مذكرات بريماكوف عن حرب لم تكن لتندلع في منطقة الخليج 1991(2/4)
كان يمكن أن ترى ما سيصبح عليه صدام منذ الستينات
زيد بنيامين من دبي: كان كل من غورباتشوف وبوش يؤكدان خلال الإجتماع أهمية عدم اندلاع حرب أخرى في منطقة الخليج، لكنهما لم يهربا من احتمالية اللجوء إلى خيار الحرب في النهاية لأن بعض خيوط الحل كانت في يد صدام حسين وبعد الإجتماع أخبرني غورباتشوف أنه مقتنع أن الرئيس بوش يريد حلاً سياسياً. لاحقاً... وفي محاولة منه لتقوية هذه القناعة لدى الرئيس بوش فان الرئيس غورباتشوف أخبر الرئيس الأميركي أن خفض عدد القوات في منطقة الخليج مع صدور جملة من القرارات من الأمم المتحدة ستكون كفيلة بحل هذه الأزمة، والتي إن إستمرت فإنها قد تتسبب في أزمة أخرى، أزمة نفط عالمية خصوصا مع الإستغناء الحاصل فعلياً عن صادرات كل من العراق والكويت النفطية، وكل ما طلبه غورباتشوف آنذاك هو المزيد من الوقت للدبلوماسية.
لم تكن علاقتي بصدام حسين خافية على احد، واتذكر لقائي به لاول مرة عام 1969 حينها كنت اعمل مراسلاً لصحيفة البرافدا في الشرق الاوسط، ولم يكن هذا الرجل قد تولى الرئاسة بعد ولكنه اعتبر من بين الاعضاء الاكثر تاثيراً في القيادة العراقية. كما اتذكر انني وخلال تلك الفترة اصبحت قريباً من طارق عزيز الذي عمل رئيساً لتحرير صحيفة الثورة وهي الصحيفة الرسمية الناطقة باسم حزب البعث العربي الاشتراكي.
مرت بعض الاوقات الصعبة، فجناح حزب البعث العربي الذي انتمى اليه كل من صدام وعزيز وصل الى السلطة تواً، كان بامكانك رؤية الاسلحة موضوعة في طرف مكاتب كلا الرجلين ، كما كان واضحاً العديد من ملامح شخصية صدام حسين وهي الملامح التي تطورت فيما بعد وظهرت واضحة وقادته الى رئاسة العراق وتطورت بمرور الوقت وهو هناك.
كان بامكانك ان تجد فيه تلك الصرامة التي سرعان ما تتحول الى القسوة، فقد كان هذا الرجل مستعداً دائما لكي يحقق اهدافه ولا يهتم لا بالعواقب ولا بالثمن الذي يجب ان يدفع للوصول اليها، وكان يعتقد ان هذه الصرامة والقسوة ما هي الا جزء من الكرامة والشرف التي تحدث عنهما مطولاً خلال حياته، كان صدام مراوغاً وقادراً على المرور في المنعطفات المستحيلة.
التقيت صدام حسين عدة مرات وزرت معه موسكو ايضاً، وخلال مهماتي في بغداد تطورت علاقتنا نحن الاثنين بطريقة ما جعلتني اتحدث معه من دون الدخول في معمعة البروتوكولات الدبلوماسية والرسمية وقد قبلني صدام على هذا النحو وقبل طريقة كلامي معه يبدو ان هذا النوع من الحديث اعجبه جداً.
كانت علاقتي بصدام حسين قد وضعت في حسابات الرئيس غورباتشوف حينما اختارني لهذه المهمة في بداية اكتوبر من العام 1990 وحينها كان علي الذهاب الى بغداد باعتباري ممثلاً شخصيا للرئيس السوفياتي للمساعدة في انهاء ازمة الكويت وكان برفقتي نائب رئيس مجلس الوزراء ايغور بيلوسوف وكان علينا تحقيق هدفين الاول هو اخلاء كل الروس الموجودين في العراق من المختصين في الصناعات العسكرية وغيرها والبالغ عددهم 7830 شخصاً وكذلك الحديث مع صدام حول عدم وجود امل في حل الازمة مادام يتجاهل طلبات مجلس الامن وضمت اجندتنا ايضا هدفاً بعيد المنال نوعاً ما وهو ان يقوم صدام بسحب قواته من الكويت لتحل الازمة بالطرق الدبلوماسية.
