدور الحديث فقط، بالمناسبة، عن تلك الدول التي تعد من زبائن روسيا التقليديين. لقد فضل بعض الجيوش الأجنبية في الآونة الأخيرة استبدال الموردين (الغربيين في الغالب) باعتبار أن المعدات الروسية أكثر جودة وحداثة وأرخص. على سبيل المثال، هكذا كان حال كولومبيا حيث اشترت القوات المسلحة 10 طائرات نقل مروحية روسية من طراز quot;مي ـ 17quot;، علما بأنها لا تتفوق على هليكوبتر quot;بلاك هوكquot; الأميركية المعروضة للبيع من ناحية المواصفات التكتيكية التقنية فحسب وبل وأن قيمتها أرخص بـ 8 ملايين دولار، مما له أهمية حيوية بالنسبة إلى بلد ليس غنيا.

ووصل استياء واشنطن حد الغليان عندما جرى تحويل مبلغ 5ر3 مليارات دولار من ميزانية فنزويلا العسكرية في آذار (مارس) عام 2005 إلى روسيا تسديدا لقيمة 100 ألف رشاشة quot;آ كا ـ 103quot; (كلاشنيكوف) و24 مقاتلة من طراز quot;سو ـ 30 أم كا 2quot; و38 مروحية حربية من طراز quot;مي ـ 35quot;. لكن الرئيس هوغو تشافيز ذكر وقتئذ بأنه لم يكن لدى فنزويلا خيار آخر لأن الولايات المتحدة فرضت حظرا على تصدير السلاح إلى بلده بحجة أن كاراكاس لا تتعاون مع واشنطن في مكافحة الإرهاب بدرجة كافية. أما روسيا فهي خلافا للولايات المتحدة تجهز فنزويلا بالسلاح دون ربط ذلك بأي شروط سياسية ومع احترام سيادة هذا البلد.

وحاولت الولايات المتحدة ممارسة الضغط على روسيا في الظرف الناشئ. ففي البداية أدلى بتصريح وزير الدفاع الأميركي (دونالد رامسفيلد وقتذاك) الذي أعلن عن عدم فهمه لأسباب استدعت حاجة فنزويلا إلى شراء 100 ألف quot;رشاشة كلاشنيكوفquot;. ومن ثم أعربت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إبان زيارتها إلى موسكو عن قلقها بصدد هذا العقد.

وكان رد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على ذلك التحرك أن تعاون روسيا العسكري مع فنزويلا لا يتعارض مع التشريعات الدولية. وأجمل نتيجة النقاش نائب رئيس الوزراء الروسي سيرغي إيفانوف الذي قال: quot;لا يمكن على الإطلاق إعادة النظر في العقد... إن 24 طائرة لحماية أراضي بلد كبير كفنزويلا ليست زائدة عن اللزوم... كما لا تخضع فنزويلا لأي عقوبات دولية، ولا توجد أي تقييدات تعيق تنفيذ العقدquot;.

وأصبح كسر فنزويلا الحصار الأميركي مثالا يحتذى به على عدم الانصياع الذي بوسعه في نهاية المطاف إلحاق ضرر ملموس بالنفوذ الأميركي في قارة أميركا اللاتينية. وليس عفويا على الإطلاق إعلان وزيرة دفاع الأرجنتين السيدة نيلدا غاره لدى مناقشة إمكانية إقدام بلدها على شراء معدات حربية روسية في العام الماضي أن بوينس آيرس لا تخاف من رد فعل الولايات المتحدة السلبي. ذلك أن quot;شراء السلاح هو قضية سيادية لكل بلد ولا يجوز أن يثير استياء أي جهة رسميةquot;!

في عام 2005 بلغ حجم صادرات السلاح الروسي 6 مليارات و126 مليون دولار. أما الولايات المتحدة فكسبت على العموم ضعف هذا المبلغ تقريبا ـ 3ر12 مليار دولار لتحافظ على حصتها في سوق السلاح العالمية على مستوى 33 في المئة، كما في عام 2004. ومع ذلك يبقى القلق يراودها لأنها كانت تسيطر في السنوات السابقة على ما يقارب 50 في المئة من السوق. ولا تود واشنطن صراحة أن تتعزز مواقع روسيا فيها!

لكن تنامي نصيب الصادرات العسكرية في مجموع صادرات البلاد يعني بالنسبة إلى روسيا إمكانية مواصلة تطوير أرقى قطاع في الاقتصاد الروسي تكنولوجيا والذي أظهر في السنتين الأخيرتين قدرته على القيام بدور quot;قاطرةquot; حقيقية لتنمية القطاعات الأخرى. ولحسن الحظ ولى الزمن عندما عرض على المجمع الصناعي العسكري الروسي تركيز الاهتمام على تجميع المكانس الكهربائية وكبس المقالي بدلا من تصميم وصناعة أجيال جديدة من السلاح. وبدأ الآن إدراك حقيقة أن من الممكن كسب أموال أكبر بكثير عن طريق بيع طائرات الاعتراض والقاذفات الحديثة. وخير مثال على ذلك شركة quot;إيركوتquot; التي أعلن رئيسها أوليغ ديمتشينكو في مؤتمر صحافي في معرض quot;لو بورجيهquot; في فرنسا مؤخرا أن شركته ستورد حتى عام 2014 إلى الخارج 242 مقاتلة متعددة الوظائف من طراز quot;سو ـ 30 أم كا إيquot; بمبلغ 7 مليارات دولار تقريبا.

وبالمناسبة، إن هذا التوجه لا يتعارض على الإطلاق مع المذهب العسكري الروسي. وفي نهاية الأمر يود سكان كافة البلدان النوم بطمأنينة. ومن أجل ذلك يجب أن يكونوا واثقين من مناعة حدودهم. فلدى الرئيس الفنزويلي هوغو تشافير حق كامل عندما يقول إنه ينوي إنشاء منظومة دفاع جوي وطنية quot;تغطي كل بحر الكاريبيquot; وقادرة على رصد الأهداف الجوية على بعد 200 كم وتدميرها على بعد 100 كم عن أراضي فنزويلا. وهذا ولاسيما أنه لا يهدد أمن الولايات المتحدة أبدا.

على أي حال، من الصعب الآن البت في مدى ارتباط زيارة الرئيس الفنزويلي المرتقبة إلى روسيا بتوقيع عقود جديدة حول توريدات السلاح الروسي. وقد لا توجد للضجة التي أثيرت في الصحف أي مسوغات ولن يدور الحديث في المفاوضات حول شراء غواصات.

ومع ذلك، تدخل هذه القضية في دائرة اختصاص كاراكاس وموسكو وحدهما، بالطبع، وليس من شأن واشنطن على الإطلاق. وهي هنا طرف ثالث زائد.