أشرف أبوجلالة من القاهرة: خصصت صحيفة الغارديان البريطانية في عددها الصادر اليوم السبت تقريرا ً مطولا ً تحدثت فيه عن أحدث موجات الاحتجاج والإضرابات التي شهدتها القاهرة قبل عدة أيام قليلة، من منظور أنها باتت جزءا ً لا يتجزأ من واقع المجتمع المصري، وركزت الصحيفة في سياق تحليلها للأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تمر بها مصر خلال هذه الأثناء وعلاقة ذلك بمشاعر الغضب التي أضحت تهيمن على قطاع عريض من العمال المصريين نتيجة للظروف الصعبة التي يواجهونها في حياتهم اليومية. واهتمت الصحيفة في هذا الشأن بتسليط الضوء على الإضراب الذي قام به مؤخرا ً العاملين بالسيرك القومي بسبب تدني أجورهم وخوفهم من إقدام الحكومة علي تخصيص هذا الصرح الترفيهي الهام.

وفي بداية تقريرها، أعطت الصحيفة وصفا ً موجزا ً للتباين السريع الذي طرأ علي حياة مهرج بسيط يعمل في السيرك القومي التابع للدولة يدعي quot;رفعت الجراسيquot;، الذي وجد نفسه بين عشية ً وضحاها وسط مواجهة مريرة مع مصير مجهول ينتظره هو وباقي أفراد أسرته بسبب ضعف الراتب الذي يتقاضاه، وقالت الصحيفة أنه في الوقت الذي كان يتأهب فيه الجراسي ndash; 52 عام ndash; بصورة اعتيادية كل يوم أحد بعد الظهر لتزييت دراجته أحادية العجلة وتفريغ بعض لوحات الغزل استعدادا ً لتأدية فقرته المسائية بالسيرك، وجد الجراسي نفسه في الشارع حاملا ً للافتة، ويردد شعارات على السيارات المارة من أمام السيرك القومي. ونقلت عنه الصحيفة قوله :quot; لا يمكننا أن نعيش بالأجور التي نتقاضيها الآن كما أننا لا نريد مشاهدة هذا المكان وهو ٌيخصص. وسوف نستمر في التظاهر هنا إلي أن يتم الاستماع لنداءاتناquot;.

بعدها، أكدت الصحيفة علي أن الجراسي كان آخر المصريين المنضمين إلي موجة الإضرابات التي شهدت اعتصام وتظاهر ما يقرب من مليون ونصف عامل علي مدار الخمسة أعوام الماضية. فمنذ بداية فرض الحكومة للإصلاحات الاقتصادية الصعبة في عام 2004 ، شهدت جميع القطاعات الصناعية موجة من الإضرابات والاحتجاجات كجزء لما أطلق عليه quot;جويل بينينquot; ndash; مدير قسم الدراسات الشرق أوسطية بالجامعة الأميركية في القاهرة ndash; ( تعد هذه العملية أضخم حركة اجتماعية يشهدها الشرق الأوسط على مدار نصف قرن ). كما أشارت الصحيفة من جانبها إلى أن مصر شهد قدرا ً مكثفا ً من الإضرابات، منذ وقوع الأزمة الاقتصادية العالمية.

وأكدت الصحيفة علي أن حالة عدم الرضا الشعبي من السياسات الحكومية وارتفاع الأسعار أدت إلى قيام جميع الفئات بإضرابات بداية ً من سائقي قطارات السكك الحديدية ونهاية ً بالمذيعين التلفزيونيين والصيادلة. وتابعت الصحيفة تقريرها بالقول quot; رغم أن مصر ليست بالغريبة عن الإضرابات، إلا أن أول اعتصام تم تسجيله كان من جانب عمال أحد المقابر في مدينة طيبة القديمة ، حين تظاهروا احتجاجا ً على نقص مراهم الدفن في عهد رمسيس الثالث quot;. كما أضاف بينين بقوله ( ما يحدث في مصر من أعمال احتجاجية يعد أمرا ً غير مسبوق إلي حد كبير، وهو أكثر الأشياء الديمقراطية التي تحدث في مصر ).

ثم عاودت الصحيفة لتقول quot; رغم أن هناك عدد قليل من المضربين المتضامنين مع الجراسي في موقفه الاحتجاجي، إلا أن ما يقلقه يهيمن علي وجدان كثيرون غيره ممن يشعرون بأنهم مهملون. كما أن مهرجي السيرك هم هؤلاء الموظفين الحكوميين الذين لم يشهدوا أى زيادة في رواتبهم منذ عشرة سنواتquot;. كما يدرك العاملون في السيرك المصير الذي آل إليه الآن عمال باقي الصناعات الذين وجدوا أنفسهم ذات فجأة في القطاع الخاص. وخير مثال علي ذلك الأمر هو مصنع شبين الكوم للغزل ( الواقع في محافظة المنوفية بشمال مصر ) ، والذي شهد 95 إضراباً منذ أن تم تخصيصه في عام 2006 بعد أن رفض مالكوه الجدد دفع حوافز إثابة قيمتها عشرة ملايين جنيه للعاملين. وهنا نقلت الصحيفة عن الجراسي الذي يعمل في السيرك منذ عام 1969 قوله quot; نحن فخورين بالعمل في الحكومة، لكن كل ما نريده هو الحصول على قدر كاف من المال لنقوي على العيشquot;.

وفي النهاية، أكدت الصحيفة علي أن الحكومة تتعامل مع تلك الإضرابات من خلال قيامها بمحاولات من شأنها تهدئة مطالب العمال بالحصول على زيادة في الأجور بالتوازي مع كبت أى مطالب سياسية، وغالبا ً ما يتم ذلك بصورة وحشية. ولدى عودته مرة أخرى إلى خيمة السيرك البالية بالقرب من نهر النيل في القاهرة، بدا الجراسي غير متأكدا ً من المستقبل الذي ينتظره، واكتفى بالقول quot; هذا السيرك خاص بنا وهذا هو فننا. والجميع هنا يولي اهتمام كبير بما يحدث لهذا المكان، وسوف نخرج مجددا ً للاعتصام في الشوارع إذا لم تلبى مطالبناquot;.