ليبيا تسحب أرصدتها المودعة في سويسرا ردا على قضية نجل القذافي
برن: نشرت وزارة الخارجية مساء أمس الجمعة بيانا وجيزا نوهت فيه إلى أن quot;سويسرا دولة قانونquot; وأن برن quot;تواصل جهودها الرامية إلى حل المشاكل التي تؤثر على العلاقات الثنائية بين سويسرا وليبياquot;.

وكان رئيس الكنفدرالية باسكال كوشبان قد أكد في وقت سابق يوم الجمعة، في أوّل رد فعل سويسري رسمي، أن قرار وقف ليبيا لصادراتها النفطية إلى سويسرا لن يكون له تأثير على السوق الوطنية، مُذكرا بعودة أسواق النفط إلى الاستقرار وتراجع الأسعار.

وفي تصريحاته للتلفزيون السويسري الناطق بالألمانية quot;SFquot;، أعرب رئيس الكنفدرالية باسكال كوشبان عن أمله في أن تبقى التهديدات الليبية في مستوى الخطاب فقط.

وجاء الرد السويسري بعد أن تأكد القرار الليبي بشأن تجميد الصادرات النفطية الليبية إلى سويسرا، وسحب ودائعها في المصارف السويسرية التي يقدرها البنك الوطني السويسري بـ 6,6 مليار فرنك سويسري.

وكانت وكالة الأنباء الليبية (جانا) قد أوردت الخبر في الساعات الأولى من الجمعة 10 أكتوبر 2008، نقلا عن مسؤول بوزارة الخارجية الليبية لم يكشف عن إسمه.

وطبقا لنفس المصدر، جاءت هذه القرارات: quot;للإحتجاج على سوء المعاملة التي تعرض لها دبلوماسيون ورجالُ أعمال على يد الشرطة السويسرية بكانتون جنيفquot;. ولم يدقق البيان ما إذا كان سوء المعاملة المشار إليها تتعلق بالملاحقات القضائية هذا الصيف ضد نجل الزعيم الليبي هانيبال، في يوليو 2008، أم هي أحداث جديدة.

وأضاف نفس المصدر أن هذه الإجراءات ستُرفع quot;حالما تُعرف أسباب ودوافع هذه المُمارساتquot;.

quot;حادثة خطيرةquot;

وقد أصدرت وزارة الخارجية السويسرية مساء الجمعة بيانا وجيزا ذكّرت فيه بأن quot;سويسرا دولة قانون، ويتوجب عليها السهر على احترام دستورها واتخاذ الإجراءات في إطار قانوني. وتواصل الوزارة جهودها الرامية إلى حل المشاكل التي تؤثر على العلاقات الثنائية بين سويسرا وليبياquot;.

وأضاف البيان أن الوزارة لم تتوصل بأية معلومات من جانب السلطات الليبية حول موضوع سحب أرصدة طرابلس في المصارف السويسرية. كذلك الشأن فيما يتعلق بوقف صادرات النفط الخام إلى سويسرا.

ويذكر أن البلدين يـُجريان محادثات ثنائية على مستوى وفود سامية التقت في مناسبات عديدة في كلا البلدين في محاولة لتسوية الخلافات بين برن وطرابلس.

وأوضحت وزارة الخارجية السويسرية في بيانها أن الأمر يتعلق بـ quot;عملية مفاوضات تقوم على أساس الميل إلى البحث معا عن حلول، في جو من التفاهم المتبادل. وحتى الآن، لم تتعرض هذه العملية إلى تشكيك رسمي من جانب السلطات الليبيةquot;.

ويبدو أن عملية المفاوضات شهدت وقوع quot;حادثة خطيرةquot; في وقت سابق هذا الأسبوع في برن. فقد علمت سويسرا من مصدر مُطلع بأن لقاءا مُهما جـمع سويسريين وليبيين وممثلين عن بلدان عربية أخرى تعثـّر جديا بعد أن طالبت ليبيا مجددا بأن تقدم لها سويسرا اعتذارات عن حادث اعتقال نجل القذافي الصيف الماضي في جنيف. وقال المصدر نفسه إن العقيد معمر القذافي يدير شخصيا هذه الأزمة.

ويجدر التذكير بأن ليبيا قد هددت خلال شهر يوليو الماضي بإيقاف صادراتها إلى سويسرا على إثر الإجراءات القضائية التي اتخذت ضد هنيبال القذافي وزوجته ألين، لدى وجودهما بجنيف بسبب شكوى سوء معاملة رفعها ضدهما اثنان من خدمها.