استقبلني طارق عزيز في المطار، وتحدثت اليه لساعات مطولة وكانت تلك الجلسة هي الاقوى والاكثر حرارة خضتها مع اي مسؤول عراقي، كان عزيز يحاول جاهداً اقناعي ان الكويت جزء من العراق من وجهة النظر التاريخية والسياسية والاقتصادية كما تحدث عن قيام العرب بارغام العراق على فعل ما فعله في هذه الازمة. تذكرت وانا في خضم الحديث مع عزيز ، كيف وصل هذا الرجل الى موسكو بعد ايام من اندلاع حرب العراق مع ايران عام 1980 وحاول اقناعي بكل ما اوتي من قوة ان ايران هي التي بدأت الحرب على العراق.
احسست بمدى المرارة التي يعانيها عزيز من موقف الاتحاد السوفياتي الذي كان بحسب عزيز quot;يجب ان يتصرف بشكل مختلف تماماً آخذاً في الاعتبار علاقاته مع العراقquot; ولكن حينما سألنا عزيز حول الاسباب التي جعلت العراق لا يخبر الاتحاد السوفيتي نيته غزو الكويت قرر ان ينحي بالسؤال جانباً!
جاء موعد اللقاء مع صدام حسين في احد القصور الرئاسية في الخامس من اكتوبر، كانت البداية مع تسليم رسالة من غورباتشوف الى صدام ولم تظهر على الرئيس العراقي اي ردة فعل حول الجمل الواضحة والمباشرة التي وردت في تلك الرسالة والتي اكدت ضرورة الخروج من الكويت حالاً واعادة هذه الدولة الى الوجود مرة اخرى ولكن اصبحت اجواء اللقاء اكثر حدة بعد انتهائه من قراءة رسالة الرئيس غورباتشوف.
بعدها كرر صدام حسين كل الجمل التي كان عزيز قد قالها لي عن الكويت، فقررنا انا وزميلي بيلوسوف تحويل دفة الحديث ليكون عن المختصين الروس في العراق فقال لنا مباشرة: quot;اي شخص تريدون مغادرته سيغادر معكم ولكن خلال الشهرين القادمين ستخفض الحصة الى 1000 شخص لاننا لانريد لبعض المشاريع ان تتوقفquot;، فقال بيلوسوف بصورة هادئة quot;لا يجب علينا ان نوافق على هذا الطلبquot;..
كانت سفارتنا في العراق قد تلقت 1500 طلب بالخروج من العراق فطلبت ان تكون حصتنا 1500 شخص شهريا يمكنهم الخروج من هذا البلد فاستجاب صدام للطلب بالقول quot;لتكن على طريقتك اذاًquot;.
سرعان ما تغير الموضوع بعد ذلك، فقال صدام ان العراق ما ان خرج منتصراً من حربه على ايران في عام 1988 حتى اصبح هدفاً لمؤامرة دولية، فلا اميركا ولا اسرائيل ستسمحان بوجود العراق مع ترسانته الصاروخية، وان السعودية وبعض الدول الخليجية ساهمت في تنفيذ هذه المؤامرة، واصبح الضغط الاقتصادي على العراق واضحاً من خلال اختراق كل من السعودية والكويت والامارات لحصصها النفطية التي حددتها لهم منظمة اوبك، وقد انخفض سعر البرميل من 21 دولارا الى 11 دولارا وهو ما كلف العراق quot;خسائر اقتصادية فادحةquot;.
لم اعتزم الدخول في الحديث عن هذه الاسباب التي اوردها رغم ما وجد فيها من حقائق والبعض جاء من خياله المحض ايضاً بسبب شكه الزائد عن حده وفي كل شيء ولكن في النهاية كان مجمل ما قاله هو كل ما اعتقده هو في لحظة من الزمن فسألت صدام quot; الا تبدو لك -كما يقول الاسرائيليون دائماً- ان المسألة معقدةquot; فهز لي الرجل رأسه موافقاً فقلت له quot;واجراءاتك الى حد كبير الا تبدو انها جاءت من رجل لم يكن لديه اي خيار اخر؟quot; فوافقني صدام على ماقلته ايضاً ولكنه لم يختر الاجابة بكلمات مسموعة.
في الحلقة الثالثة:
مستشارو صدام كذبوا عليه ونقلوا الصورة الايجابية فقط من حرب الخليج!
صدام: انا اعرف جيداً من يقول لي الحقيقة!
التعليقات