وفي هذا الصدد فإن مواقف الرأي العام الأميركي تُعد محددًّا هامًّا لمسار المباحثات بين الجانبين وقدرة أيهما على ممارسة مستوى معين من الضغوط على الطرف الآخر لأخذ رؤيته تجاه القضايا الخلافية بالاعتبار وهو ما يثير تساؤلاً على قدر كبير من الأهمية يتعلق بمدى الدعم الذي تحظى به الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي يغلب عليها التوجه اليميني المتشدد والرافض بقوة لاستئناف المحادثات مع الطرف الفلسطيني أو وقف النشاط الاستيطاني الآخذ في التصاعد، ومن هذا المنطلق يسعى هذا التقرير لاستقصاء توجهات الرأي العام الأمريكي حيال القضايا التي سوف تتناولها محادثات نيتنياهو وأوباما منتصف هذا الشهر.
أولوية أمن إسرائيل من المنظور الأميركي
بداية يمكن الإشارة إلى أن الرأي العام الأميركي يرجح المصالح الإسرائيلية المرتبطة بالأمن ووضع إسرائيل في توازن القوى الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وهو ما توضحه نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة التعاون الأميركي ـ الإسرائيلي في 12 من يناير 2009 والتي أكد فيها حوالي 90% ممن شملهم الاستطلاع على تأييدهم لضرورة حث الفلسطينيين على وقف تعليم أبنائهم كراهية إسرائيل. بالتوازي مع تأييد حوالي 91% لأولوية وقف الميليشيات الفلسطينية لإطلاق الصواريخ على مستوطنات ومدن جنوب إسرائيل، وذلك في مقابل تأكيد حوالي 41% على ضرورة فتح معابر قطاع غزة وتأييد 38% لوقف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية كمتطلب أساسي لتقدم عملية السلام بين الطرفين.
وفي السياق ذاته رأى حوالي 76% من الأميركيين أن جهود الولايات المتحدة لدعم توصل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى تسوية للصراع فيما بينهما يجب أن ترتبط بالضغط على إيران لمنع إمداد الفصائل الفلسطينية بالسلاح لاعتبار ذلك تهديدًا لأمن إسرائيل، يبرر عدم انخراطها بجدية في محادثات السلام مع الطرف الفلسطيني.
حدود الدور الأميركي في عملية التسوية
وتؤكد تلك التوجهات على أن الرأي العام الأميركي لا يدعم فرض ضغوط على الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نيتنياهو ذات التوجه اليميني المتشدد والتي تطرح سياسات جدية فيما يتعلق بعملية التسوية تنحو تجاه العودة لنقطة الصفر وعدم الاعتراف بما تم التوصل إليه من اتفاقات. فضلاً عن محاولة استبدال التسوية السياسية بأخرى اقتصادية تقوم على تحسين أوضاع الفلسطينيين المعيشية في الضفة الغربية، وبناء مؤسسات لإدارة الاقتصاد الفلسطيني كمرحلة انتقالية قبل البدء في التفاوض السياسي.
وفي السياق ذاته كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة بيو لاستطلاعات الرأي في يناير 2009 أن حوالي 48% من الأميركيين لا يفضلون انخراط الولايات المتحدة بصورة أكبر في مفاوضات التسوية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وذلك في مقابل الانقسام الواضح حول ثوابت الدور الأميركي في عملية التسوية ما بين تفضيل حوالي 39% لإعلان الولايات المتحدة عن دعمها لإسرائيل في جهودها الداعمة لعملية التسوية وتأييد حوالي 38% لعدم قيام الولايات المتحدة بأي نشاط وعدم اضطلاع مسئوليتها بأي جهد في عملية التسوية.
وقد يعزى ذلك إلي تركيز الرأي العام الأميركي على القضايا الداخلية لاسيما تداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الأميركي بما سوف ينعكس بطبيعة الحال على مستوى الاهتمام الذي توجهه الإدارة الأميركية لتسوية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
البعد الديني للصراع وفرص التسوية
كما أن غالبية الأميركيين لا يفرقون بين حركة حماس من جانب والشعب الفلسطيني من جانب آخر وهو ما كشفه استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إيبسوس في 7 من يناير 2009 الذي أكد خلاله 57% من الأميركيين أنهم لا يرون أي وجه للاختلاف بين توجهات حركة حماس تجاه إسرائيل وبقية الشعب الفلسطيني.
