ملاسنات بين معارضين ودبلوماسي سوداني في القاهرة
جدل ساخن في مؤتمر دارفور والمحكمة الجنائية الدولية
نبيل شرف الدين من القاهرة: وصف إدريس سليمان نائب السفير السوداني لدى مصر، قرار إحالة القضايا التي إرتكبت في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، بأنه قرار سياسي مدفوع من قوى متنفذة معروفة للضغط على الحكومة السودانية، وهو ما يعني أن القضية سياسية بالدرجة الأولى، وتشكل ضغطًا سياسيًا في إطار انتهاج سياسة المعايير المزدوجةquot;، على حد تعبيره.
واعتبر السفير السوداني قرار مجلس الأمن الذي أحال هذه القضية على المحكمة الجنائية الدولية، بأنه قرار معيب، ولم يصدر إلا بعد أن استثنت هذه الآلية الدولية قوى دولية أن يطال العدل الدولي مواطنيها في المحكمة الجنائية الدولية .
في المقابل، فقد أكدت جينفر شينسن مستشار التعاون الدولي بمكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، أن quot;هذه القضية قانونية، وليست سياسية، وأن المحكمة مهتمة بتنفيذ القانون، وفقًا لإتفاقية روما المؤسسة لنظام المحكمة الجنائية الدوليةquot; .
جاءت هذه التصريحات خلال مشاركة السفير السوداني في مؤتمر بعنوان quot;المحكمة الجنائية الدولية وأزمة دارفورquot;، الذي نظمه quot;المركز العربي لاستقلال القضاءquot;، وشاركت فيه عدة منظمات للمجتمع المدني في مصر والسودان، فضلاً عن ممثلي المنظمات والحركات المتمردة في إقليم دارفور السوداني .
وشهدت جلسات المؤتمر مناقشات ساخنة، إذ اتهم ممثلو حركات التمرد والمنظمات السودانية المعارضة حكومة الخرطوم، بأنها وراء ما يحدث في دارفور وحدث تراشق لفظي بين كمال جازولي الخبير في القانون الدولي وعضو نقابة المحامين السودانيين، مع نائب السفير السوداني، الذي اتهمه بأنه يخلط في مداخلته بين القانون والسياسة .
القانون والسياسة
وكان المؤتمر قد بدأ مناقشاته بجلسة خاصة حول الاختصاص العام لتحريك الدعوى في المحكمة الجنائية الدولية، وعبر حافظ ابوسعدة أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الانسان عن مخاوفه من سياسة اتباع المعايير المزدوجة في المحكمة، مشيرًا إلى ان الدول العربية ما زالت تتحفظ على المحكمة الجنائية انطلاقًا من شعورها بالقلق إزاء المعايير المزدوجة، داعيًا إلى فتح حوار موضوعي لمناقشة هذه المخاوف، وهذا لا يعني انه لا يجب الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وخلال مداخلته، أعرب السفير السوداني لدى القاهرة عن اعتقاده بأن هذه القضية لم تنطلق من أساس قانوني محض، فقضية دارفور هي من أكبر القضايا التي شهدت أكبر عملية تزوير سياسي دولي، وهذه الأمور هي واحدة من المعوقات الاساسية في سبيل حل المشكلة، لافتًا إلى ما أسماه quot;معضلة المفسدين وجماعات المصالح ممثلة في بعض القوى المتنفذة في مجلس الأمن الدوليquot; .
ومضى السفير السوداني مؤكدًا أن بلاده quot;لن تقبل أن تستثني المحكمة الجنائية الدولية بعض الدول على حساب دول أخرى، مما يتنافى مع مبادئ العدل والمساواةquot;، وأضاف أن قرار مجلس الأمن الذي أعطى للمجلس نفسه حق سحب هذا القرار من المحكمة، إذا حلت الحكومة السودانية مشكلة دارفور في ظرف عام فهذا أمر مخالف، وليس للمحكمة نفسها ذات اختصاص في هذا الموضوع وهو أن السودان لم يصادق على الميثاق الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
ثم تحدث الدكتور حازم عتلم، أستاذ القانون الدولي بجامعة عين شمس، فاستعرض باستفاضة اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية وطالب الدول العربية بأن تشارك في هذه المحكمة حتى تجابه بموضوعية مسألة ازدواجية المعايير .
