غزة: قبل انعقاد المؤتمر الدولي لإعادة إعمار قطاع غزة في شرم الشيخ، حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على لسان رئيسها جاكوب كيللنبيرغر، من أن المساعدات الإنسانية غير كافية لحل الأزمة الإنسانية في القطاع المدمر. ودعت إلى ضرورة تحريك جهود السلام باتجاه quot;مسار سلامي صادق وشجاعquot;. وهو ما أكده الناطق باسم اللجنة الدولية في غزة السيد إياد نصر.

قبل أسبوع من انعقاد المؤتمر الدولي في شرم الشيخ لإعادة إعمار قطاع غزة بعد التدمير الذي ألحقته إسرائيل بالقطاع خلال 22 يوما من القصف والعمليات العسكرية، أصدر رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر جاكوب كيلنبيرغر بيانا يجلب فيه الانتباه إلى أن المساعدات الإنسانية حتى وإن كانت أساسية فإنها غير كافية لحل أزمة قطاع غزة. ودعا رئيس اللجنة الدولية إلى ضرورة مشاركة الجميع في تحريك مسار السلام مشددا على أن quot;أية عمليات إنسانية لا يمكنها الحلول محل مسار سلامي صادق وشجاعquot;.

عن هذا الدور الإنساني الذي تلعبه اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قطاع غزة والمشاكل التي تعترض عمليات الإغاثة والمساعدة الإنسانية والتوقعات بخصوص نتائج مؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار القطاع، أجري الحديث التالي مع الناطق باسم اللجنة الدولية في غزة إياد نصر:

ما هو الدافع لإصدار هذا النداء من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر قبل أسبوع من انعقاد مؤتمر شرم الشيخ؟

هذا الموقف ليس موقفا جديدا للجنة الدولية للصليب الأحمر، لأن اللجنة طالبت منذ بداية الإغلاق والحصار والمقاطعة التي فرضت على قطاع غزة بضرورة إعادة النظر في هذه القرارات وضرورة أعادة فتح كافة المعابر والمنافذ لإتاحة الفرصة للفلسطينيين خصوصا هنا في القطاع لكي يعيشوا حياتهم بكرامة ولتفادي وقع كارثة إنسانية.

وهذه الرسالة التي وجهتها اللجنة الدولية اليوم هي ضمن سياستها وضمن دبلوماسيتها الإنسانية لأن تتواصل مع الدول التي تجتمع لكي توضح للجميع بان المساعدات مهما بلغ حجمها فهي لا تفي ولا تكفي لأن تحل المشكلة والأزمة الإنسانية التي يعيشها الناس في قطاع غزة. وإنما يجب أن يكون هناك حلا جذريا يتيح للفلسطينيين بأن يعيشوا حياتهم بكرامة وبعدل.

ألا يعكس ذلك تضايقا من عجز المجموعة الدولية في التجند لإعادة إنعاش المسار السلامي، والاكتفاء بترقيعات إنسانية ؟

رسالتنا نحن كمؤسسة وكمنظمة إنسانية بسيطة في غايتها: نحن نطالب كل المجتمع الدولي بأن يمارس وأن يلعب دوره السياسي والدبلوماسي لكي تفتح هذه المعابر ولكي توقف المقاطعة ولكي يتاح للحياة أن تستأنف بعد أن كادت أن تندثر كلية هنا في القطاع.

اللجنة الدولية من المنظمات الإنسانية القليلة التي رافقت الفلسطينيين أثناء القصف وبعده. حاليا ما هي الظروف التي تعملون فيها من حيث التنقل والعبور ومن حيث إيصال مواد الإغاثة؟

بعد انتهاء القصف والحرب على غزة عادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل شن هذه العملية. وهو الوضع المتميز بوصول المساعدات الى قطاع غزة وفقا للمعايير التي تضعها إسرائيل على نقاط العبور. فاليوم نعرف تعقيدات كثيرة فيما يتعلق بإدخال المواد بحيث تتعرض لفحوصات وإجراءات تفرضها السلطات الإسرائيلية . وحتى ولو كانت هذه المساعدات تصل فهل تصل بشكل يسمح للفلسطيني بحياة كريمة وبحياة أفضل وبإنسانية ؟ قطعا لا.
إن ما يدخل هو عبارة عن مساعدات إنسانية عاجلة، لا تدخل فيها آلات المصانع التي دمرت ولا تدخل فيها أدوات البناء التي يحتاجها الفلسطيني لإعادة بناء منزله الذي دمر، ولا أدوات المزرعة التي دمرت. كل هذه المواد غير مشمولة وبالتالي فإن أي عملية إعادة إنعاش هي ناقصة ولا تسمح لهؤلاء الناس بإعادة بناء حياتهم.

أكيد أن كل القطاعات متدهورة ولكن ما هي القطاعات التي تحتاج أكثر من غيرها لتحسين لمساعدة الفلسطينيين على تجاوز مخلفات هذه الحرب؟

كان بالإمكان الإجابة على هذا السؤال قبل هذا القصف الذي تعرض له قطاع غزة لأن الأمور كانت غاية في التعقيد وغاية في الصعوبة وكان هناك خوف من حدوث الكارثة الإنسانية، أما اليوم فإن قطاع غزة بصراحة هو في حاجة الى كل شيء، بحاجة الى مواد البناء لإعادة الإعمار، وبحاجة الى مواد خام وبحاجة الى إمكانية الإيراد والتصدير. وبحاجة الى معدات طبية في المستشفيات التي تم استهلاكها بقوة أثناء الحرب. صراحة لا يوجد قطاع نفضله أو نبرره أو نعطيه الأولوية على قطاع آخر لأن كل ما كان موجودا في القطاع إما نضب او تعطل ويحتاج الى صيانة. إذن ما يحتاج القطاع اليوم هو إعادة إعمار كاملة وشاملة، وبحاجة الى أن تفتح الطرق والمعابر أما المواطن أن يتواصل مع أهله في الداخل والخارج والطالب أن يصل الى جامعته، والحاج أن يصل الى مقدساته.