ويدعم تلك النتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة التعاون الأميركي ـ الإسرائيلي في مارس 2009 والذي أكد خلاله حوالي 73% من المبحوثين أن الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو صراع ديني إيديولوجي يشمل كافة قطاعات المجتمع في الدولتين وتمتد آثاره لتنال كافة الأطراف بصورة متوازية.
وفي السياق ذاته أكد حوالي 59% ممن شملهم الاستطلاع سالف الذكر أن التوصل لاتفاق سلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لن يؤدي بصورة قاطعة إلى تقلص نشاط التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم لغياب الارتباط وفق رؤية الأميركيين بين عمليات الإرهاب التي تستهدف المصالح الأميركية والغربية في مختلف أنحاء العالم والصراع العربي الإسرائيلي.
وعلى الرغم من ذلك فإن حوالي 41% ممن شملهم ذك الاستطلاع يرون أن تعزيز فرص التوصل إلى تسوية شاملة للصراع في منطقة الشرق الأوسط يعد رهنًا ببذل إسرائيل مزيدٍ من الجهد في هذا الصدد في مقابل تأييد حوالي 15% لمسئولية الطرف الفلسطيني عن دفع عملية السلام قدمًا.
وتنطوي الرؤية الأميركية على قدر من التناقض فيما يتعلق بموقفهم من إقامة دولة فلسطينية في المرحلة الراهنة، حيث كشف استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة إيبسوس Ipsos في يناير 2009 عن معارضة حوالي 45% من المبحوثين لدعم الولايات المتحدة لإقامة دولة فلسطينية في المرحلة الراهنة لاسيما بعد الحرب على غزة وسيطرة حركة حماس على القطاع في مقابل تأييد حوالي 31% لسياسة الولايات المتحدة في هذا الصدد.
نهاية الانفراد الأميركي برعاية التسوية
وفي السياق ذاته كشفت نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة إيبسوس في يناير 2009 عن عدم ثقة حوالي 52% من الأميركيين في قدرة إدارة الرئيس أوباما على حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فيما يعد تأكيدًا لإدراك الرأي العام الأميركي لتعقد أبعاد ذلك الصراع بالنسبة لطرفيه، وعلى الرغم من عدم تفضيل الأمريكيين لانخراط الولايات المتحدة بشكل أكبر في عملية التسوية.
بيد أن حوالي 65% ممن شملهم استطلاع رأي مؤسسة التعاون الأميركي الإسرائيلي في مارس 2009 يؤيدون التوصل لتسوية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي تنخرط فيها كافة الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بشكل متوازن تجنبًا لتحميل الولايات المتحدة المزيد من الأعباء على الصعيد الخارجي.
ومن ثم يمكن القول: إن الرأي العام الأمريكي لا يفضل بأي حال قيام الرئيس أوباما بالضغط على الحكومة الإسرائيلية اليمينية بزعامة بنيامين نيتنياهو لتغيير مواقفها المعلنة حيال عملية السلام ولا يجد ما يبرر انخراط الولايات المتحدة بصورة أكبر في عملية التسوية السلمية للصراع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، على الرغم من تأييده للتوصل لتلك التسوية.
يهود أميركا ومعضلة سلام الشرق الأوسط
لم يكن اليهود الأميركيون بأي حال بمعزل عن تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، بالنظر إلى اعتبار عدد كبير منهم أن أمن إسرائيل يُعد أحد مقومات هويتهم وامتداد لتميزهم عن بقية قطاعات المجتمع الأميركي، وهو ما جعل موقفهم من التطورات الراهنة ذا أهمية محورية خاصةً بعد ما أسفرت عنه نتائج الانتخابات الإسرائيلية من تولي حكومة إسرائيلية متشددة للسلطة في إسرائيل، واستمرار حركة حماس في السيطرة على قطاع غزة عقب الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف عام 2006.
