نضال وتد من تل أبيب: يرتبط أحد المخاوف الرئيسية في أوساط سياسية في إسرائيل من تولي نتنياهو رئاسة الحكومة، بصفات نتنياهو الراسخة في ذهن الإسرائيليين، أو ما يسمى بمعسكر quot;العقلاء في إسرائيلquot;، نزعة نتنياهو إلى المغامرة والتسرع في اتخاذ القرارات دون استشراف التداعيات والإسقاطات المحتملة للقرار، وهو مثلا ما حدث خلال ولايته الأولى، عندما أقر نتنياهو افتتاح ما يسمى بنفق quot;حائط المبكىquot;، عندما صرح نتنياهو معللا قراره هذا بأن هذا النفق وquot;حائط المبكىquot; ، والمقصود به حائط البراق، هو quot;الأساس الصلب للوجود الإسرائيليquot;، حيث جرت هذه الخطوة مواجهات عنيفة مع الفلسطينيين واندلاع أعمال عنف شديدة وتعرقل مسيرة المفاوضات مع الفلسطينيين، أو قرار نتنياهو باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في عمان، واضطرار إسرائيل إلى الاعتذار للعاهل الأردني ومن ثم الإفراج عن زعيم حماس، الشهيد أحمد ياسين، الذي كان في الأسر الفلسطيني، وقد سبق ذلك كله، رغبة نتنياهو بأن ينال رضى الولايات المتحدة فأعلن عام 96 في أول خطاب له أمام مجلسي الكونغرس والسينات الأمريكيين أن إسرائيل ستقلص حجم المساعدات المالية التي تأخذها من الإدارة الأمريكية.
وعندما يتعلق الأمر بالملف الإيراني ومشروع الذرة الإيراني فإن الأمر يصبح أكثر خطورة وحرجا، خصوصا إذا كان نتنياهو رئيسا للحكومة، وليبرمان قطب مهم في حكومته، فليبرمان مثلا دعا إلى قصف سد أصوان وضرب إيران وغيرها من التصريحات التي تعتبر دبلوماسيا غير مسؤولة.
فالسؤال الذي يطرحه الإسرائيليون، ومحللوا الشؤون العسكرية والعربية والإسرائيلية هو أيهما أشد خطرا على إسرائيل امتلاك إيران للذرة أم حكومة يمينية بقيادة نتنياهو، فأمير أورن يعتقد أنه في ظل التهديد الإيراني، ولكن وبالأساس إذا كان نتنياهو قابضا على دفة الحكم فإن بمقدور الإسرائيليين أن يتوقفوا عن القلق وأن يبدءوا بالفزع. وقد أنشأ أورن مقالة خاصة لهذا الموضوع نشرها الجمعة في صحيفة هآرتس.
ويستهل أورن مقالته في هآرتس، الجمعة، بالقول: quot; كان على من لا يصدق بأن حكومة إسرائيل ستتجرأ على اتخاذ قرار بمهاجمة إيران، لإحباط نواياها النووية، أن يتواجد في الطابق الخامس عشر في بناية وزارة الدفاع، ليستمع إلى زئيف شنيير وهو يصف حقيقة الوضع كما هي: القدرة الإسرائيلية على الدفاع في وجه خطر الابادة الشاملة هي ضئيلة للغايةquot;. ومع أن العقيد شنير، العامل في سلاح الجو الإسرائيلي لم يتحدث عن الجانب الهجومي في الخطة الدفاعية لكن الاستنتاج المطلوب فهم بأكمله. إسرائيل مكشوفة كليا لدرجة لا تسمح لها بالاعتماد على قدرتها على احتمال تلقي ضربة نووية أو حتى كيماوية أو بيولوجية وستضطر على المسارعة لتوجيه ضربة وقائية.quot;
إلى ذلك يكشف أورن في مقالته أن شنير الذي يشغل أيضا منصب المسؤول عن الوسائل الخاصة، حظي أيضا بلقب مساعد وزير الأمن للقضايا الدفاعية وهو لقب يهدف أساسا إلى إقناع جهات دولية خارج إسرائيل بأن جل نشاط الأجهزة الإسرائيلية في هذا السياق يتمحور في الجانب الدفاعي والوقائي. ويقول أورن إن quot;إهمالquot; الجيش في جانب تحصين الجبهة الداخلية، نابع أساسا من اعتماد المقولة المتعارف عليها بأن الهجوم خير وسيلة للدفاع، لكن هذا القول ليس موضع إجماع في القيادة العامة للجيش، فالميجر جنرال، د. حنان شاي، يقلب المعادلة ليقول إن خير هجوم هو الدفاع لأنه في الظروف المتاحة لإسرائيل فإن الدفاع هو في واقع الحال هجوم مؤجل للحظة المناسبة. لكن هذا المنطق الذي يأخذ به شاي، يجمد عند طاولة مداولات رئيس هيئة الأركان ووزير الأمن، الذان يتعين عليهما اتخاذ قرار، في حالة من عدم اليقين بشأن حجم وعدد الطائرات والمقاتلات والصواريخ التي يتعين على الجيش التزود بها، ووفق أي مدرسة يجب استخدامها ومن أجل فرض منطق شاي فهناك حاجة لرئيس حكومة ووزير دفاع ورئيس أركان وحكومة جادة وحازمة.
