إيلي الحاج من بيروت: سجّل رئيس quot;تيار المستقبلquot; النائب سعد الحريري نقطة إضافية ثمينة في رصيده بنجاحه في اليوم والثالث والأخير من زيارته للشمال اللبناني في تحقيق مصالحة بين كل أطراف النواع في مدينة طرابلس في دار إفتاء المدينة برعاية رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وحضوره، وأثبت اللبنانيون أنهم قادرون بمفردهم على التوافق تعطيل ادوات الفتنة وسحب فتيل الانفجار الذي كادت مفاعيله تتعدى الاطار المحلي وتهدد بالتوسع وصولا الى مرحلة يصبح معها صعبا لجم تداعياتها الواسعة. الامر الذي حذر منه موفدون عرب وأجانب زاروا لبنان اخيرا.
وكانت زيارة الحريري لعاصمة الشمال شكلت منعطفا في مسار التطورات إذ تمكن الزعيم الشاب بعد اتصالات ولقاءات كثيفة مع الفاعليات والمعنيين من اخراج المدينة من بازار التجاذب الاقليمي، وحرص الحريري على إطلاع رئيس الجمهورية ميشال سليمان تفاصيل مشروع المصالحة، وابلغه إنه يصر على البقاء في المدينة حتى صدور quot;إعلان طرابلسquot;، وهذا ما حصل عند العاشرة ليل الإثنين.
وتؤسس مصالحة طرابلس لخطوة شبيهة في بيروت في ضوء اجتماع عقد قبل يومن في مكتب مدير عام الامن العام اللواء وفيق جزيني ، حضره مسؤولون في quot;حزب اللهquot; وحركة quot;أملquot; ومدير عام قوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي. وتركز البحث على وضع خطة تسحب عناصر التوتر من العاصمة وتبدأ بإزالة الصوَر والشعارات الحزبية والمذهبية من الأحياء والشوارع.
وارتكزت وثيقة المصالحة في طرابلس على ثلاثة عناصر متكاملة هي الأمن والتعويضات والتنمية. وهي تقضي بإلغاء المظاهر المسلحة واطلاق يد الجيش اللبناني ، من دون ان يصل الأمر الى مدينة منزوعة السلاح،و تعهدكل الفئات الموقعة عدم اللجوء الى السلاح والعنف لأي سبب، بالتلازم مع تعهد رسمي بدفع التعويضات عن الخسائر البشرية والمادية وتأمين عودة النازحين واعادة اعمار منطقتي باب التبان وبعل محسن، بدءا من شارع سوريا الفاصل بينهما.
وتبدو المصالحة أكثر من هدنة موقتة وتكتسب طابعا استثنائيا باستنادها الى قرار سياسي يغطيها ويحميها . قرار اتخذه الحريري الذي توجه بنفسه إلى المدينة معتمدا خطابا سياسيا معتدلا ومنفتحا على الجميع، ومتجاوزا الكثير من الحساسيات السياسية وغير السياسية. ولاقاه في تحركه quot;حزب الله quot; أحد أبرز حلفاء العلويين في طرابلس بتوجيه رسالة الى قيادتهم شجعهم فيها على دعم جهود المصالحة وتسهيلها ووأد الفتنة. وطرحت أسئلة كثيرة في بيروت عن دوافع تحرك النائب الحريري على نحو عاجل واستثنائي وبخلفية سياسية واضحة من أجل إقفال ملف طرابلس المتفجر والذي يهدد بأخطار جمة.
ولا شك في أن الدافع للحريري هو موقف النظام السوري من حوادث طرابلس والذي بدا مهتما ومتابعا من كثب لما يجري في منطقة لبنانية قريبة من سورية، ولما يمكن ان يكون مصدر خطر على أمنها واستقرارها ونظامها. وهذا الموقف أخذ مع الرئيس بشار الاسد، وفي افتتاح القمة الرباعية التي ضمت إليه قادة فرنسا وقطر وتركيا ، أوضح أشكاله وأكثرها تعبيرا عن الاستعداد للتعامل مع أي وضع جديد يمكن ان يشكل خطرا على أمن سورية ومصالحها، وبالتالي لا يمكن الفصل بين تحرك الحريري في اتجاه الشمال والدخول السوري على خط الوضع الأمني هناك من باب التحذير أو الاستثمار.
وقد قرأت قوى الغالبية أو قوى ١٤ آذار/ مارس تصريحات الاسد باهتمام وأخذتها على محمل الجد، ورأت فيها تلويحا بعودة سورية الى لبنان من نافذة الشمال بعدما خرجت من باب بيروت قبل ثلاث سنوات. هكذا يتبدى أن هدفا رئيسا من أهداف تحرك الحريري يتمثل في تطويق ما يعتبره مخططا سوريا للعودة إلى لبنان، فانتهج في المقابل سياسة استيعاب للفئات المحلية ونزع الذرائع من يد الأسد لأي شكل من التدخل، ووجه في الوقت نفسه رسالة الى quot;حزب اللهquot; بأنه هو وليس غيره من يمسك زمام المبادرة في طرابلس وغيرها، وان quot;التفاهمquot; يجب ان يكون معه .
التعليقات