مذكرات بريماكوف عن حرب لم تكن لتندلع في الخليج 1991(1/4)
صدام ظن أن أفضل وقت للتفاوض حينما ينتهي وقت الإنذار!

زيد بنيامين من دبي: حل شهر اكتوبر 1990 ودخلت أزمة غزو العراق للكويت شهرها الرابع، كان الرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف يعمل بجد محاولاً استعادة أمجاد إمبراطورية غابت عنها شمس التاريخ وسلمت مفاتيحها إلى الولايات المتحدة الأميركية عبر البحث عن مخرج ما لتلك الأزمة، وكان أفضل من يساعده في هذه المهمة مستشاره الشخصي يفجيني بريماكوف رئيس تحرير صحيفة البرافدا أهم صحف الشيوعية خلال عقد الستينات حيث سبق له السفر إلى الشرق الأوسط ولقاء الرئيس العراقي صدام حسين عدة مرات، وإعتقد جازماً لسبب ما أن الرئيس العراقي سينسحب في حال أعطي الوقت والضمانات الكافية.

شارك طارق عزيز وزير الخارجية العراقي انذاك في الاجتماعات المكثفة التي جرت في الكرملين بحضور الرئيس السوفيتي غورباتشوف ومساعده بريماكوف وكتب الأخير تفاصيل تلك اللحظات الحرجة في كتابه (الحرب التي لم تكن لتندلع).

ويروي بريماكوف قصته عن محاولات موسكو إيجاد حل لقضية الكويت بالقول عدت من بغداد بتاريخ الثالث عشر من شباط (فبراير) 1991 بعد ان انهيت مهمتي التي كلفني بها غورباتشوف والتي شملت لقاء الرئيس العراقي صدام حسين في هذه المرحلة من الحرب من اجل إقناعه بضرورة حل موضوع غزو الكويت بالوسائل السلمية السياسية ولم يكن الطريق الى بغداد سهلاً، كانت القوات الاميركية تضرب العاصمة بقسوة وعنف وبكل ما اوتيت من قوة، وبحسب المسؤولين العراقيين الذين قابلتهم في بغداد فان العاصمة العراقية شهدت هجوماً عنيفاً في الوقت الذي تواجدنا فيها.

حديثي مع صدام لم يكن سهلاً، وقد كانت لدي اسبابي الخاصة في ان ارسل رسالة تجمل ما حصل في هذا اللقاء الى موسكو بعد انتهائه قلت فيها quot;بعد حديثنا ليلة الثاني عشر من فبراير، اطلعني طارق عزيز على قرار القيادة العراقية ، لقد تقرر ان يتم ارسال وزير الخارجية العراقي الى الاتحاد السوفيتي من اجل مواصلة حديثنا بعد ثلاثة ايام من مغادرتيquot;، وفي ليلة وصول عزيز الى موسكو اصدر مجلس قيادة الثورة العراقي بياناً عاطفياً تحدث فيه عن احتمالية انسحاب القوات العراقية من الكويت.

لم يكن من الغريب ان تنصب عيون العالم على موسكو في الثامن عشر من فبراير حينما التقى الرئيس غورباتشوف وزير الخارجية العراقي طارق عزيز في موسكو يرافقه سعدون حمادي نائب رئيس الوزراء العراقي انذاك كما حضر اللقاء وزير الخارجية الروسي الكسندر بسمرتنيخ وبمشاركتي ايضاً.

وضع الرئيس السوفياتي في اللقاء خطة محددة من اجل حل سياسي للازمة من خلال الوصول الى قرار دولي لانهائها، فقد قدم اقتراحاً يضم انسحاب العراق من الكويت من دون قيد او شرط في مقابل ايقاف الحرب مباشرة، ولاول مرة لم يرد طارق عزيز بسرعة على عرض ما من قبلنا يتضمن انسحاب العراق من الكويت، فقد تناول عزيز ورقة الاقتراح السوفيتي بصورة هادئة، ربما بطريقة تجارية، ولم يبد اي مشاعر تدل على الغبطة والسرور، ثم حمل المقترح عائداً الى بغداد من اجل التحدث الى صدام حسين.

بعد ثلاثة ايام وتحديداً في 21 فبراير عاد عزيز الى موسكو حاملاً الرد، وبعد اجتماع بين عزيز وغورباتشوف خرج الاتحاد السوفيتي من الاجتماع بمقترح اعلنه عالمياً، وسمي (خطة غورباتشوف) حيث قبلت بغداد بموجبها واخيراً الانسحاب غير المشروط من الكويت.

