نضال وتد من تل أبيب:
لم يغفر الإسرائيليون يوما، لعاشق فلسطين، محمود درويش، قصيدته quot;ايها المارون بين الكلمات العابرةquot;، خلال الانتفاضة الأولى، واستغلوها باستمرار ، وتحديدا رجال السياسة منهم، لرفض ومعارضة كل محاولة إسرائيلية لتدريس شعر درويش في المدارس الإسرائيلية، على الرغم من أن أشعاره تمت ترجمتها للعبرية عبر دار النشر، أندلس. لكن درويش الذي اشغل الإسرائيليين في حياته، وشكل مصدر قلق لهم، باعتباره لمز الإنسان الفلسطيني الحالم بالحرية والاستقلال، والمغني للحب الأول، نجح في اختراق حلقات الأدب والثقافة الإسرائيلية برغم الحصار الرسمي عنه، وكان له على مر السنين، أصدقاء في أوساط الكتاب والشعراء الإسرائيليين التقدميين ، وأشهرهم الشاعرة الراحلة دالية رابيكوفيتش والكاتب الإسرائيلي المعروف أ.ب. يهوشواع.

لم يغب رحيل درويش عن الصحافة الإسرائيلية، وإن كانت هذه فضلت اليوم، أن تنشر خبر رحيله في صفحاتها الداخلية، مخصصة صفحاتها الأولى للهجوم الروسي على جورجيا، وللأزمات الداخلية الإسرائيلية. وكانت صحيفة معاريف، الوحيدة بين الصحف الإسرائيلية التي وضعت صورة درويش على صفحتها الأولى وإلى يمينه الكاتب أ. ب. يهوشواع تحت عنوان quot; وداع درويشquot;، فيما جاء الخبر الموسع عن رحيل درويش في الصفحات الداخلية تحت عنوان : رحيل كبير الفنانين الفلسطينيين على أثر عملية قلب فاشلة. ونشرت الصحيفة صورة كبيرة لدرويش كتبت إلى يمينها بالبنط الأبيض البارز كلمات رثاء يهوشواع له الذي اختار عبارة شاعر وصديق وخصم.
وكتب يهوشواع يقول: quot;لقد كان محمود درويش هو قبل كل شيء شاعرا كبيرا له قدرة شعرية حقيقية. وحتى شخص مثلي، قرأ شعر درويش مترجما، وليس بلغته الأصلية، كان بمقدوره أن يتأثر بصورة عميقة من ثروة التشبيه الغنية لديه، والحرية الشعرية التي أجازها لنفسه.quot;

لقد خرج محمود إلى المنفى من إسرائيل بمحض إرادته، وقد أسفت لذلك دائما، أذكره خلال اجتماع تضامني نظمه الشاعر يونا بن يهودا الراحل في سنوات الستين (من القرن الماضي)، في حيفا، مع الشعراء والكتاب العرب الإسرائيليين الذين كانوا يرزحون تحت أوامر الاعتقال والإقامة الجبرية، كان ذلك أول لقاء لي به، بعد ذلك عندما عرفت أنه غادر البلاد وأنه لا ينوي العودة، أسفت لذلك.

سرعان ما أصبح الشاعر القومي للفلسطينيين، شاعر المنفى وشاعر اللجوء، ولذلك تنقل من مكان لاخر وحقق لذاته شهرة مهمة في المهرجان والمؤتمرات الشعرية في شتى أنحاء العالم. كانت هذه هي خلفية قرار وزير التربية والتعليم آنذاك، يوسي سريد، بصفته وزير للتربية والتعليم، أن يدرج أشعار درويش في منهاج التدريس، وكان هذا قرارا صائبا على الرغم من الانتقادات التي وجهت لهquot;.

لكن مقالة يهوشواع هذه ظلت، اليوم، يتيمة فمراسلي الشؤون العربية، لم ينحو منحى يهوشواه، بل ركزوا على معارضة درويش لاتفاقيات أوسلو. ففي نفس الصفحة اختار عميت كوهين ويونتان هيللي، عنوان : عارض أوسولو وكاد أن يتسبب بإسقاط حكومةquot;.

واستعرض المراسلان حياة درويش ومولده في قرية البروة المهجرة، وخروجه إلى لبنان حيث كرس نفسه باعتباره شاعر فلسطين الأول ورمز القومية والوطنية الفلسطينية، ومن ساهم في صياغة وثيقة الاستقلال الفلسطينية. وقال المراسلان، إن درويش، الذي انتقل للعيش في رام الله عام 1995 استقال من المجلس الوطني الفلسطيني احتجاجا على اتفاقيات أوسلو. وزعم المراسلان أن درويش، بعد عودته لرلام الله، حصل على موافقة إسرائيلية للعودة إلى مسقط رأسه،(حيث تقدم أعضاء كنيست يهود وعرب طلبا بهذا الخصوص) لكن رفض ذلك وفضل العيش في رام الله.

أما صحيفة quot;يسرائيل هيومquot;، فاختارت عنوانا مقتضبا قالت فيه: quot;توفي الشاعر محمود درويشquot;. استعرضت فيه شيئا من مسيرة درويش وحياته، مشيرة على أنه كان بدا نشاطه الأدبي في صفوف الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وأنه تحول في أواسط السبعينات إلى أحد أهم الناشطين في منظمة التحرير، حيث غادر إسرائيل وانتقل للعيش في مصر ثم استقر في لبنان. وقالت الصحيفة إن بعضا من أشعار درويش تضمنت تعابير معادية لإسرائيل واليهود أثارت في حينه عاصفة كبيرة. وقالت الصحيفة غنه يتوقع أن يتم دفن الشاعر في مدينة رام الله.

quot;وفاة رمز فلسطينيquot; هو العنوان الذي اختارته صحيفة يديعوت أحرونوت على الصفحة قبل الأخيرة، حيث نشرت خبرا بارزا عن رحيل درويش مع نشر صورة كبيرة له. وقال كاتبا الخبر ؛ روني شكيد وسمدار بيري، وهما من أبرز الصحفيين المهتمين بالشؤون الفلسطينية: quot;إن درويش هو واحد من رموز النضال الوطني الفلسطيني، شكل بالنسبة لشبان كثيرين قوة دافعة للنشاط القومي، واستعرض الاثنان سيرة درويش ليتوقفا عند قصيدته الشهيرة quot;أيها المارون بين الكلمات العابرة، عام 1991، حين كان يسري في إسرائيل قانون يمنع الاتصال بمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث زعم الاثنان أن درويش quot;ولّد عند قرائه افسرائيليين أنه كان يفضل رؤية دولة quot;فلسطين الكبرىquot; بدونهمquot;.

ولفت الاثنان إلى الضجة التي قامت في إسرائيل عام 2000 عندما قرر يوسي سريد إدراج أشعار درويش في المنهاج الإسرائيلي الرسمي. واستعرضت الصحيفة عودة درويش، أو زيارته الأخيرة لحيفا حيث أحيا أمسية شعرية في العام الماضي، محققا حلم العودة، عندما زار قريته الجديدة حيث يعيش إخوته وأقربائه.