ويلفت أورن في هذا السياق النظر إلى أنه منذ 18 عشر، أي منذ حرب الخليج الأولى 1991 (لا يعتبر الإسرائيليون في خطابهم الحرب العراقية الإيرانية، حرب الخليج الأولى)، فإن التحسينات الإسرائيلية على أنظمة الدفاع الإسرائيلي لم تقترب ولم تسد الفجوة القائمة مقارنة بتعاظم الخطر المحدق بإسرائيل. فقبل 18 عاما كان الحديث يتمحور في خطر تطوير الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في العراق تحت نظام صدام حسين، ولكن منذ ذلك الوقت فإن هذا النوع من الأسلحة أصبح متوفرا لدى كل من سوريا وحماس والقاعدة وحزب التي بمقدور كل منها تنظيم هجوم إرهابي باستخدام أسلحة الدمار هذه، ناهيك عن إيران ستملك خلال سنوات قليلة القدرة على تطوير روس يمكنها حمل كل نوع من هذه الأسلحة.
ويمضي أورن ليقول إن إسرائيل ليست فقط غير مستعدة وجاهزة لمواجهة هذا الخطر بل هي بمثابة الطالب الذي لم يستعد ولو حتى لامتحانات التوجيهي في مجال الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وهي على نحو خاص غير مستعدة quot;لامتحان مفاجئquot;، ذلك أن أسلوب توزيع الكمامات الواقية على المواطنين ينطلق من القاعدة بوجود مدة زمنية كافية للانتقال من حالة الترقب لحالة الطوارئ.
للوهلة الأولى، يقول أورن، يبدو الأمر وكأننا أمام تكرار تجربة حرب العام 67 ، في فترة الانتظار التي امتدت ثلاثة أسابيع قرر خلالها جمال عبد الناصر عدم شن هجوم على إسرائيل، ولكن الواقع، والمثال الأدق هو ما حدث في حرب أكتوبر 73، خصوصا إذا أخذنا بالحسبان أن إيران ستورد في حساباتها الرد الإسرائيلي، وسيكون الثمن مضاعفا إذا وقعت إسرائيل ضحية نسخة ذرية لحرب 73، وقد تستعيد قواتها وتوجه ضربة مضادة لكن ذلك سيكون فقط بعد تلقيها الضربة الأولى.
ويكشف أمير أورن، في مقالته هذه نقطة ضعف أساسية في المفهوم الأمني والعسكري الإسرائيلي، يقول إنها ستكون أضعف، أضعاف أضعاف وهي المتعلقة بالعجز الإسرائيلي في مواجهة حشود جيوش عربية على الحدود مع إسرائيل، فكم بالحري في زمن صواريخ الإبادة الشاملة وانعدام فضاء (ساحة قتال) بين الجيوش والحدود وفقدان فترة الإنذار المبكر لوقوع الهجوم، فعندما تتوفر لإيران أنظمة صاروخية من هذا النوع، سيكون ذلك شبيها بانتشار الجيش المصري في مناورته التضليلية على حدود القناة. وتفعيل قوة المنظومة الصاروخية يكون عندها مسألة قرار سياسي وحكومي ليس أكثر. وقد يكون هذا القرار رهينة حسابات ميزان الرعب وموازين القوى ولكن لن يكون هناك أية ضمانات لاعتماد هذه الحسابات.
ويمضي أورن قائلا إن المبادرة الآن هي بأيدي إيران فهي التي ستقرر وتيرة تقدم مشروعها النووي، وهعو قرار يوفر لها مهلة الإنذار اللازمة لتوقع موعد شن حملة لإحباط مشروعها لأنهم سيفترضون في طهران أن مؤشرات ذلك ستصل إلى واشنطن وتل أبيب.
ويخلص أورن في ختام مقالته، وبعد تحليل طبيعة جهاز الدفاعات الإسرائيلية إلى القول: وكأنه لا يكفي إسرائيل وجود هذه الأخطار الخارجية، ففي هذه اللحظة الحرجة سيكون نتنياهو من يتقلد منصب رئيس الحكومة- لم يمتز نتنياهو بصفات ضبط النفس، أو تحكيم العقل في قضية مشابه عام 1998 إزاء التهديد البيولوجي العراقي- وهو يفكر بتسليم حقيبة الخارجية لليبرمان، يمكن أن نتوقف عن القلق ولكن أن نبدأ بالفزع.