خلف خلف من رام الله: على المستوى اليومي يقرر الفلسطينيون والإسرائيليون جدول أعمال الصراع ومحدداته، غير أن محافل دولية كثيرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية تولي أيضًا اهتمامًا مباشرًا بالنزاع وتشارك في دفعه نحو النهاية، ولهذا السبب تنتظر إدارة باراك أوباما في الوقت الحاضر اللحظة التي تستقبل خلالها ممثلي الطرفين للاستماع لوجهة نظرهما ومعرفة مواقفهما وأطروحاتهما ومقترحاتهما، وذلك كي تعد الإستراتيجية المثلى للتعامل مع الصراع لحله أو إداراته على الأقل.

بدورهم، ينشغل مستشارو كلا الزعيمين، الفلسطيني والإسرائيلي خلال الأسابيع الأخيرة في إعداد الخطوط العامة والتفصيلية التي سيحملها الزعيمان في جعبتيهما إلى واشنطن، من أجل طرحها على الرئيس الأميركي باراك أوباما، مع العلم أن كل طرف سيحاول إقناع الرئيس الأميركي بما يعزز مصالحه، ويرفع منسوب مكاسب بلاده من الناحية السياسية والإستراتيجية على كافة المستويات.

ستبدأ زيارة نتنياهو لواشنطن حسب المقرر في الثامن عشر من الشهر الجاري، بيد أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس من المتوقع أن يصل للولايات المتحدة الأميركية نهاية الشهر الحالي. ومن زاوية النظر السياسية الراهنة المدعمة بالتجارب التاريخية، فإن الرسالة التي سيحملها نتنياهو إلى أوباما ستحتوي جملة من العناصر، وأهمها أن إسرائيل وحدها المسؤولة عن التصدي للمشكلة الفلسطينية وحلها، وهي الرسالة ذاتها، التي نقلتها تل أبيب إلى العالم خلال الأربعين عامًا الماضية، كما سيشدد نتنياهو على أنه ليس صحيحًا الشروع في حوار سياسي مع الفلسطينيين قبل تفكيك منظماتهم العسكرية، وفي ذلك محاولة لإغلاق الباب أمام أي طرح أميركي يذهب نحو إلزام تل أبيب بتنفيذ بنود خطة خارطة الطريق.

أما الموقف الفلسطيني المتوقع طرحه على القيادة الأميركية الجديدة نسبيًا، فمعاكس لموقف إسرائيل. حيث تقوم الرؤية الفلسطينية في السنوات الأخيرة على أنه لا يمكن التقدم نحو دولة فلسطينية يسودها قانون واحد وسلاح واحد طالما تخضع الأراضي الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي وقبل تحقق حل سياسي متفق عليه. وعليه، فمن المتوقع أن تطالب السلطة الفلسطينية، ممثلة بالرئيس محمود عباس بجدول زمني ملزم لمسيرة تؤدي إلى تسوية، وفوق كل شيء، ضمانات دولية على أن تفي إسرائيل بنصيبها في المراحل المحددة نحو إنهاء الصراع.

مراقبون لسلوك إدارة أوباما منذ توليها سدة الحكم في الولايات المتحدة، يعتقدون أن هذه الإدارة ستصطدم بعد زيارة عباس ونتنياهو لواشنطن بتعقيدات الصراع، المتصلة بشكل أساسي بتمسك كل طرف بشروطه ومعتقداته، حيث لم تفلح الأسرة الدولية في فكفكة معاضل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي رغم كافة المحاولات التي بذلت في هذا الاتجاه على مدار العقود الماضية.

لكن يبدو أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية معنيًا في الوقت الراهن بإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أكثر من أي وقت مضى، وذلك يعود لعدة أسباب أولها: الأوروبيون والأميريكان ملوا من الصراع ودمويته، وكثرة الأعباء المالية الملقاة على عاتقاتهم، والتي تتوزع بين إعانات ومساعدات للفلسطينيين والإسرائيليين، والتوقع لدى المجتمع الدولي، أنه مع نهاية الاحتلال ستنتهي المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الفلسطينيين، كذلك لن تكون واشنطن بحاجة لتقديم مساعدات مالية وعسكرية كبيرة إلى إسرائيل، تنقسم هذه المساعدات بين سنوية وطارئة.

سبب آخر، يدفع المجتمع الدولي لإنهاء الصراع، يتعلق بتخفيف حدة العمليات الإرهابية التي تشهدها دولا أوروبية وأسيوية بين الفينة والأخرى، ورغم أن هذه العمليات ليست جميعها بفعل الصراع في منطقة الشرق الأوسط، لكن الأسرة الدولية تعتقد أن الصراع يوفر ذريعة للمنظمات المسؤولة عن هذه العمليات، منظمة القاعدة مثلا شددت في الكثير من خطابات قادتها أن عملياتها تأتي ردًا على جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين.

أضف إلى ذلك أن أوباما أشار في خطاب التنصيب (20/1/2009) بأنه يريد أن يسلك منهجاً جديدًا في التعامل مع العالم الإسلامي، يقوم على الاحترام المشترك، والسؤال هنا، كيف يمكن سلوك هذا الطريق دون إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية؟

يقول اللواء احتياط في الجيش الإسرائيلي، غيورا ايلاند: quot;الربط بين النزاع وبين الإرهاب في الساحة الدولية يكسب المزيد من الأثر للإلحاحية التي يوليها العالم للحاجة إلى التسوية. (ومع ذلك فثمة فارق بين القدر الذي تبدي فيه الأسرة الدولية اهتمامها بإنهاء الاحتلال وبين مدى الاهتمام بإقامة دولة فلسطينية مستقلة. أما في اسرائيل فيبدو هذان الهدفان واحدا. غير أن الاحتلال، الرمز للمواطن الصغير في الحواجز، يعد في العالم عاملا معرقلا أكثر بكثير من غياب دولة فلسطينية على الخريطة).

يشير اللواء الإسرائيلي إلى أن حل سريع للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني ضروري أيضا كجزء من مساعي الولايات المتحدة إلى تقدم التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط. والموضوع الفلسطيني يعتبر في نظر الإدارة في سياق أوسع - سياق سيسهل فيه حله عملية التحول الديمقراطي في المنطقة بأسرها.

للأسباب أعلاه، يبدو أن المجتمع الدولي يدفع في الوقت الراهن نحو تطبيق فكرة دولتين لشعبين، بمعنى دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وهي الرؤية التي ما زال موقف الحكومة الإسرائيلية منها غامضًا. على أي حال، سيكون على الفلسطينيين والعالم أجمع انتظار نتائج زيارة نتنياهو إلى واشنطن لمعرفة الوجهة التي ستتخذها عملية السلام.

وحتى ذلك الحين، يبقى التساؤل قائمًا، هل تكون الإدارة الأميركية الحالية مختلفة عن سابقاتها، وتضع حدًا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بدلاً من الاكتفاء فقط بإدارته؟ هذا ما لا يتوقعه الكثيرون، وبخاصة أن أي حل قد يصل إلى الحد الأدنى من الشروط التي يوافق عليها الفلسطينيون والعرب سيحتاج إلى ضغط أميركي كبير على إسرائيل، وهو بالطبع ما سيثير اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، ويدفعه للوقوف في وجه أوباما الذي ما زال عضده في الحكم طريًا، وعليه، يمكن القول إنه ليس أمام أوباما الكثير ليفعله بخصوص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.