وفي هذا الإطار أعد جيم غيرشتين في 23 من مارس 2009 دراسة إحصائية حول مواقف اليهود الأميركيين من الصراع في منطقة الشرق الأوسط في ضوء التطورات سالفة الذكر، نشرتها منظمة جي ستريت الأميركيةJ Street، وهي إحدى المنظمات اليهودية الأميركية المعتدلة. وتضمنت الدراسة عدة نتائج مهمة فيما يتعلق بتوجهات يهود الولايات المتحدة حيال عملية التسوية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وأسباب استمرار الصراع وتصاعده في صورته الراهنة. فضلاً عن حيوية الجهود الأميركية في دفع عملية التسوية قدمًا.
تأييد واسع النطاق لسياسة أوباما في الشرق الأوسط
يبدأ الرئيس أوباما محادثاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو متمتعًا بتأييد منقطع النظير من غالبية اليهود الأميركيين، وفق نتائج استطلاعات الرأي التي اعتمدت عليها دراسة غيرشتين التي أشارت لتأييد حوالي 73% للسياسات التي يطرحها أوباما فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، بحيث اتضح أنه يحظى لدى يهود الولايات المتحدة بتأييد يفوق نيتنياهو الذي حاز على تأييد حوالي 58% من المبحوثين. ويعتقد حوالي 76% من اليهود الأميركيين أن الرئيس أوباما يدعم إسرائيل بقوة وأن لديه رؤية جيدة للمضي قدمًا بعملية السلام دون مساس بأمن إسرائيل أو ممارسة ضغوط عليها.
وفي السياق ذاته يَدعم حوالي 87% من اليهود الأميركيين مقولة مفادها أن الدور الأميركي في الوساطة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي يعتبر محور علمية السلام في منطقة الشرق الأوسط. وأشار حوالي 69% إلى تأييدهم لدور أميركي نشط في عملية السلام حتى لو لجأت الإدارة الأميركية لانتقاد سياسات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي علنًا طالما لم يمس ذلك بالمصالح المحورية المرتبطة بأمن إسرائيل. ولكن إذا ما تطلب الدور الأميركي معارضة سياسات إسرائيل فإن ذلك التأييد يتراجع إلى 52% ممن شملهم الاستطلاع سالف الذكر.
يهود أميركا ما بين خيارات الأمن والسلام
يعتقد غالبية اليهود الأميركيين أن التوصل لتسوية للصراع بمنطقة الشرق الأوسط مصلحة أميركية أساسية على حد تعبير حوالي 53% من المبحوثين، وفي هذا الصدد أكد حوالي 49% من اليهود الأميركيين على أن الغاية الأولى للسياسة الشرق أوسطية لإدارة الرئيس أوباما يجب أن تكون دعم التوصل لتسوية للصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل في مقابل إشارة حوالي 36% إلى أن الحفاظ على تفوق إسرائيل عسكريًّا في منطقة الشرق الأوسط يجب أن يكون الهدف المحوري لسياسة أوباما في منطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا الصدد أبدى حوالي 69% من يهود الولايات المتحدة تأييدهم للتوصل لاتفاق سلام نهائي للصراع بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وفق حل الدولتين الذي طالما روجت له إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ودعمته إدارة الرئيس أوباما منذ توليها للسلطة.
هل يؤيد يهود أميركا سياسات اليمين المتشدد في إسرائيل ؟
إن تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نيتنياهو زعيم حزب الليكود اليميني ومشاركة أفيجدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا اليميني المتطرف لم يلق استحسانًا من جانب يهود الولايات المتحدة، حيث أكد حوالي 69% من اليهود الأمريكيين معارضتهم لأطروحات ليبرمان حول ترحيل عرب إسرائيل، وأشار حوالي 32% منهم إلى أن تعيين ليبرمان كوزير للخارجية قد يؤدي لإضعاف ارتباطهم الشخصي بإسرائيل؛ لأن توجهات ليبرمان تتعارض مع قيمهم الأساسية. وترتفع هذه النسبة إلى 42% بين فئة الشباب من يهود الولايات المتحدة ما دون الثلاثين عامًا.
