أسامة العيسة من القدس: أنهى المجلس المركزي الفلسطيني، دورة أعماله التي انعقدت يومي 13و14 كانون الثاني (يناير) 2008، في مدينة رام الله، وصدر عن المجلس بيانا ختاميا، لم يستوقف الكثيرين، لانه لا يختلف عن الأدبيات التي دأبت مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على تدبيجها. ويعتبر المجلس المركزي الحلقة الوسطى بين اجتماعات المجلس الوطني التابع لمنظمة التحرير، الذي لم ينعقد منذ سنوات طويلة، واللجنة التنفيذية للمنظمة.

ويعطي اجتماع المجلس المركزي الأخير انطباعا على التغيرات التي طرأت على العمل السياسي الفلسطيني وان لم يعترف بها أعضاء المجلس، الذي بدوا قليلي الحيلة، بينما جسد الاجتماع قوة بعض الشخصيات التي لا تعتبر أنها تمثل أي فصيل، ولكن دورها يتعاظم مثل الدكتور سلام فياض، رئيس الحكومة الفلسطينية، وياسر عبد ربه أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية. ومثل الاجتماعات المشابهة تحول اجتماع المجلس المركزي، إلى مبارزات لتسجيل مواقف من قبل ممثلي الفصائل الفلسطينية، رغم انهم يعرفون أنها لن تنفذ، والى مناكفات وحتى نكات. واول من استخدم المناكفات في اجتماعات المجلس، كان محمود عباس (أبو مازن) رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة، وهو بهذه الصفة رئيس المجلس المركزي.

وحاول أبو مازن مناكفة الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي اختتم زيارة للمنطقة، وجرى الترحيب فيه في مقر المقاطعة بمدينة رام الله بشكل بدا مبالغا فيه. وقال أبو مازن في الجلسة الافتتاحية للمجلس quot;اولمرت حرض بوش علي، وقال قبل أن يجتمع بي الرئيس الأميركي، بأنه عندما يلتقيني سيسألني عن الصواريخ التي تطلق من غزة، وكأنني مبسوط كثير من هذه الصواريخquot;. والواقع أن بوش هو الذي قال بأنه عندما يلتقي أبا مازن، فان أول سؤال سيطرحه عليه هو quot;ماذا فعلت لوقف الصواريخ التي تطلق من غزة؟quot;، وحاول عدد من أعضاء المجلس تصحيح أبو مازن، والتأكيد بان بوش هو من طرح السؤال، إلا أن أبا مازن تجاهل ذلك وواصل quot;اولمرت يعرف موقفي تماما، ودائما أقول بان هذه الصواريخ عبثية، واكرر من هنا انها عبثيةquot;.

ولا شك أن أبا مازن يعلم تماما من هو صاحب السؤال عن الصواريخ، ولكنه أراد مناكفة بوش، بعد أن غادر، ربما لانه لم يستطع أن يعبر عن امتعاضه من أسئلة بوش عن الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة، حيث لا توجد أية سلطة لأبي مازن هناك، وانما لحركة حماس وهو ما قاله أبو مازن موجها كلامه لاولمرت ولكنه قصد به بوش quot;اولمرت يعلم بان لا سلطة لنا على قطاع غزة بعد الانقلاب الذي جرى ومع ذلك لا يكف عن طرح قضية الصواريخquot;. ومناكفة بوش في اجتماعات المجلس المركزي، لم تقتصر على أبي مازن، ولكن شملت الخطباء من ممثلي الفصائل الفلسطينية، الذين وجودها فرصة للنيل من بوش، بعد أن تعذر عليهم ذلك خلال وجوده في البلاد، مثل الدكتور مصطفى البرغوثي الذي تعرض للضرب، من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية، خلال اعتصام احتجاجي ضد زيارة بوش نظم في مركز مدينة رام الله.

وخلال نفس الاعتصام، تعرضت خالدة جرار النائبة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، للضرب أيضا، وتمكنت الجبهة، خلال جلسة المجلس المركزي من انتزاع اعتذار لجرار، من قبل رئيس السلطة الفلسطينية، على ما تعرضت له، واعتبرت اوساط في الجبهة الاعتذار انجازا. ولا يعتقد أن هذا الاعتذار، يمكن أن يحول دون اعتداءات أخرى لأجهزة الأمن الفلسطينية على الاعتصامات والتظاهرات السلمية التي تجري في الأراضي الفلسطينية. وهذا الاعتذار ليس الأول، فقد سبقه سلسلة من الاعتذارات قدمت لصحافيين وناشطين تم الاعتداء عليهم بقسوة، لوجودهم خلال مسيرات احتجاجية نظمت قبيل انعقاد مؤتمر انابلويس، وفي الحالة الفلسطينية اصبح الشعار السائد quot;اضربه واعتذر لهquot;.

ووصف ركاد سالم، أمين سر جبهة التحرير العربية، المتماثلة مع حزب البعث (الفرع العراقي)، بوش بـ quot;الرئيس الإرهابيquot;. وربط سالم، خلال كلمته أمام أعضاء المجلس، بين زيارة بوش وما اسماه المشروع الأميركي الإمبريالي quot;المنوي تنفيذه في المنطقة والذي يستهدف تصفية قضية شعبنا الوطنية وفرض الهيمنة الاستعمارية الأميركية على كامل المنطقة العربية وخاصة الثروات النفطية التي تحرك عجلة الاقتصاد الأوروبيquot;. واستغل سالم منصة المجلس للإشادة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين وقال quot;ملقى على عاتقنا مهام جسام، لكي نفشل هذا المشروع الذي تروج له الدوائر الإمبريالية والصهيونية بعد أن فشل الإرهابي بوش في تحقيق أهدافه من غزو واحتلال العراق، وجيوش حلفائه أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة الماحقة، والانسحاب من بلاد الرافدين بفعل المناضلين الأبطال أبناء وأحفاد الرئيس الراحل الشهيد صدام حسين الذي كان شامخا حتى أخر لحظة في حياتهquot;.

وفي حين وصف أبو مازن الحكومة العراقية بأنها quot;حكومة صديقةquot;، لم يعجب هذا سالم الذي سجل اعتراض بعثي فلسطين على ما ورد في البيان الختامي حول مطالبة السلطة العراقية حماية المدنيين الفلسطينيين في العراق وقال quot;نحن لا نعترف بالحكومة العملية التي عينها الاميركان في العراقquot;، ولكن الغريب انه طالب بدلا عن ذلك من quot;جيش الاحتلال الأميركي أن يتحمل مسؤولية حماية المدنيين الفلسطينيينquot;.

واعترض سالم على فقرة وردت في البيان الختامي تتعلق بالشرعية الدولية قائلا quot;اننا نعترف بقرارات الشرعية الدولية التي تؤكد على حق شعبنا الفلسطيني في العودة واقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني الفلسطينيquot;. وهاجم معظم المتحدثين ما وصفوه انقلاب حماس في قطاع غزة، لكن هذا لم يمنع أن يقول البعض خلال الكواليس quot;ما دمنا نفاوض حكومة الاحتلال الإسرائيلي ونقدم الاحترام لاولمرت وهو يقتل كل يوم من أبناء شعبنا، ونصف الحكومة العراقية بالصديقة، فلماذا لا نفاوض حماس؟quot;. أما حماس فرفعت درجة المناكفة ضد المجلس المركزي الى مستويات علية، ولم تر فيه جهة تمثيلية، يمكن أن تحترم قراراته، وقللت كثيرا من أهمية انعقاده، واعتبرت أعضاءه حجارة في لعبة شطرنج.