وماذا عن احتياجات القطاع الطبي الذي استنزف أثناء القصف الإسرائيلي وتعرضت بعض مؤسساته للقصف المباشر؟

الطواقم الطبية في غزة حقيقة ، وبشهادة خبراء الجراحة الأجانب الذين عملوا في غزة مع الصليب الأحمر، هم على كفاءة عالية، ولكن الإمكانات والإمدادات هي غير كافية إذ تنقص الآلات والأدوات والتدريب الكافي للتعامل مع كافة الأمراض. لذلك فإن أهالي غزة بحاجة الى خبرات ومنشئات طبية غاية في التعقيد للتعامل مع أمراض مثل السرطان وأمراض الدم. فالأمراض التي في حاجة الى علاجات كيماوية وإشعاعية لا تتوفر موادها نتيجة لمنع السلطات الإسرائيلية من دخول هذه المنشئات للقطاع . ونتيجة لذلك تبقى هذه المستشفيات في القطاع غير قادرة على تقديم كل ما يلزم لتشافي وتداوي المرضى.

من القطاعات المتضررة والتي قد تكون لها تأثيرات على الصحة، مشكلة المياه. فهل بدأت تظهر أمراض لها علاقة بالمياه وما هي الجهود المبذولة في ميدان المياه؟

حتى هذه اللحظة لم نصل الى حد ظهور أمراض بسبب المياه وذلك بفضل التدخل السريع للطواقم الفلسطينية وبدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تدعم قطاع الصرف الصحي والمياه من خلال مصلحة مياه الساحل الفلسطيني.

فقد استطاعت طواقم البلديات الوصول الى كل المناطق التي دمرت والى الشبكات المنزلية . ولكن مع ذلك مازال هناك عشرات الآلاف من الناس غير قادرين على الوصول الى مياه شرب في منازلهم. وهذا الوضع سيستمر الى أن يسمح بإدخال المواد الضرورية لإعادة صيانة وتركيب الشبكات الضرورية. كما أن هناك مواد ضرورية لتعقيم المياه مثل الكلورين والفلورين التي ليس دخولها للقطاع بالأمر السهل نظرا لكون اللجنة الدولية للصليب الأحمر هي الوحيدة التي بإمكانها إدخالها في تنسيق مع السلطات الإسرائيلية.

سمح قطاع الفلاحة للفلسطينيين عموما وفلسطينيي قطاع غزة بتفادي المجاعة رغم الحصار. لكن يبدو أنه تعرض في الحرب الإسرائيلية الأخيرة الى تدمير هائل. فهل لديكم تقييم لحجم الأضرار التي لحقته؟

حجم الدمار والأشجار التي قطعت والحقول التي أتلفت هو كبير جدا. وما شاهدناه في أعقاب العملية العسكرية كلجنة دولية للصليب الأحمر، كان حقيقة منظرا مهولا ومخيفا جدا. آلاف الدنمات من مختلف الزراعات وحتى البيوت البلاستيكية التي يستعملها الفلاح الفلسطيني في فصل الشتاء طمرت كميات كبيرة منها بالكامل. وهناك مزارع الدواجن دمر العشرات منها ونتيجة لذلك ولعملية الإغلاق لا تتوفر الكثير من اللحوم بالنسبة للفلسطينيين.إذ هناك افتقار لغذاء الدواجن وللبذور ولا توجد أعلاف . فقد أصبح سعر كيلو الدواجن ضعفي ما كان موجودا قبل العملية العسكرية الإسرائيلية. وحتى هذه الساعة لا يمكن للمزارع الفلسطيني أن يعيد بناء مزرعته لتوفير الغذاء للمواطنين.

وهناك مزارعين لمنتجات بمساحات كبيرة تحتاج الى تصدير للخارج مثل الفراولة أو التوت الأرضي، والتي لا يمكن للسوق الداخلية ان تستوعبها أو أن تدفع الثمن الضروري لها وهو ما دفع هؤلاء الى هجرها وبالتالي تحويل هؤلاء الفلاحين الى فقراء بدون دخل.

وبدون فتح للمعابر بالنسبة لمنطقة تعتمد كلية على تصدير المنتجات الزراعية لا يمكن تجاوز الأزمة الإنسانية الحالية.

عشية انعقاد مؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار القطاع، ما هي في نظركم الشروط التي يجب توفرها ليتمكن المؤتمر من تلبية تطلعات وحاجيات سكان غزة؟

أعتقد أن الوفد العالي المستوى للجنة الدولية للصليب الأحمر الذي سيشارك في هذه القمة سيوجه الرسالة بصورة واضحة، مفادها أنه يجب بذل جهود حقيقية على المستوى السياسي والدبلوماسي لكي تحل المشاكل القائمة في القطاع ولكي تلبى احتياجات المواطن بأن يعيش وان يتحرك وأن يتنفس وان يدخل ويخرج وان يسافر وان يعود وبأن يأكل ويشرب ويتداوى وأن يعيش بحرية وسلام مع كل من يعيش في هذه المنطقة وهذا حق لكل من يعيش في المنطقة.