عواصم: منذ أن وطأت قدما الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما البيت الأبيض وهو يسعى إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات الأميركية ـ العربية والإسلامية بداية من خطابه التنصيبي ( في العشرين من يناير الماضي )، مرورًا بأول حوار تلفزيوني له مع قناة العربية الفضائية، ورسالة تهنئته الشعب الإيراني بعيد النيروز، وصولاً إلى خطابه بالبرلمان التركي (في الثامن من إبريل الماضي). وفي الرابع من يونيو القادم سيلقي خطابه الذي وعد به العالم الإسلامي من القاهرة.

توجه أوباما الجديد تجاه العالمين العربي والإسلامي لتجاوز السنوات الثماني لسلفه quot;جورج دبليو بوشquot; التي شهدت توترًا وتدهورًا في العلاقات الأميركية وتدهور الصورة الأميركية بهما، كان له انعكاس جلي على رؤية الشعب العربي والإسلامي للرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما.

ففي استطلاع لمركز ايبسوس لاستطلاعات الرأي العام أظهرت النتائج ارتفاع نسبة تأييد شعوب ست دول عربية للرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما بفارق كبير عن نسبة تأييدهم للولايات المتحدة كدولة. ورأت الغالبية أن أوباما سيكون له انعكاس إيجابي على المنطقة التي تُعد من أخطر مناطق العالم حسب كثير من المحللين الأميركيين لما تشهد من حروب وصراعات دينية وعنف عرقي وطائفي، وعلى الولايات المتحدة والعالم أيضًا.

أُجري الاستطلاع على سبعة آلاف مستطلع من ست دول عربية هي: الأردن، الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، لبنان، الكويت ومصر. خلال الفترة من 9 إلى 25 من مارس الماضي (2009).

تأييد عربي لأوباما

تُظهر نتائج الاستطلاع ارتفاع نسبة التأييد العربي للرئيس الأميركي الجديد. وأن نسبة من لديهم رؤية سلبية ولا يؤيدون الرئيس الأميركي الجديد في الدول الست محور الاستطلاع لم تتفوق على نسبة من لديهم رؤية إيجابية ويؤيدون أوباما. فترتفع نسبة التأييد للرئيس الأميركي الجديد بين الأردنيين والتي تقدر بـ58% في مقابل 29% لديهم رؤية سلبية، ولكنها الأقل بين المصريين فتصل 35% في مقابل 19% لديهم رؤية سلبية عن أوباما. وفي الأردن أيضًا ترتفع نسبة من لديهم رؤية سلبية عن أوباما 29% لكنها الأقل في الكويت والإمارات 14%.

وفي المملكة العربية السعودية ـ أحد أكبر حلفائها في المنطقة ـ وصلت نسبة من لديهم رؤية إيجابية عن أوباما إلى 53% في مقابل 25% لديهم رؤية سلبية. يليها دولة الإمارات العربية المتحدة بنسبة 52%، وفي الكويت تصل نسبة التأييد لأوباما إلى 47%، وتصل تلك النسبة في لبنان إلى 43%.

نسبة التأييد العربي للولايات المتحدة الأميركية كنظام حكم ودولة منخفضة عن نسبة تأييدهم للرئيس أوباما. فتظهر نتائج الاستطلاع ارتفاع نسبة من لديهم رؤية سلبية مقارنة بأصحاب الرؤى الإيجابية عن الولايات المتحدة في خمس دول من الدول الست التي أجري فيها الاستطلاع. ترفع نسبة التأييد للولايات المتحدة بين السعوديين والتي تصل إلى 38% في مقابل 43%، في حين تنخفض نسبة التأييد في مصر إلى 22% وهي أقل نسبة تأييد للولايات المتحدة ضمن الدول الست في مقابل 45% لديهم رؤية سلبية. وترتفع نسبة من لديهم رؤية سلبية عن الولايات المتحدة في الأردن وتقدر النسبة بـ56% وفي الوقت ذاته تعد الأردن الدول الثانية من الدول الست التي ترتفع فيها نسبة التأييد للولايات المتحدة والتي تصل إلى 36%.ووصلت نسبة التأييد في الإمارات 34% في مقابل 40% وفي الكويت تتساوى نسبتا التأييد والمعارضة عند 34%. وفي لبنان وصلت نسبتا التأييد والمعارضة 31% و41% على الترتيب.

والفجوة بين التأييد العربي لأوباما وتأييدهم للولايات المتحدة مرتفعة في الكويت والتي تصل إلى 26 نقطة فرق، ولكنها الأقل في لبنان ممثلة 11 نقطة فرق. ويصل هذا الفرق إلى 22 نقطة في الأردن، 18 نقطة في الإمارات، وفي المملكة العربية السعودية ومصر 15 و13 نقطة على الترتيب.

مردود سياسات أوباما إيجابي

وعن تأثير أوباما على الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط رأت الأغلبية أنه إيجابي. ففي الأردن رأى 64% أن سياسات أوباما حيال قضايا المنطقة ستكون إيجابية في مقابل 22%. وتنخفض تلك النسبة بين المصريين، فيرى 35% أنها ستكون ذات تأثير إيجابي في مقابل 14% يرون أنها ستكون سلبية. وبين الإماراتيين تصل نسبة من يرون أن سياسات أوباما ستكون ذات تأثير إيجابي على المنطقة إلى 55% في مقابل 14% وفي المملكة العربية السعودية 49%، وتتساوى نسبة السعوديين والكويتيين الذي يرون أنها سلبية (15%). في حين تصل نسبة من يرون أنها إيجابية إلى 48% و45% على الترتيب في الكويت ولبنان، مقابل 16% من اللبنانيين يرون أنها ستكون ذات مردود سلبي على قضايا المنطقة.