وفي السياق ذاته يعارض حوالي 64% من اليهود الأمريكيين التوسع في بناء مستوطنات جديدة بالضفة الغربية لاعتقادهم بأن تلك السياسات تؤدي إلى تعقيد الأوضاع وإعاقة تقدم مفاوضات التسوية، وفي هذا الصدد أشار جيم جيرشتين إلى أن حوالي 74% من اليهود الذين يسهمون ماليًّا في الحملات الانتخابية يعارضون التوسع في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وهذه الفئة من اليهود من ممولي الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة تتسم بإعلائها من أهمية قيم الديمقراطية والسلام والانفتاح على الآخر وحيوية التفاوض مع الأطراف الفلسطينية لمستقبل الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط في مقابل اليهود المتدينين الداعمين لاستخدام القوة ولأولوية أمن دولة إسرائيل على تحقيق السلام مع الفلسطينيين ناهيك عن رفض التسوية السياسية التي لا تحفظ لإسرائيل تفوقًا واضحًا وقدرة على السيطرة على الأوضاع في الأراضي الفلسطينية ذاتها.
وعلى نقيض ما يراه المسئولون في تل أبيب فإن حوالي 61% ممن شملتهم الدراسة الاستطلاعية يؤيدون التفاوض مع حكومة فلسطينية موحدة تضم حركتي فتح وحماس شريطة اعتراف حماس بإسرائيل، وهو ما تواكب مع ما كشف عنه استطلاع للرأي أجراه معهد ترومان بالجامعة العبرية في تل أبيب في مارس 2009 من أن حوالي 69% من الإسرائيليين يؤيدون تفاوض الحكومة الإسرائيلية مع حكومة فلسطينية موحدة بعد اعتراف حماس بإسرائيل ونبذ العنف والتوقف عن إطلاق الصواريخ.
معضلة إسرائيل الأمنية ودور واشنطن
وعلى صعيد موقف يهود الولايات المتحدة من ردود الفعل الإسرائيلية على إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على مستوطنات جنوب إسرائيل، فلقد اتضح أنه عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل وبقائها فإن كافة قطاعات المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة تبدي تأييدًا غير مشروط لإسرائيل، حيث أكد حوالي 75% من اليهود الأميركيين تأييدهم للعملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة كرد فعل على إطلاق حركة حماس للصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، بينما رأى حوالي 59% أن هذه العملية العسكرية لم تحقق الأمن لإسرائيل ولم تنجح في تحييد تهديد الصواريخ الفلسطينية للمجتمع الإسرائيلي، في حين أبدى حوالي 54% ممن شملتهم الدراسة الاستطلاعية مخاوفهم من أن استهداف الجيش الإسرائيلي للمدنيين في الحرب على غزة قد يؤدي تصاعد وتيرة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.
وفيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني لم تتوافق توجهات اليهود الأميركيين حول ما ينبغي على الولايات المتحدة القيام به لمنع تحول إيران إلى قوة نووية تهدد أمن إسرائيل، فبينما رأى 41% ممن شملهم الاستطلاع لجوء الولايات المتحدة للخيار العسكري لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي فإن حوالي 40% قد عارضوا استخدام القوة العسكرية مجددًا في منطقة الشرق الأوسط الولايات المتحدة خشية التداعيات السلبية على الاستقرار في محيط إسرائيل الإقليمي.
ومن ثم يمكن القول: إن غالبية يهود الولايات المتحدة يؤيدون قيام الولايات المتحدة بدور نشط لدفع عملية السلام قدمًا، ويؤيدون استمرار التفاوض لحين التوصل لتسوية نهائية، ولكن إذا ما تعلق الأمر بأمن إسرائيل فإنهم يؤيدون بقوة النهج الذي تتعامل به إسرائيل مع التهديدات الأمنية على الرغم من اعتراضهم على توجهات بعض الساسة الإسرائيليين المتطرفين مثل ليبرمان.
نظرة على سفير إسرائيل الجديد في واشنطن
رشح نيتنياهو الخبير الأميركي الإسرائيلي في سياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط والشؤون الأميركية quot;مايكل أورين (54 عامًا)، سفيرًا جديدًا لإسرائيل في واشنطن، وذلك خلفًا للسفير سالي مريدور. والسيد quot;أورينquot; معرف للدوائر السياسية والإعلامية في واشنطن، ويتمتع بعلاقات متشعبة مع الجالية اليهودية الأميركية، ومع قيادات الكونغرس. وكتب عديدًا من المقالات لأكبر الصحف الأميركية مثل quot;وول ستريت جورنالquot; وquot;نيويورك تايمزquot;، ويظهر بصورة منتظمة في البرامج الإخبارية بمحطات الأميركية الرئيسة مثل: quot;سي إن إنquot; وquot;فوكسquot;، وفي السابق عمل محللاً لشبكة quot;سي بي إسquot;.