ووزع ممثل مكتب حركة وجيش تحرير السودان بالقاهرة والشرق الاوسط، بيانًا للحركة حول بعض الحلول والمقترحات الضرورية لحل مشكلة دارفور، ومن بينها تفعيل اجراءات المحكمة الدولية وفرض جزاءات على الحكومة السودانية وحظر الطيران فوق دارفور وحظر استيراد الأسلحة للسودان .
وحول محور quot;الخلفية التاريخية عن أزمة دارفور والصراعات وموقف دول الجوار في هذه المنطقةquot;، تحدث هاني رسلان خبير الشئون السودانية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، مستعرضًا مواقف دول الجوار من أزمة دارفور وعلاقة الوساطات الإقليمية بتطور الصراع في دارفور .
المحكمة الجنائية الدولية
من جانبها، أكدت جينفر شينسن مستشارة التعاون الدولي والتكامل بمكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في روما، أن قضية احالة متهمين سودانيين من بينهم وزير الشؤون الانسانية السابق في الحكومة السودانية هي قضية قانونية، وليست سياسية، وإن المحكمة منشغلة الآن بإنفاذ القانون وفقًا لاتفاقية روما المؤسسة لنظام المحكمة الجنائية الدولية، وأن هذا القرار جرى بناءً على إحالة القضية من مجلس الأمن الدولي إلى المحكمة بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة .
وأشارت إلى أن المحكمة تحترم ما يحدث على المستوي الوطني والجهود السابقة للتحقيق ومدي الشفافية والجدية، وأنه بالنسبة إلى مشكلة دارفور، فلا يعني عدم تصديق حكومة السودان على الميثاق الاساسي للمحكمة عدم النظر للمحكمة الجنائية لهذه القضية، حيث وقع السودان على ميثاق الامم المتحدة .
وأوضحت أن مكتب المدعي للمحكمة الجنائية الدولية قام بتحليل القضية بشكل مكثف منذ نيسان (أبريل) عام 2005 كما قام وفد من مكتب المدعي العام لزيارة السودان والالتقاء مع المسؤولين ووزير العدل السوداني، وكثير من القضاة، ودراسة التحقيقات التي تمت، وكانت هناك بعض المؤشرات والاتجاهات حيث رأينا أن السلطات لم تتعامل بالشكل الكافي مع هذه القضية، وقد تم استجواب الوزير احمد هارون غير انه لم تتخذ ضده أي إجراءات .
ولفتت إلى مسؤولية القبض على الوزير السابق احمد هارون، وعلي شكيب، أحد المتورطين من quot;الجنجاويدquot;، تقع على عاتق الحكومة السودانية وحدها وتسليمهما إلى المحكمة الجنائية الدولية، وليست القوات الدولية في دارفور فهذه العملية قضائية ويمكن الطعن فيها.
واستعرضت جينفر شينسن اختصاصات المحكمة الدولية، فأشارت إلى ان المحكمة تمارس اختصاصها اذا تقاعست الدولة الواقعة على اراضيها في محاكمة الانتهاكات، أو اذا كان ليس لها نظام قضائي قادر على ممارسة دوره.
واختتمت المسؤولة الدولية قائلة quot;إننا نشجع حكومة السودان من أجل القبض على مرتكبي الجرائم في دارفورquot;، وأوضحت أنه quot;بالنسبة إلى شكاوى الأفراد، فإن المحكمة تشجع أي شخص لديه معلومات أن يتواصل ويخاطب المحكمة مباشرةquot; .
التعليقات