الأمر أثار غضبا في بعض الأوساط الأرثوذكسية
تمديد حرمان المطران حنا من الخدمة الكنسية

أسامة العيسة من القدس: يتضح من القرار الذي اتخذه المجمع المقدس في بطريركية الروم الأرثوذكس بالقدس، بتمديد حرمان المطران عطا الله حنا من الخدمة الكنسية، لمدة شهرين إضافيين، أن البطريرك الحالي ثيوفيلوس الثالث، يريد تصفية الحسابات مع خصومه، في الوقت الذي يعمل على ترتيب البيت الداخلي الارثوذكسي لصالحه. وكان المجمع المقدس، اصدر قرارا، قبل اكثر من شهرين، بحرمان حنا، والارشمنديتملاتيوس راعي طائفة الروم الأرثوذكس في رام الله، واخرين من الخدمة الكنسية، الأمر الذي أثار غضبا في بعض الأوساط الأرثوذكسية، والرأي العام الفلسطيني، الذي
ينظر لحنا باعتباره شخصية وطنية.ويعتبر حنا رجل الدين العربي الذي منح رتبة مطران، في بطريركية الروم الأرثوذكس،التي يسيطر على قيادتها الرهبان اليونان، وتم ذلك بعد تنحية البطريرك السابق،وتعيين البطريرك الحالي ثيوفيلوس الثالث، الذي عين حنا في منصب quot;رئيس أساقفة سبسطيهquot; وهو منصب شرفي إلى حد كبير.واثار قرار المجمع المقدس، بتمديد حرمان حنا، استياء لدى الرأي العام الفلسطيني،الذي رأى في ذلك نية لدى البطريرك ثيوفيلوس الثالث، في استبعاد أية أصوات وطنية فلسطينية معارضة داخل البطريركية.

وعلم مراسلنا بان تحركات تشهدها مدينة القدس، للضغط على ثيوفيلوس الثالث، من اجل التراجع عن قرار التمديد، وسيتم نصب خيمة اعتصام أمام مقر البطريركية للتضامن مع حنا، الذي ينظر إليه، بصفته المعارض القوي لأية صفقات بيع أراض يمكن أن تبرمها البطريركية مع إسرائيل، التي تمارس ضغوطا هائلة على البطريرك الحالي، من اجل إبرام صفقات، وتجديد صفقات قديمة.

وتملك البطريركية الأرثوذكسية، الأراضي المقامة عليها الكنيست الإسرائيلي، ومنزل رئيس الدولة الإسرائيلي، وعشرات من المؤسسات الحكومية الإسرائيلية، والتي تسعى إسرائيل إلى تجديد عقود استئجارها من البطريركية، وتحاول ابتزاز البطريرك الحالي، بمنحه الاعتراف، مقابل تجاوبه مع المطالب الإسرائيلية.

ويتوجب على الذي يشغل منصب البطريرك، أن ينال اعتراف الأردن، وإسرائيل، والسلطة الفلسطينية، وكانت الحكومة الأردنية سحبت اعترافها بالبطريرك الحالي، لانه لم يلتزم بما تم الاتفاق معه، خصوصا في مسالة إبطال صفقات تسريب العقارات إلى جهات يهودية في منطقة باب الخليل بالقدس، والتي اتهم فيها سلفه ايرنيوس الأول، وعلى أساسها تمت تنحيته من منصبه.

وقالت الحكومة الأردنية عندما سحبت اعترافها بالبطريرك الحالي، أنها استجابت بذلك إلى مؤتمر لفعاليات أرثوذكسية فلسطينية وأردنية، عقد في العاصمة الأردنية عمان، إلا أن مناصري البطريرك الحالي عقدوا مؤتمرا في القدس، قبل شهر ونصف، حثوا فيه الأردن بإعادة اعترافها بالبطريرك ثيوفيليوس.

وخطت الحكومة الأردنية ثلاث خطوات لافتة، فأعادت الاعتراف بالبطريرك الحالي، ثم منحت المطران عطا الله حنا، والارشمنديت ملاتيوس بصل الجنسية الأردنية، وفقا لقرار أصدره الملك عبد الله الثاني، واعتبرت هذه خطوة مهمة، لتعزيز مكانة رجلي الدين العربيين، داخل البطريركية، لأنها خطوة لازمة لصعودهما في المراتب الكنسية، في البطريركية التي تعمل وفقا للقانون الأردني لعام 1958، ويتوجب على كافة رجال الدين الأرثوذكس الحصول على الجنسية الأردنية، وهي إحدى شروط عضويتهم في المجمع المقدس، أعلى هيئة في البطريركية.

وبالتوازي مع هذه الخطوة، تحدثت مصادر إسرائيلية، بان العاهل الأردني، كلف ابن عمه ومستشاره لشؤون الأديان، بمراجعة ملف الأراضي في البطريركية الأرثوذكسية، لمنع أي تسريب جديد منها إلى إسرائيل. وفي مثل هذه الأجواء، اعتبر تمديد حرمان المطران حنا من الخدمة الكنسية، تراجعا، من البطريركية، عن ما كانت أعلنته بالحفاظ على الأراضي الفلسطينية، في حين نظر إليه أيضا بأنه رسالة معينة إلى الحكومة الإسرائيلية، التي تمارس ضغوطا هائلة على البطريرك، وفقا لمقربين منه تحدثوا لايلاف.