نبذة عن السفير الجديد
يحمل quot;أورينquot; شهادة الدكتوراه في تاريخ الشرق الأوسط من جامعة برنستون. وقد هاجر إلى إسرائيل من الولايات المتحدة عندما كان سنه 15 عامًا، وحصل على شهادة بكالوريوس في الاستشراف من جامعة كولومبيا. وحصل على عديد من دورات تدريبية والزمالات البحثية في وزارتي الخارجية والدفاع (البنتاغون). وعمل كأستاذ زائر في جامعتي quot;هارفاردquot; وquot;ييلquot; الأمريكيتين. وفي السابق عمل أيضًا مستشارًا لبعثة إسرائيل في الأمم المتحد قبل أن يعمل كأستاذ تاريخ بمركز quot;شاليمquot; بالقدس، وأدار مشروع quot;تاريخ الشرق الأوسطquot; بالمركز ذاته.
والتحق quot;أورينquot; بالجيش الإسرائيلي فور عودته إلى إسرائيل، ووصل إلى رتبة ملازم. وخدم في لبنان إبان حرب لبنان الأولى، ثم عمل ضابط اتصال بالجيش الاسرائيلي مع الأسطول السادس الأميركي في البحر المتوسط أثناء حرب الخليج الثانية. ومؤخرًا عمل كمتحدث صحفي للجيش الإسرائيلي أثناء حرب غزة الأخيرة. ويتوقع أن يباشر السفير الجديد مهام منصبه قبيل توجه نيتنياهو إلى واشنطن منتصف هذا الشهر.
ألف quot;أورينquot; عدة كتب من أهمها كتاب quot;ستة أيام من الحربquot; حول حرب يونيو (حزيران) عام 1967، كما نشر عدة أبحاث حول السياسة الأميركية. ونظرًا لأهمية هذا الكتاب وكشفه كثير من أفكر السفير الإسرائيلي الجديد بواشنطن، يعيد quot;تقرير واشنطنquot; عرض لهذا الكتاب نشره في عدده (112)، في 9 من يونيو عام 2007.
كيف شكلت حرب 1967 الشرق الأوسط الحديث؟
يحاول quot;أورينquot; في كتابه المعنون بـquot;حرب الأيام الست: يونيو 1967 وصناعة الشرق الأوسط الحديثquot;، والذي صدر في عام 2002، تقديم رؤية تفسيرية لكيفية وقوع حرب يونيو 1967. ويُدافع في كتابه عن مقولتين رئيستين. أولهما: أن الحرب الشاملة قد نشبت نتيجة تفاعل عدد من الأحداث الصغيرة في الأسابيع القليلة التي سبقت الحرب، والتي كان لها تأثيرها على الشعوب والقيادات السياسية في المنطقة وتعبئتها في اتجاه الحرب، ومن ثم فإن النجاح في ضبط هذه الأحداث كان من شأن الحيلولة دون وقوع تلك الحرب.
المقولة الثانية: إن إسرائيل لم تكن تخطط لحرب شاملة، ولكن سيناريو الأحداث قبل وأثناء الحرب دفعها إلى حرب شاملة واسعة النطاق. وتأتي أهمية هذا الكتاب في أنه يحاول تقديم بعض الدروس المهمة المستخلصة من تلك الحرب، من خلال محاولة إسقاط الموقف السابق على الحرب على الموقف الإقليمي الراهن.