اعتقدت في تلك اللحظة ان القيادة العراقية هي التي تتحمل ما حصل في هذه الحرب وزاد اعتقادي ان تلك الحرب ما كانت لتشتعل ايضاً فقد كان هناك بديل ما.

كانت الامم المتحدة قد تعاملت مع العراق بطريقة عاطفية حيث أصدرت 12 قرارا حول غزو العراق للكويت في 3 أشهر، فيما اعتقد صدام حسين ان لديه الوقت دائماً للمناورة، واعتقد ايضا ان افضل وقت للتفاوض حول هذه الازمة هو حينما لا يكون هناك وقت اي في 15 يناير 1991 وما بعد ذلك التاريخ.

كانت العقوبات الاقتصادية القاسية والعرض العسكري الجاري في الدول المجاورة للعراق قبيل ضربه قد اعطت الفرصة ولو بنسبة ضئيلة لاخراج الازمة بطريقة سلمية بعد ان تسبب بها صدام حسين.

اصبح الطريق الاول للخروج من تلك الازمة هو الاطار العربي، حيث جاءت الاقتراحات بان يتم الانسحاب من الكويت في مقابل حل القضية الفلسطينية، وهو ما اعلنه صدام في 12 اغسطس 1990 في رسالة وجهها الى الشعب العراقي، وقتها طالب الرئيس العراقي بمناقشة جميع القضايا في وقت واحد: موضوع الكويت، انسحاب اسرائيل من الاراضي المحتلة، وانسحاب السوريين من لبنان.

حاول الرئيس العراقي وقتها، الحصول على دعم سياسي من الشارع العربي بعرضه هذا، باعتباره المحارب الوحيد الساعي للحصول على مكتسبات من اجل القضية الفلسطينية، وصدق بعض العرب فعلاً فكرة صدام حسين وهي ان تكون الكويت ثمناً عادلاً لحل القضية الفلسطينية، وهو الامر الذي لم تلاحظه
واشنطن والعديد من عواصم القرار الغربية.

اصبحت احتمالية تبني عرض صدام حسين للسلام مساوية للصفر وكان الوقت لطرح السؤال الاتي: (لم لا نجرب ايجاد حل ما للقضية الفلسطينية من اجل ان ينسحب صدام من الكويت) قد اصبح متأخراً.

حينما دعا الرئيس بوش نظيره السوفياتي لعقد لقاء في هلسنكي في التاسع من سبتمبر كان الرأي السائد في موسكو هو ان الحرب كفيلة بانهاء هذه الازمة، واعتقد الرؤساء ان تغييرا ما ستجلبه العقوبات الاقتصادية بالاضافة الى الجهد السياسي المبذول والعرض العسكري القائم حول العراق.

قبل ان يدخل غورباتشوف الى لقائه مع الرئيس بوش، تحدث الرئيس السوفياتي الى مستشاريه حتى وقت متأخر من تلك الليلة وقد ركز حديثه على الجهود الكفيلة بحل القضية الفلسطينية من اجل ان يخرج العراق من الكويت، ولكن كان على الرئيس اثبات ان صدام حسين عازم على الانسحاب غير المشروط وان يكون البحث عن حل لموضوع النزاع الاسرائيلي الفلسطيني كخطوة لا ترتبط بهذا الانسحاب بصورة مباشرة ولكنها كطريق او نتيجة لذلك الانسحاب، اي ان موضوع النزاع هذا لا علاقة له بمبادرة الرئيس العراقي في 12 اغسطس والتي ربطت مباشرة بين القضيتين: الكويت والنزاع الفلسطيني الاسرائيلي.

في المقابل لو حصل ووافقت الولايات المتحدة على التعامل مع القضية الفلسطينية كان صدام حسين ليفقد اهم اوراقه في الحرب.. ورقة النزاع الفلسطيني الاسرائيلي.

كان يرافق الرئيس السوفياتي في رحلته هذه الى هلسنكي سيرجي اكروموييف كبير مستشاريه العسكريين ، وقد حذر هذا الرجل الاميركيين في ذلك الاجتماع من ان اي خطوة نحو الحرب تعني وجود عدد كبير من الضحايا، كما حذر بان الحرب لا يمكن ان تنتهي من خلال الضربات الجوية فقط لان العراقيين ليس لديهم ما يخسرونه.

في الحلقة الثانية:
طارق عزيز فشل في اقناعي باسباب غزو الكويت!
شخصية صدام حسين القاسية كانت واضحة منذ 1969.