ليل بيروت يتكلم لغة جارحة تراها عيون النهار
نعرات مذهبية وجرحى وشوارع لا تنام
عماد الدين رائف من بيروت: quot;خفافيش الليلquot;، quot;فدائيو المزابلquot;، أو quot;زعران الحيquot;؟ مصطلحات إستنبشبت من فترة الحرب الأهلية ليعد تردادها بين أحياء بيروت التي شهدت لياليها معارك إبتدأت كلامية بالشعارات والتجمعات، وإنتهت دموية بضرب العصي، قنابل مولوتوف، طلقات نارية، إحراق محلات وسيارات... مسرحيات ليلية أبطالها ليسوا مستوردين من الخارج quot;السوري ndash; الإيرانيquot;، أو quot;الفرنسي ndash; الأميركيquot;، بل شبان إنساقوا وراء المواقف المتشنجة التي إستباحت الساحات والأذهان وصولاً إلى ذروة الإحتقان، المنذر بإنسداد نهائي للأفق السياسي، من على منبر ذكرى الرئيس رفيق الحريري الخميس الماضي، واصفًا الآخر بالـ quot;غوغائيةquot; والإرتهان للخارج الإقليمي quot;السوريquot;، فيما يراه الآخر، المعارض، مرتهنًا quot;لأسياده في واشنطن وتل أبيبquot;.
التعدي على المواطنين
quot;الحمد لله على السلامةquot;، عبارة تسمعها من رجل خمسيني أطل برأسه من شباكه على الطابق الثاني مطمئنًا على جار له يعاين زجاج سيارته المهشم نتيجة الإشتباكات. على الطريق الضيق المتفرع من شارع محمد الحوت، تبدو آثار المعركة الليلية طازجة فتتناثر الأحجار وزجاج هنا وهناك، وعصي كان قد استخدمها quot;الخفافيشquot; في عملية التكسير الطويلة، التي امتدت لساعة ونصف الساعة، قبل أن تتدخل وحدات الجيش وقوى الأمن الداخلي لتوقف من توقف منهم، وتفرق بين الموالاة والمعارضة بشكلهما الليلي الشبابي الجامح نحو المجهول.
quot;حرب الشوارعquot; المتكررة التي أطلت برأسها من رأس النبع، البسطة، بربور، البربير، وزواريب هذه المناطق الداخلية، كانت قد بدأت بالبروز مع اعتداءات على المواطنين والأرزاق قبل ذاك في دوحة عرمون، ومع الأحد الدامي في مار مخايل. quot;عشنا ليلة مرعبة، لا يهم مَن البادئ، من الذي مزق صورة أو رفع شعارًا... صار الشارع ميدان معركة للزعرانquot;، تقول سيدة في العقد الثالث، تضيف: quot;نحن جيران، ولا يمكن التمييز بين منتمٍ للمعارضة ومنتمٍ للموالاة من أي قادم إلى هذا الشارع، لقد كان التكسير متعمدًا... الله يريحناquot;.
تشكل صور الزعماء المرفوعة، والرايات الحزبية مادة غنية لبدء أي مشكل، فيكفي أن يعمد شبان إلى تمزيقها، لتبدأ معركة لا تنتهي إلا بجرحى من طرفي النزاع. أما السكان الذين لا حول لهم ولا قوة، فتبدأ لديهم حالة الهلع على أرزاقهم وأرواحهم، مع تخوف دائم من وجود قناصين يحتلون الأسطح ليلاً. كل يوم يتفقدون سياراتهم، محالهم. يقول أبو خالد: quot;أسباب المعارك سخيفة، ولا يمكن احتمالها، فتمزيق صورة للشهيد الحريري كان كافيًا لاشعال هذه المعارك، وكأن الشهيد الحريري كان يرغب في أن ترفع له صور أو تمزق..quot;. يستذكر الرجل صور الحرب الأهلية الدامية، ليضيف quot;الله لا يعيدها علينا.. وكأننا لا نتعظ؟quot;.
إجتماع لمعالجة الإشكالات
في إطار معالجة تداعيات هذه الإشكالات الأمنية عقد اجتماع في مديرية مخابرات الجيش اللبناني ضم كلاً من مدير المخابرات العميد جورج خوري والعقيد غسان سالم والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، والمقدم وسام الحسن، وحضر عن حزب الله الحاج وفيق صفا، وعن حركة أمل أحمد البعلبكي، وعن تيار المستقبل خالد شهاب، وتم عرض الإشكالات والحوادث التي جرت، وجرى التداول في سبل معالجتها والحؤول دون تكرارها عبر العمل على التهدئة وتخفيف الاحتقان وتأمين سبل الاستقرار وحماية السلم الأهلي. واتفق المجتمعون على المباشرة في إجراء اتصالات ميدانية في الأحياء وتأمين التواصل المحلي المباشر بين مختلف الأطراف، بما يساهم في تخفيف التوتر وعدم تكرار ما حصل. وكانت مديرية التوجيه في الجيش اللبناني قد عممت بيانًا نبهت فيه إلى خطورة هذه الأحداث محذرة المواطنين من التجمع في أماكن الإشكالات، كيلا يتعرضوا للتوقيف كمحرضين، وكذلك وسائل الإعلام من بث أي صور أو خبر يجافي الحقيقة لكي لا تسهم بشكل غير مباشر في ازدياد نسبة الإشكالات. وهكذا يفترض أن تهدأ هذه الجولة من الفتنة المتنقلة والمتزايدة الحجم، مرة بعد مرة، من معارك الشوارع الليلية، فيما ينام سكان بيروت، والمناطق، نومًا غير هانئ، منتظرين quot;الله يفرجها، ويخلصنا من المعارضة والموالاةquot;، كما يقول الحاج أسعد، الذي تضررت سيارته، مورد رزقه الوحيد.
التعليقات