ثلاثة أسابيع من النقاش الحاد الملتهب في البرلمان
ساركوزي يُحكم قبضته الحديدية على قطاع الإعلام الحكومي
أنيسة مخالدي من باريس: ثلاثة أسابيع من النقاش الحّاد الملتهب وتوتر غير معهود تشهده مدرجات البرلمان الفرنسي والسبب هو المواجهة العنيفة بين اليمين واليسار حول مشروع إصلاح القطاع التلفزيون الحكومي الذي أراده الرئيس نيكولا ساركوزي منذ وصوله للحكم.
إصرار المعارضة على رفض هذا المشروع و تقديمها لأكثر من 8 طلبات تعديل لمواده لغاية الآن، جعل رئيس كتلة الحزب الحاكم في البرلمان ''فرانسوا كوبي'' يهدّد بإمكانية لجوء الحكومة إلى مرسوم لتطبيق بعض بنود المشروع ولا سيما ما يخصّ حجب الإعلانات عن القنوات الحكومية. والواقع أن المشروع قديم جديد وكانت عدة جهات من اليسار واليمين قد أوصت به في السابق، لكن سركوزي يعتبر الوحيد الذي يُقدم على مثل هذه الخطوة الجريئة منذ البث في أهم مشروعي إصلاح للقطاع التلفزيوني الفرنسي وهما الإعلان عن استقلالية القنوات الثلاث الكبرى سنة 1974 وبيع القناة الأولى للقطاع الخاص بقرار من الرئيس شيراك سنة 1986.
تحفّظ المعارضة الشديد على هذا المشروع يخصّ نقاط معينة، أهمها المادة الثامنة والتاسعة من هذا المشروع والتي تنّص على حق الرئيس سركوزي في تنصيب وعزل المدير العام للتلفزيون الفرنسي، المدير العام لإذاعة فرنسا والقطاع السمعي البصري الخارجي وهذا دون الرجوع للبرلمان. إضافةًً إلى المادة 18 الخاصة بحجب الإعلانات عن القنوات الحكومية التي سيشرع فيها ابتداء من 5 يناير(جانفي) الجاري. رّد فعل المعارضة على مشروع الإصلاح كان عنيفاً، فهي تراه انتكاسة خطيرة لحرية الإعلام والعودة به 25 سنة للخلف، فكيف للتلفزيون العمومي-تتساءل المعارضة اليسارية- أن يحتفظ بحياده و استقلاليته و مسألة تعيين أو خلع كبير مسؤوليه تتوقف على رضا الرئيس عليه..؟. المعارضة اتهمت الرئيس بمحاولة بسط نفوذه على وسائل الإعلام الحكومية لخدمة صورته وأجندته السياسية، كما يفعل نظيره الإيطالي ''برلسكوني''. كتلة اليسار بجميع تياراتها (الخضر، الحزب الإشتراكي، الشيوعيون واليسار المتطرف) نددت بالبند الخاص بحجب الإعلانات عن القنوات الحكومية، و قالت إن الخطوة هي في الواقع رغبة من الرئيس في مكافأة أصدقائه أباطرة القنوات الخاصة بحوالي 18.000 ساعة من الإعلانات، معظمها ستذهب للقناة الأولى الخاصة، وإضعاف التلفزيون الحكومي تدريجيا بما أن نقص موارده المادية سيؤدي حتماً إلى إخضاعه للحكومة. وذكّر كثير من نواب اليّسار في عدة مداخلات لهم وبالأخّص نائب حزب الخضر و الصحافي السابق ''نويل مامير'' بسمعة الرئيس المعروف بنهمه التلفزيوني الشديد، فهو منذ وصوله أصبح أكثر رؤساء فرنسا حضوراً في وسائل الإعلام الخاصة التي يتمتع فيها بمكانة ممّيزة بسبب صداقاته الكثيرة و القوية مع أكبر مديري وملاك وسائل الإعلام الفرنسية.
laquo;فمارتان بويغraquo; صاحب أقوى القنوات الفرنسية TF1 وقناة LCI الإخبارية هو صديق شخصي للرئيس وقد كان الشاهد الأول على زواجه من سيسيليا وأيضاً عرّاب ابنه الصغيرlaquo;لويسraquo;، أما laquo;أرنو لغردرraquo; رجل الأعمال المعروف بتربعه على مملكة حقيقية من وسائل الإعلام المختلفة: (باري ماتش، إذاعة أورب آن ، صحيفة لومند، جورنال دو ديمانش، هاشيت...) فهو لا يخفي صداقته القوية مع الرئيس الذي وصفه علانية وفي عدة مناسبات بـ laquo;أخيه الأكبرraquo;، أما quot;فنسان بولوغي'' إمبراطور الصحافة المجانية في فرنسا: (ديراكت سوار، ديراكت ماتان، وقناة ديراكت8) والذي كان قد أعار الرئيس يخته الخاص بمناسبة العطلة التي قضاها مع عائلته بعد فوزه في الانتخابات، فهو يعدّ أيضا من أصدقائه المقربين وكذالك صاحب شركة ''داسو'' لصناعة الطائرات quot;سارج داسوquot; الذي يملك صحيفة لوفيغارو العريقة، و''برنار أرنو'' صاحب جريدة (لتربون الاقتصادية وراديو كلاسيك).
من جهتهم يصّر نواب اليمين على مشروع الرئيس ويرّد رئيسهم quot;فرانسوا كوبيquot; بأن المسألة تعكس قبل كل شيء رغبة الرئيس في منح الفرنسيين قطاع تلفزيوني متميز ذو نوعيه جيدة متحرر من ديكتاتورية الإعلانات التجارية ومتفرغ لخدمة المواطن والإبداع. اليمين رّد على موضوع إشراف الرئيس على اختيار مدير التلفزيون بأن الأمر فيه كثير من النفاق فالكّل يعلم أن المسالة تمت دائما بمعرفة من الإيليزي ولم يتم يوماً تعيين مدير للتلفزيون دون أن تكون الرئاسة موافقة على ذالك. وذكّر بأن رئيس التلفزيون الحالي ''باتريك دو كاروليس'' لم يكن ليُعين لولا صداقته الوطيدة بالسيدة quot;برناديت شيراكquot; التي شاركها في تأليف كتاب والكلّ يعلم ذالك. النائب الذي كلفه سركوزي بالدفاع عن مشروعه قال أن الرئيس يطمع من خلال مشروعه منح الفرنسيين قطاع تلفزيوني حكومي قوي كنموذج ''البي.بي.سي'' التي تتمتع بسمعة و احترافية عالية وقد حان الوقت الآن لتجسيد هذا الحلم. المعارضة التي ما زالت تعرقل عملية المصادقة على المشروع والنقاش لم يتطرق بعد إلى 38 مادة أخرى، قد تلجأ إلى المجلس الدستوري أو ''مجلس الحكماء'' الهيئة العليا الوحيدة التي يمكنها البثّ في شرعية بعض القوانين في حالة تطبيق بعض بنود المشروع بمرسوم رئاسي كما أعلنت عنه وزيرة الثقافة والاتصال. في انتظار ذالك تسّتعد القنوات الحكومية للمرحلة الجديدة حيث سيتم ابتداءاً من الأسبوع المقبل البّث في فقرات إعلامية لتنبيه الجمهور للتغيير الذي سيطرأ على البرمجة.
[email protected]
التعليقات