وتسيطر إسرائيل على أديرة وكنائس أثرية أرثوذكسية في الضفة الغربية وبعضها موجود داخل المستوطنات، مثل دير ارتيموس الذي اصبح داخل مستوطنة معالية ادوميم الضخمة شرق القدس.

وأهلت السلطات الإسرائيلية هذه الأديرة وفتحتها للسياح والحجاج الأجانب، وترفض إعادتها للبطريركية، إلا إذا وافق البطريرك الحالي على الشروط الإسرائيلية، ومنها الموافقة على صفقات بيع وتأجير أراض، كانت في طور الإعداد، وتجديد صفقات تأجير قديمة، وعرض أية أراض أو عقارات ترغب البطريركية ببيعها أو تأجيرها على السلطات الإسرائيلية أولا.

وتسعى إسرائيل من خلال هذه الشروط إلى استكمال تهويد الأراضي الفلسطينية، من خلال السيطرة على اكبر حجم من الأراضي الفلسطينية، ولا يوجد افضل من السيطرة على أراض البطريركية التي تمتد في طول وعرض فلسطين الانتدابية.

وسيطرت إسرائيل على مساحات واسعة من أراض البطريركية، لإقامة حواجز عسكرية لتقطيع أوصال الضفة الغربية، ومنشات استيطانية أخرى.
وتحاول إسرائيل استغلال الخلافات داخل البطريركية من اجل تحقيق أهدافها ومعرفتها بحاجة البطريرك ثيوفيليوس للاعتراف الإسرائيلي.

وينقسم الأرثوذكس في فلسطين والأردن وإسرائيل الان إلى ثلاثة أقسام:

*القسم الأول وهو الداعم للبطريرك ثيوفيلوس والذي نجح بعقد مؤتمر شاركت فيه نحو ألف شخصية أرثوذكسية، وعقد في مركز النوتردام بالقدس، واعتبر القائمون على المؤتمر بأنه شكل اكبر تجمع أرثوذكسي في الأراضي المقدسة، وتم انتخاب لجنة في ختام المؤتمر لمتابعة مقرراته، وعقدت هذه اللجنة اجتماعا لها قبل أيام في مدينة بيت لحم وأصدرت بيانا عبرت فيه باسم المشاركين في المؤتمر quot;عن تمسكهم بنهج الحفاظ والدفاع الذي
يمارسه غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث فيما يخص العقارات الأرثوذكسية، ونجاحه في استرجاع اكثر من ألف دونم من أراضي المدينة المقدسة، وكذلك المشاريع التنموية والمساعدات الإنسانية التي قدمها منذ توليه سدة البطريركية الأرثوذكسية قبل عام ونصفquot;.

وشكرت quot;الملك عبد الله الثاني وحكومة الأردن على تفاعلهم الإيجابي مع بيان المؤتمر الأرثوذكسي الوطني، بإلغاء قرار سحب الاعتراف وإخماد المؤامرة التي كانت تحاك ضد البطريركية الأرثوذكسيةquot;.

وقالت اللجنة أنها ناقشت quot;أهمية التمسك بالأسس التي قام عليها المؤتمر الأرثوذكسي الوطني، وتنميتها لما في ذلك من خدمة لمصلحة الطائفة الأرثوذكسية عن طريق اتباع منهج مؤسساتي ذات شرعية شعبية وكنسية تدافع عن الحقوق الأرثوذكسية، وثوابت الطائفة واولها حماية العقارات، وحماية البطريركية من المخاطر التي تحدق بهاquot;.

*القسم الثاني: ويضم المعارضين للبطريرك الحالي، والبطريرك السابق، ومن رموزهم المطران عطا الله حنا، ويقول هؤلاء بأنهم دعموا البطريرك الحالي ليصل إلى كرسيه، بدلا من البطريرك السابق ايرنيوس، ضمن شروط منها إبطال صفقات تسريب الأراضي التي ورثها عن أسلافه، وتعزيز الوجود العربي الفلسطيني في الهيئات القيادية في البطريركية، ووفقا لهؤلاء فان البطريرك الحالي نكث بوعوده.

ويقول مؤيدو البطريرك الحالي، بان نزعات فردية تحرك المعارضين له، وبان على المطران حنا الخضوع لقوانين البطريركية وهيئاتها الرسمية، مثل المجمع المقدس quot;الذي يجب احترام قراراته من منطلق الحفاظ على أم الكنائس التي تجاوز عمرها 1700 عامquot;.

*القسم الثالث: يعارض البطريرك الحالي، ويدعم البطريرك السابق ايرنيوس الأول، ويعتبر بأنه البطريرك الشرعي، ويقول الناشطون في هذا التيار بان البطريرك ايرنيوس الأول كان ضحية مؤامرة إسرائيلية للإطاحة به، لان رفض التجاوب مع المطالب الإسرائيلية، والتوقيع على صفقات بيع أراض وعقارات لجهات يهودية.

وفي ظل هذه الأجواء، يأتي قرار المجمع المقدس، بتمديد حرمان المطران عطا الله حنا من الخدمة الكنسية، وهو القرار الذي بدأت تظهر ردود فعل غاضبة عليه، من المتوقع أن تزداد، خصوصا، وان الرأي العام الفلسطيني لا ينظر إليه، كقرار داخلي كنسي، وانما كقرار له صبغة سياسية.