الموقف الراهن وحرب يونيو 1967: سيناريوهات متشابهة
يرى quot;أورينquot; في كتابه أن التفاعلات الإقليمية الراهنة تنطوي على سيناريو يشبه إلى حد ما ذات سيناريو الأحداث التي شهدها الصراع قبل اندلاع حرب يونيو 1967؛ فهناك تنظيمات فلسطينية تقوم بعمليات عنف ضد إسرائيل، هدفها القريب هو إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر والضحايا الإسرائيليين، وتهدف على المدى البعيد إلى خلق حالة من عدم الاستقرار في العالم العربي، والضغط على النظم السياسية العربية لدفعها إلى بديل المواجهة المسلحة مع إسرائيل.
هذا هو الموقف ذاته الذي ميز الأسابيع الثلاث السابقة على حرب يونيو 1967. فقد كان الرئيس الفلسطيني الراحل quot;عرفاتquot; يعلم في ذلك الوقت أن أي رد فعل انتقامي من جانب إسرائيل سيتسبب في خلق أزمة كبيرة للنظم السياسية العربية في ذلك الوقت. كان هناك انقسام بين النظم العربية، البعض كان يؤيد quot;عرفاتquot; خاصة النظام السوري، في حين توقف آخرون عن الدعوة العلنية إلى الحرب واكتفى بعقد اجتماعات القمة الطارئة.
وعلى الجانب الإسرائيلي، كانت إسرائيل تعيش أزمة اقتصادية بسبب البطالة والركود الاقتصادي قريبة إلى تلك التي تعيشها إسرائيل (أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الجديدة). وكان السياسيون الإسرائيليون قد نجحوا قبل الحرب في تشكيل حكومة وحدة وطنية. كما أدت الهجمات الإسرائيلية على الضفة الغربية وقطاع غزة، والاعتداءات الإسرائيلية على قرية quot;السموعquot; في نوفمبر 1966 إلى زيادة العزلة الدولية ضدها، وصدور قرار مجلس الأمن رقم 288 في ديسمبر من العام ذاته بإدانة إسرائيل. وعلى الجانب الأميركي، كانت الولايات المتحدة منشغلة بالحرب الباردة وبمشكلة فيتنام.
عملية الفجر وسيناريو الأحداث قبل اندلاع الحرب الشاملة
على الرغم من محدودية المدى الزمني لحرب يونيو 1967 إلا أنه يكاد لا يوجد صراع آخر بنفس تلك الكثافة والتداعيات التاريخية الطويلة على المنطقة والعالم؛ فما يتم الكشف عنه من معلومات ووثائق كانت تُعد شديدة السرية في مرحلة تاريخية سابقة، يلقي الضوء على ما حدث في تلك الحرب. وستقدم دومًا الوثائق التي يتم الكشف عنها من جانب الولايات المتحدة، بريطانيا، وإسرائيل، وروسيا وغيرها من مذكرات صانعي القرار والمسئولين العرب، أدوات جديدة ومهمة للمؤرخين لطرح تفسيرات جديدة لما حدث في تلك الحرب، وإلقاء الضوء على ملابسات ما حدث في الفترة القليلة السابقة على وقوع الحرب. ففي إطار بيئة صراعية، وانقسامات شديدة بين النظم السياسية العربية، وحرب باردة، تمكنت شرارات صغيرة من إشعال نيران ضخمة على المستوى الإقليمي.
يقول quot;أورينquot;: يمكن النظر إلى ما حدث في 13 من نوفمبر 1966 باعتباره الشرارة الأولى لحرب يونيو 1967. في ذلك اليوم قامت إسرائيل بهجمات انتقامية ضد قرية quot;سموعquot; الفلسطينية في منطقة جبال الخليل، التي كانت خاضعة للإدارة الأردنية، حيث تم قصف القرية بالمدفعية وسلاح الجو الإسرائيليين ثم دخلتها القوات الإسرائيلية بعد ذلك، حيث قامت بهدم عدد كبير من الأبنية.
