برلين: بإنتهاء هذا الأسبوع يصبح عمر ألمانيا 60 عاماً. ولكن بعد مضي عشرين عاماً على الثورة السلمية التي حطمت جدار برلين ما يزال شعبها غير موحد على الرغم من تنامي شعوره الوطني . بعد مضي 64 عاماً على انتهاء الحقبة النازية والجرائم التي ارتكبت خلالها ضد الإنسانية لم يعد الألمان يشعرون بالخجل من رفع علمهم وإنشاد نشيدهم الوطني. هناك عدد كبير من الناس هنا يشعرون بالفخر بسبب انتمائهم إلى الأمة الألمانية و للانجازات الديمقراطية والاقتصادية التي حققتها بلادهم خلال العقود الماضية.
استطاعت ألمانيا بفضل الأموال التي حصلت عليها من مشروع مارشال الأميركي تحقيق معجزة اقتصادية و سرعان ما أصبحت عضواً أساسياً في الاتحاد الأوروبي ولم تتأثر بالحرب الباردة ثم أعادت توحيد شطريها بعودة ألمانيا الشرقية الشيوعية إليها عبر ثورة سلمية.
تحتفل ألمانيا اليوم السبت بالذكرى المئوية السنوية الستين على إعلان دستورها الديمقراطي وذلك بتنظيم حفل كبير في العراء أمام بوابة براندينبيرغ في العاصمة برلين. يبدو أن الألمان بدأوا يشعرون أن بإمكانهم التغلب على الإحساس بعقدة الذنب الجماعي التي لازمتهم منذ عقود بسبب ماضي بلادهم النازي.
وبرز هذا التبدّل في مواقفهم عند استضافتهم لبطولة العالم في كرة القدم في عام 2006 حيث رفعوا أعلام بلادهم على شرفات منازلهم ووضعوا الصبغات السوداء والحمراء والصفراء ، وهي لون العلم الألماني، على وجوههم وهو أمر لم يخطر ببال أحد قبل عدة سنوات.
رفع الألمان خلال فعاليات بطولة العالم في كرة القدم شعاراً quot; حان الوقت كي نصبح أصدقاءquot;. إن هذا الشعور الحذر بالوطنية أثر حتى على النشاط الدبلوماسي حيث يدعو سياسيون ألمان إلى إتباع سياسة خارجية تعكس الشعور بالثقة في النفس مع القوى الأخرى في العالم. لدى ألمانيا حوالي 4 آلاف جندي يعملون في إطار القوة الدولية ( إيساف) في أفغانستان وأنهت مهمات حفظ للسلام في الكثير من مناطق العالم. ولكن هذا لا يعني أن الماضي قد تمّ نسيانه.
تحتل التغطية الخاصة بمحاكمة جون ديميانيوك المشتبه بارتكاب جرائم حرب في ألمانيا النازية مساحة واسعة من الصحف ووسائل الإعلام المحلية. وفي هذا السياق قالت صحيفة quot; سودنوتشي زايتونغ quot; :quot;لا يمكن لعدالة ما بعد الحرب أن تمحي الذنوب وباستطاعة هذه العدالة اليوم التأكيد على الذنوب التي اقترفها أشخاص مثل ديميانيوكquot;.
لا تحظى مهمة القوات الألمانية في أفغانستان بالتأييد الشعبي، واستطاعت برلين الحصول على الضوء الأخضر لتنفيذها لأنها تقتصر على جهود إعادة البناء في هذا البلد. لم تتجاوب الحكومة الألمانية مع دعوات إرسال قواتها كي تشارك في القتال في جنوب أفغانستان لأنها تدرك أن الناس هنا ليسوا مستعدين لرؤية جنودهم ينخرطون في معارك على نطاق واسع.
في فترة علاقات باردة بين ألمانيا وأميركا ،عارضت برلين منذ البداية الحرب التي قادتها واشنطن في العراق، ولا تستطيع أي قوة ألمانية الانخراط في أي نشاط عسكري ما لم تحصل على الضوء الأخضر من البرلمان وهو، أي البرلمان، لن يدعم قط أي حملة أحادية الجانب.
