تونس: عندما تكون سياسات التكتل والتجمع منهجا دوليا قائما على المكاسب تتصاعد التساؤلات حول امكانية التحرك العربي والاستفادة مجددا من عمق استراتيجي تقليدي يتثاءب في القارة السمراء.

ففي ظل quot;تسوناميquot; مالي وquot;شللquot; اقتصادي وquot;سباق نفوذquot; سياسي لابد ان تسود لغة المصالح على ما سواها الامر الذي يتطلب هنا مراجعة شاملة لركائز العلاقات العربية - الافريقية على المستويين السياسي والاقتصادي.

وقد تشكل هذه القارة بوزنها السياسي (53 عضوا في الامم المتحدة) والاقتصادي (نحو 900 مليون مستهلك وموارد طبيعية هائلة) في ظل الفراغ القائم اضافة استراتيجية يمكن ان تكون دول شمال افريقيا العربية بوابتها الحتمية.

الا ان الامر يتوقف على قدرة تلك الدول العربية على توظيف عضويتها في الاتحاد الافريقي ضمن اجندة سياسية دولية تدعم مطالب الشعب الفلسطيني والقضايا العربية اذ تمثل دول القارة ال53 قوة في حال انسجامها داخل الامم المتحدة.

يذكر ان السنغال تترأس منذ فبراير 2002 اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف داخل الامم المتحدة.

ومع الاعتراف بان تفعيل مؤسسات العمل العربية والافريقية وفق مصالح مشتركة بالتنسيق مع جامعة الدول العربية يشكل اساسا لهذا التوجه الا ان هذه الاخيرة يقع على عاتقها مسؤولية صياغة رؤيتها لتطوير التعاون بازالة المعوقات التي تعترضه من خلال اعادة دراسة تنتقل به الى مرحلة تعاون حقيقي يقوم على المصالح المشتركة.

وفي ندوة جمعية الدراسات الدولية في تونس قال الامين العام المساعد لجامعة الدول العربية رئيس مركز تونس في الجامعة الشاذلي النفاتي ان دول أفريقيا العربية العشر والتي تجمع بين عضوية المنظمتين العربية والأفريقية يمكن أن تمثل دافعا قويا لمسيرة التعاون لاسيما أن منها دولا رائدة بثقليها العربي والأفريقي.

وتتمثل جوانب هذه العلاقة في ضرورة مراجعة الأسس التقليدية التي تحكم تلك العلاقات وفق منهج واقعي يستند على المصالح الاستراتيجية المتفق عليها وتشكيل تجمعات اقتصادية وسياسية الى جانب استكمال تقنين انعقاد المؤتمرات وتطوير منظومة العمل المشترك من خلال ترشيد عمل المؤسسات وآلياته وحجم العضوية وتوقيت الانعقاد.

كما تبرز الحاجة الى وضع منهج متكامل لاستراتيجية اقتصادية تحكم مسار تجربة التعاون وتحدد أهداف وآليات المراحل والخطط والبرامج.
فمذ توصيات اللجنة الدائمة للتعاون العربي الافريقي في دورتها العاشرة التي عقدت في الكويت عام 1989 والمتعلقة بتنظيم المعرض التجاري العربي الافريقي الذي أقيم أولا في تونس 1993 لم يشهد التعاون خطوات اخرى.

لذا نجد الدعوات تتصاعد بين حين واخر لتطوير المؤسسات الفنية مثل الصندوق العربي للمعونة الفنية بالدول الافريقية والبنك العربي للتنمية الاقتصادية.
ويعتبر هذا الصندوق المقر في قمة الرباط خلال عام 1974 الأداة العربية لتمويل مشروعات المعونة الفنية في مجال تنمية القوى البشرية الناشطة في مجال التنمية الاقتصادية بينما يدعم البنك العربي منذ 1975 جهود التنمية اقتصاديا وماليا وفنيا اذ بلغ اجمالي قروضه للدول الافريقية حتى 2005 اكثر من 79ر2 مليار دولار.

وعلى ذلك يتطلب دخول سوق افريقيا الواعدة واستثمار قوتها السياسية اعادة تقييم مردود تلك المؤسسات والوقوف على مدى وجودها وفاعليتها اليوم فضلا عن مدى مواكبتها للتحولات الطارئة على الواقع العربي والافريقي.