الأزمة تتفاقم

ويعيد القرار الليبي الجديد الأزمة بين الجانبين إلى المربع الأول، وتؤكد أن المفاوضات الجارية لإعادة الدفء للعلاقة بين البلدين تمر بمرحلة حاسمة. فليبيا تطالب سويسرا بتقديم إعتذار رسمي، عن التتبّعات العدلية بحق هانيبال القذّافي في جنيف الصيف الماضي، في حين تسعى سويسرا جاهدة لثني السلطات الليبية عن إجراءات تحد من حركة اثنيْن من الرعايا السويسريين في طرابلس، وتمنعهما من مغادرة البلاد.

المتابعون ظنوا حتى الأمس القريب أن العلاقات الليبية السويسرية تسير نحو الانفراج، بعد توقف الإجراءات القضائية ضد هانيبال، وسحب المتقدمان بالشكوى لشكواهما، بعد حصولهما على تعويض لم يكشف عن طبيعته. لكن قرار وقف صادرات النفط، وسحب الأموال الليبية، بالإضافة لاكتفاء شركة quot;سويس للطيرانquot; برحلة أسبوعية واحدة إلى طرابلس، بعد أن كانت تقوم بثلاث رحلات قبل إندلاع الأزمة، مؤشرات هامة على أن الامور لا تسير على ما يرام بين البلديْن.

وفي حديث له أوضح سبيلمان، المدير السابق لمركز الدراسات الأمنية وأبحاث النزاعات في جامعة زيورخ أن quot;القذّافي مازال يشعر بالإهانة ويرغب في إستخدام الوسائل الفعالة المتاحة له ضد سويسرا في محاولة للوصول إلى هدف غير معلن رسميا، ولكن تحدّثت عدة وسائل إعلام عنه، ويتمثل بالتحديد في الحصول على إعتذار سويسري رسميquot;.

ولا يرى سبيلمان أيّ مبرر يسمح للقذّافي بإتخاذ هذا الإجراء الآن، بعد ثلاثة أشهر من إيقاف إبنه quot;هانيبالquot;، وزوجته quot;آلينquot; في أحد الفنادق الفاخرة بجنيف.

quot;سلاح النفط لم يعد مُجدياquot;

وفي أوّل رد فعل سويسري غير رسمي على تجميد ليبيا لصادراتها النفطية لسويسرا، كان رولف هارتل، رئيس اتحاد شركات النفط السويسرية قد صرح يوم الخميس: quot;هذا الإجراء كمن سجّل هدفا في مرماه، فهو يضر في المقام الأوّل بالمصالح الليبية في سويسرا، وفي مقدّمتها محطة quot;كولومبيquot; لتكرير النفط التي تمتلكها ليبيا، وبنقاط البيع الـ 320 التابعة لشركة تامويل الليبية المنتشرة عبر ربوع سويسراquot;.

واعتبر هارتل قرار ليبيا quot;خبرا مزعجا، من دون أن يشكل خطرا على تزوّد سويسرا باحتياجاتها من النفطquot;. كما استبعد أي ارتفاع للأسعار بسبب هذا الإجراء، مضيفا أن quot;هذا التهديد في حالة تنفيذه لن تكون له تأثيرات فعلية قبل مرور ثلاثة أسابيع، وهي فترة كافية بالنسبة للجهات المعنية للبحث عن مصادر أخرى للتزود بالمحروقاتquot;.

وتستورد سويسرا ما إجماله 2.5 مليون طن من النفط الخام سنويا من ليبيا، ولا تمثل هذه الكمية، رغم أهميتها، سوى 20% من إجتياجات البلاد. وتعليقا أيضا على الخطوة الليبية، ختم هارتل قائلا: quot;هذه مناورة دبلوماسية، وعلينا أن نُطمئن المواطنين، فسلاح النفط في هذا السياق لن يكون مجدياquot;.

بعض الصحف الروماندية (الناطقة بالفرنسية) - مثل quot;تريبون دو جنيفquot; وquot;فانت كاتر أورquot; (تصدر بلوزان)- تساءلت يوم الخميس أيضا عن خلفية الخطوة الليبية، وأوردت الأولى رأي أحد الدبلوماسيين الذي فضّل عدم الكشف عن إسمه، والذي اعتبر أن quot;هذا الإجراء يمثّل أسلوبا ليبيا خاصا في التفاوض، وإحدى وسائل هذا الأسلوب تأزيم الوضع للوصول إلى المبتغىquot;، في الوقت الذي لم يستبعد خبير آخر في أوضاع العالم العربي بأن quot;الإجراء رسالة إلى أطراف داخلية في ليبيا أكثر منه رسالة إلى الخارجquot;.