بعد فتوى الطلاق وفصل الجنسين في الدراسة
تحذيرات في تونس من مخاطر الردة وضرب مكتسبات الحداثة
إسماعيل دبارة من تونس:
عبّرت مجموعة من الشخصيات التونسية في بيان وزّع اليوم على وسائل الإعلام ووصل 'إيلاف' نسخة منه ،عن quot;استغرابها وانشغالها وخشيتها من المخاطر التي تتعرض لها المكاسب التي حققتها تونس على طريق الحداثة والتقدم الاجتماعي والحضاريquot; .

ورصدت الشخصيات التي رفضت الكشف عن أسمائها جملة من الأحداث و المواقف و الممارسات التي أثارت الرأي العام الوطني.وتطرق الاّئكيّون في بيانهم إلى ما عمدت إليه بعض المدارس التونسية من فرض الفصل بين الجنسين في فصول الدراسة، متعدية بذلك على إحدى أسس المنظومة التربوية التونسية المتمثلة في الاختلاط بين الجنسين.

و اعتبرت أخطر الأحداث ما صدر عن مفتي الجمهورية الذي سمح لنفسه، على حدّ تعبير البيان وهو موظف سامي في الدولة التونسية، بإقرار وشرعنة طلاق امرأة من زوجها بمجرد أن أعلن هذا الأخير عن تطليق زوجته بالثلاث.
و اتهمت الشخصيات مفتي الجمهورية بالتغاضي عن السياسة التونسية في قضايا الطلاق quot;التي تحسم فيها بالضرورة المحاكم ولا شيء غيرها، وعلى أساس القانون الوضعي المعمول به في تونس ولا على أي شيء غيرهquot;.
و يضيف البيان quot;وبالتالي تحوّل (المفتي) من مفتي الدولة التونسية بقوانينها وتشاريعها إلى ناطق رسمي باسم الشريعة الإسلامية quot;.
وكانت فتوى قدمها مفتي الديار التونسية حول الطلاق قد أثارت جدلا واسعا بين التونسيين وأطلقت جملة من الشكوك والمخاوف بخصوص إمكانية تراجع الحكومة عن مكتسبات حققتها المرأة التونسية خلال العقود الأخيرة.
و تفجّرت القضية عندما طلبت إحدى المواطنات رأي مفتي الجمهورية المخول له إصدار الأحكام الدينية حول القضايا العامة والخاصة (يتبع وزارة الشؤون الدينية).
و ذكرت السيدة في رسالة مكتوبة لمفتي تونس كمال الدين جعيط، إن زوجها أعلن أمامها يمين الطلاق ثلاث مرات.

وحسب تقرير منسوب إلى صحيفة quot;الطريق الجديدquot; الناطقة باسم حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا) في عددها الصادر يوم 7 يونيو الماضي، ردّ المفتي على سؤال المرأة بأنها quot; أصبحت محرمة على الزوج ولا يمكن مواصلة الحياة الزوجية وبالتالي عليها القيام بإجراءات الطلاق وسلم لها شهادة في ذلكquot;.

و توالت المقالات و التصريحات بعد فتوى دار الإفتاء التونسية لتندد بـquot; تهديد المكاسب المدنية بما يفتح المجال للتأويلات الدينية والفتاوى في وقت تحتاج فيه تونس لتدعيم المسار التحديثي وفرض احترام تطبيق القوانين الوضعية وتكريس مبدأ علوية المؤسسات quot;..

وقال خميس الخياطي المسؤول بالجمعية التونسية للدفاع عن اللائكية (غير مرخّص لها) في تصريح صحفي quot;قد يكون مفتي الجمهورية على صواب إن كنّا تحت سلطة دولة يحكمها الشّرع وقائمة على الولاء للإيمان، أما ونحن في دولة القانون فليس من حق المفتي أن يتعدى على النصوص الدستورية التي تحمي حق المواطن في صيانة حقوقهquot;.

من جهة أخرى تتطرق بيان الشخصيات الاّئكية إلى ما حدث يوم الحادي و العشرين من يونيو الماضي في 'كلية العلوم الاقتصادية والتصرف' بمحافظة نابل (شمال) .حيثquot; أقدمت إحدى المدرسات المتدينات على طرد طالبة من قاعة الامتحان على مرأى و مسمع من زملائها بدعوى أنّ ذراعيها مكشوفتان.

و قال الائكيون في بيانهم إن من 'واجبهم لفت نظر كل من يهمّه الأمر لخطورة تعدد وتضخم مظاهر التراجع المدني في البلاد واستفحال الممارسات والمواقف الرجعية التي تضرب في الصميم مكاسب الشعب التونسي ونخص بالذكر منها تلك المتعلقة بحقوق المرأة ومكانتها في المجتمع ومبدأ المساواة بين الجنسين'.

و دعوا إلى رفض تلك المظاهر والممارسات التي' لا يقبلها لا العقل ولا العصر'.
وجدير بالذكر أن 39 تونسيا منهم 22 امرأة، قاموا في يونيو 2007 بتأسيس جمعية ثقافية تعنى بالدفاع عن اللائكية (تعني العلمانية وهي كلمة مأخوذة من الفرنسية Laiuml;que ) .

و يحاول أصحاب الجمعية وكلهم مثقفون وحقوقيون وجامعيون وباحثون، من خلال النص التأسيسي تلخيص دوافعهم لإنشاء جمعيتهم -وهي الأولى من نوعها في تونس- و محاولة تحديد مفهوم اللائكية (أو العلمانية كما يترجمها البعض) لتلافي أي لبس، مؤكدين أنها quot;فك الارتباط بين الممارسة السياسية وأي نظرية دينية أو أي نظرية تدعي القدسية ومتناقضة في الوقت ذاته مع الدولة الإلحادية، ومع أية سلطة تجعل من الإلحاد نظاما رسميا لها في محاربة الدين والتدينquot;.
و تهدف الجمعية إلى 'نشر اللائكية والإقناع بها في الأوساط الفاعلة في التوجيه الفكري والثقافي للمجتمع، مثل التعليم والصحافة والفن والجمعيات، خاصة وأن المجتمعات العربية الإسلامية مازالت ترفض اللائكين واللائكية، باعتبارها أفكار غربيّة غريبة عنها.
و تعتبر قضية المساواة الكاملة والفعليّة بين الجنسين القضية الأكثر بروزا على أجندة الجمعية التي تهيمن على تركيبتها الوجوه النسويّة.
وكشفت مصادر مقربة من الجمعية لإيلاف عن احتمالية وقوف الجمعية التونسية للدفاع عن الائكيّة وراء البيان الصادر و الذي لم يوقع بأسماء معروفة و إنما بـquot;مجموعة من الاّئكيين التونسيينquot;.