وقد بررت إسرائيل هذا الهجوم بمقتل ثلاثة جنود إسرائيليين نتيجة انفجار لغم قامت بزرعه عناصر من حركة فتح. وقد تبع ذلك الهجوم قيام الفلسطينيين بأعمال شغب واضطرابات واسعة اتهموا فيها الملك quot;حسينquot; بعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة للدفاع عنهم، تلاها اشتباكات بين الجيش الإسرائيلي وفيلق أردني. وقد حاول الملك حسين التخفيف من تلك الضغوط عليه وإلقاء جزء من تلك المسئولية على الرئيس quot;جمال عبد الناصرquot;، إذ اتهمه بأنه quot;يتخفى خلف قوات حفظ السلام في سيناءquot;. وفي الوقت ذاته، كان الرئيس quot;عبد الناصرquot; يسعى إلى مبرر للتحرر من قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة UNEF. وفي 12 من مايو 1967 صدر تقرير روسي (خاطئ) زعم أن إسرائيل تقوم بحشد قواتها على حدودها الشمالية في إطار التجهيز لغزو سوريا. قام الرئيس quot;عبد الناصرquot; على إثرها بإرسال قواته العسكرية إلى سيناء وطرد قوات الطوارئ UNEF، وإغلاق مضيق تيران الذي تعتمد عليه التجارة البحرية الإسرائيلية.
وهكذا، وبعد اندلاع وتداخل تلك الأحداث الصغيرة (مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين بسبب لغم زرعته عناصر فتح، هجوم إسرائيلي على قرية سموع، اضطرابات وأعمال شغب فلسطينية للضغط على ملك الأردن، اشتباكات محدودة بين الجيشين الأردني والإسرائيلي، تقرير روسي خاطئ) لم تكن المسألة سوى وقت لكي تندلع الحرب.
يقول أورين، كان يجب على إسرائيل أن تقوم بهجمات 13 من نوفمبر على قرية السموع، لأسباب عديدة، أهمها أن الملك quot;حسينquot; على الرغم من أنه كان معروفًا بكراهيته الواضحة للصهيونية، إلا أنه استطاع التوصل إلى تعايش واقعي مع القيادات الإسرائيلية على المستوى الشخصي. وقد قام الملك quot;حسينquot; بعد حادثة مقتل الجنود الإسرائيليين الثلاث بإرسال خطاب عزاء إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ليفي إيشكول، أكد فيه عزمه بذل قصارى جهده لتحجيم حركة فتح والسيطرة على الفلسطينيين. وكان الخطاب قد أُرسل يوم الجمعة إلا أنه وصل متأخرًا إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية. وفي صباح يوم الأحد 13 من نوفمبر شنت إسرائيل عملياتها ضد قرية سموع. ربما لو كان الخطاب قد وصل في موعده إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، لكان من الممكن ألا تقوم إسرائيل بتلك العملية، أو على الأقل ليس في صباح ذلك اليوم.
كانت لدعاوى الحرب رواج كبير في مصر في ذلك الوقت، التي خططت لتفجير أهداف استراتيجية، ثم إرسال الدبابات عبر صحراء النجف بإسرائيل إلى الأردن بهدف شطر إسرائيل إلى نصفين. عرفت هذه الخطة بعملية quot;الفجرquot; ، وكانت من بنات أفكار وزير الحربية المصري عبد الحكيم عامر. الرئيس جمال كان يريد ألا يُلام على حرب ضد إسرائيل، ولكنه لم يكن واثقا من قدرته على منع عامر من تنفيذ هذه العملية. كان من المخطط أن يتم تنفيذ العملية في 27 من مايو 1967، ولكن تم إلغاؤها في اللحظة الأخيرة، بسبب تحذيرات من الرئيس الأميركي ليندون جونسون للسفير المصري في الولايات المتحدة آنذاك مصطفى كامل بعدم قيام مصر بأي إجراء من شأنه تفجير الموقف، وذلك استنادًا إلى تقديرات أميركية بوجود تخطيط مصري للحرب، بالإضافة إلى رسالة روسية للقاهرة تضمنت تحذيرًا روسيًّا للأخيرة من القيام بأية عمليات خوفًا من تحميل مصر مسئولية تفجير الوضع وتعميق حالة العداء. نتيجة لذلك تدخل الرئيس عبد الناصر قبل بدء تنفيذ العملية بدقائق، وأمر بإلغائها.
يقول أورين: لو قدر لتلك العملية أن تم تنفيذها لكان تأثيرها فادحًا على إسرائيل، ولتكبدت إسرائيل بسببها خسائر كبيرة لا تقل عن تلك التي تكبدتها مصر نتيجة العدوان الذي شنته إسرائيل على مصر بعد ذلك بتسعة أيام.
التعليقات