وقال مدير المعهد الدبلوماسي بوزارة الخارجية التونسية الصادق فيالة ان التجمعات الاقليمية الأفريقية مثل تجمع دول الساحل والصحراء والسوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي (كوميسا) وتجمع دول غرب أفريقيا (ايكواس) يمكن أن تحقق شيئا ما.

ويضم تجمع دول الساحل والصحراء (ست دول أفروعربية تتمتع مصر بأكبر وزن نسبي في تكوين الناتج المحلي الاجمالي ب 5ر33 في المائة) وكوميسا (خمس دول أفروعربية تمثل مصر مركز ثقل بمساهمتها بحوالي 50 في المائة من الناتج) وايكواس (ثلاث دول أفروعربية).

من جهة اخرى أكدت دراسات عربية حديثة من بينها ما اعده الخبير الاقتصادي الدكتور اسماعيل شلبي أستاذ الاقتصاد في الجامعات العربية والمصرية ان هذه العلاقات تظل في حاجة ماسة الى ضبط استراتيجي يرسم آفاقا مستقبلية تتحدد معها الغايات.

واعتبر شلبي ان أفضل الأساليب الحالية لايجاد تعاون وتكامل اقتصادي هو المشروعات المشتركة كخطوة نحو وحدة اقتصادية كاملة وفق سوق مشتركة أو اتحاد جمركي أو منطقة تجارة حرة.

وتقتضي استراتيجية التعاون هذه النظر للعلاقات بمنظار مختلف في ضوء المتغيرات على الساحة الدولية والتحولات الاقتصادية والثقافية التي تشهدها القارة السمراء.

وقال خبير الشأن الافريقي بمركز السياسات الأوروبية (بروكسل) جون كوتسوبولس ان أفريقيا تمثل بالتأكيد أفضل الفرص اذ ان المعطيات أصبحت مختلفة تماما لاسيما بعد حرب باردة جلبت الويلات وزعزعت الاستقرار نتيجة تجاذبات كلا المعسكرين الشرقي والغربي عبر دعم الانظمة الموالية لكل منها مشيرا الى دور صيني مهم في المنطقة.

فاليوم تتسابق الاطراف للحصول على تمركز افريقي بطرق أكثر تلاؤما مع الواقع الجديد حيث تشهد الساحة الافريقية نسقا متسارعا بدءا من الولايات المتحدة التي أنشأت لها قيادة عسكرية خاصة واوروبا التي تحافظ على مواقعها التقليدية (حوار قمة لشبونة 2007) مرورا بالقوى الاقتصادية الجديدة (الصين والهند والبرازيل) وصولا الى بعض الدول الصاعدة في الشرق الاوسط مثل تركيا وايران.

ويعود هذا التسابق نحو افريقيا في اسبابه الى جوانب اقتصادية تتمثل في سوق قوامها نحو 900 مليون مستهلك وموارد طبيعية هائلة وجوانب اخرى تتصل بالوزن السياسي على الساحة الدولية (53 عضوا في الامم المتحدة).

وفي المقابل تغيرت اوضاع افريقيا عما كانت عليه في بداية السبعينيات اذ برز قادة جدد لهم نظرة مختلفة عن المؤسسين تقوم على مبادئ وأفكار جديدة ما يستدعي اسلوبا مختلفا للتعاون عما كان قائما مع بداية الحوار العربي الافريقي عام 1977.

وعلى الجانب الاخر هناك معطيات جديدة في العالم العربي سواء على المستوى الاقتصادي او السياسي مع دخول بعض الدول العربية والافريقية ايضا في علاقات دبلوماسية مع اسرائيل.

وهنا يتحتم النظر الى آفاق تعاون عربي افريقي من منطلقات جديدة وعلى أسس مدروسة في اطار جماعي ووفق تعاون برغماتي مبني على المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة.

وبالتوازي مع ذلك هناك مجالات رئيسية يجب أن يقوم عليها التعاون العربي الافريقي ومنها تلك المتعلقة بالجوانب الثقافية والاجتماعية التي لم تجد الاهتمام في الفترة السابقة اذ غاب التواصل مع غياب المؤسسات المشتركة.

ودرء الأخطار في المنطقة يقوم على ازالة عوائق تطوير التعاون العربي الافريقي وتنظيم اجتماعات أجهزته لاضفاء النجاعة الى اسلوب معالجة الازمات الجديدة ولعل ابرزها تحسين الأوضاع الانسانية في اقليم دارفور المضطرب ودعم الشرعية الصومالية ومعالجة أزمة جزر القمر.