وترتفع نسبة من يرون أن أوباما سيكون له تأثير على العالم والولايات المتحدة الأميركية. فيرى 67% من الأردنيين أن سياسات أوباما سيكون لها تأثير إيجابي على العالم مقابل 81% يرون أن سياساته سيكون لها تأثير إيجابي على الداخل الأميركي. وفي الإمارات تصل النسبة إلى 56% بالنسبة للعالم مقابل 71% للداخل الأميركي. وبين الكويتيين 53% للعالم و62% للولايات المتحدة والتي تتساوى مع نسبة السعوديين الذي يرون أن سياسات أوباما سيكون لها تأثير إيجابي على الولايات المتحدة في مقابل 50% يرون أن سياساته سيكون لها تأثير إيجابي على العالم.

وبالنسبة للبنانيين والمصريين رأى 46% و38% على الترتيب أن سياسات أوباما ذات مردود إيجابي على العالم في مقابل 64% و75%على الترتيب بالنسبة للتأثير الإيجابي على الداخل الأميركي.

وعلى الرغم من ارتفاع الرؤية الإيجابية لسياسات أوباما على الولايات المتحدة والعالم بين الأرديين إلا أن نسبة من يرون أن تلك السياسات سيكون لها مردود سلبي على الصعيد العالمي والداخل الأميركي ترتفع أيضًا في الأردن والتي وصلت إلى 17% بالنسبة إلى العالم في مقابل 10% للداخل الأميركي. وتنخفض تلك النسبة بين الكويتيين فتصل إلى 10% للعالم ولكنها الأقل بين اللبنانيين والمصريين بشأن رؤيتهم السلبية للانعكاس السلبي لسياسات أوباما على الداخل الأميركي والتي تصل إلى 5%. في مقابل 12% و11% بالنسبة لرؤية اللبنانيين والمصريين للمردود السلبي لسياسات أوباما على الصعيد العالمي على الترتيب.

فرصة لتحسين صورة الولايات المتحدة

هذا الفارق في الرؤية العربية لأوباما والولايات المتحدة يُعد في صالح أوباما، ويشير إلى إمكانيته من تجسير تلك الهوة وإعادة إحياء الصورة الأميركية في العالمين العربي والإسلامي استنادًا إلى نسبة التأييد العالية له في المنطقة العربية، والتي تُعد من أعلى نسب التأييد العربي لرئيس أميركي، ناهيك عن ارتفاعها أيضًا إبان الانتخابات الرئاسية الأميركية العام الماضي (2008)، فقد كان أوباما كمرشح للحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية في الرابع من نوفمبر الماضي يتمتع بنسبة تأييد عربية تفوق بمراحل نسبة التأييد لمنافسه على بطاقة الحزب الجمهوري السيناتور quot;جون ماكينquot;.

سياسة أوباما للتعامل مع تراجع التأييد للولايات المتحدة الأميركية في العالميين العربي والإسلامي وتدهور الصورة الأميركية تنطلق من ضرورة التعامل مع قضايا المنطقة، والسياسة الأميركية التي كانت وراء هذا التدهور والتراجع في المكانة الأميركية عربيًّا. فمنذ اليوم الثاني له في البيت الأبيض والقضايا العربية على أجندته، معلنًا عهدًا جديدًا من السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وهو الأمر الذي لا يعني تغييرًا في ثوابت السياسة الخارجية الأميركية مع اختلاف الإدارات الأميركية، ديمقراطية كانت أو جمهورية. فالسياسة الأميركية تجاه المنطقة سياسة بنيوية من أربعينيات القرن المنصرم، ولكن أوباما يهدف إلى إحداث تغيير في مقاربات السياسة الأميركية تجاه قضايا المنطقة.

وتقوم السياسة الخارجية لأوباما من التعامل مع العالمين العربي والإسلامي كما هو وليس كما يريد، وذلك على خلاف إدارتي بوش الابن وأقطابها من المحافظين الجدد، حيث كانت تنطلق سياساتهم تجاه المنطقة وقضاياها من رؤية أيديولوجية مسبقة وأفكار وعقائد جامدة صيغت خلف الأبواب المغلقة، ولكن أوباما يسمو فوق تلك الأفكار الأيديولوجية والقوالب الجامدة. وتنطلق سياساته تجاه المنطقة وقضاياها من أنها شريك إستراتيجي على قدم المساواة مع الولايات المتحدة وليس كتهديد للأمن القومي الأميركي على عكس سياسات المحافظين الجدد التي كانت تنظر إلى المنطقة والعالم الإسلامي على أنها تهديد للمصلحة والأمن القومي الأميركي.

وعلى عكس إدارة بوش التي كانت قائمة على عسكرة السياسة الخارجية الأميركية بإعطائها الأولوية للقوة الصلدة على ما عداها من آليات تنفيذ السياسة الخارجية الأميركية والحفاظ على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، فإن إدارة أوباما تعطي أولوية إلى القوة الناعمة والحوار والتفاوض مع عدم تجاهل القوة الصلدة. فسياسة أوباما الخارجية كما يتضح من تصريحاته خلال حملته الانتخابية، وتحركاته وقراراته بعد دخوله البيت الأبيض في 20 من يناير 2009 قائمة على ما أضحى يُعرف في الأدبيات الأميركية بالقوة الذكية Smart Power التي تزاوج بين القوتين الناعمة والصلدة في استراتيجية واحدة ناجحة.