لعل المهمة الأكثر أهمية التي تواجهها ألمانيا اليوم لا علاقة لها بالماضي بل بالمستقبل. أعادت ألمانيا توحيد نفسها في عام 1990، ولكن اليوم وبعد مضي نحو عقدين من الزمن لا يشعر الألمان أنهم موحدين فعلاً. أظهر استطلاع حديث للرأي أن حوالي 40% فقط من الألمان في ألمانيا الشرقية السابقة سعداء بحياتهم منذ سقوط جدار برلين ،بتراجع قدره 20 نقطة عن دراسة مشابهة أعدت قبل نحو عقد من الزمن.
يشعر الكثير من مواطني القسم الشرقي من ألمانيا، الذين يطلق عليهم اسم quot; أوسيزquot;، أن وضعهم الاقتصادي الاجتماعي قد تراجع مقارنة بما كان عليه الأمر قبل إعادة توحيد ألمانيا. إن معدل البطالة في ولايات ألمانيا الشرقية أعلى من معدل البطالة في غربها وينسحب ذلك أيضاً على الأجور إذ يتقاضى الموظفون فيها رواتب أقل. ضخت ألمانيا حوالي 1.9 ترليون دولار أميركي في جزئها الشرقي ووفرت بنى تحتية ممتازة ولكن الكثير من السكان يفضلون الذهاب إلى الجزء الغربي من البلاد من أجل تحسين ظروف عملهم.
علاوة على ذلك لا يشعر الـquot; أوسيزquot; بأن مواطنيهم في الجزء الغربي من البلاد مثل هامبورغ أو ميونيخ قد قبلوا بهم. يعير الـ quot;واسيزquot; نسبة إلى سكان غرب ألمانيا على نظرائهم الـ quot; أوسيزquot; سكان الجزء الشرقي من البلاد بالجرائم التي ارتكبتها جمهورية ألمانيا الديمقراطية ويتهمونهم بالتجسس عليهم وبإقامة جدار يفصل بين شطري الوطن وينسون أن الكثير منهم حققوا إنجازات كثيرة ينبغي الافتخار بها.
حصل quot;داي لينكيquot; وهو حزب أقصى اليسار ومنبثق من حزب الوحدة الاشتراكي الألماني وهو الحزب الشيوعي الذي حكم جمهورية ألمانيا الديمقراطية الشيوعية على دعم جماهيري متزايد خلال السنوات الماضية بسبب استغلاله لمشاعر الإحباط في الجزء الشرقي من ألمانيا.
ولكن الألمان الشرقيين يتجاهلون غالباً حقيقة أن بلادهم تعرضت للإفلاس بسبب حكومة أقامت نظاماً اجتماعياً أخفق في إقامة اقتصاد لم تلق منتجاته رواجاً في الجزء الغربي من البلاد. إن الأموال التي ضختها ألمانيا في جزئها الشرقي ربما لم تنفق بالطريقة الصحيحة، ولو أن دولة أخرى هي جمهورية ألمانيا الديمقراطية لم تتأسس في المقام الأول لربما لم تكن هناك حاجة لكل هذه الأموال .
تناول برنامج تلفزيوني ألماني يستقطب جمهوراً واسعاً من المشاهدين تمّ بثه يوم الثلاثاء الماضي موضوع الوحدة بين شطري ألمانيا بعد مضي 20 سنة على سقوط جدار برلين شارك فيه سياسيون وصحافيون ومؤرخون من شطري البلاد.
قال غويدو كينوب الذي يعد أحد أبرز المؤرخين الألمان إن الأمر سوف يستغرق جيلين على الأقل قبل أن يختفي الجدار من أذهان الشعب الألماني، ورأى أن على الشعب الألماني أن يغتبط لكونه يعيش خلال فترة تعد الأكثر ثراء وسلاماً في حياته. وأضاف quot; إن أفضل سنوات ألمانيا قد بدأت للتوquot;.
التعليقات