سيدي ولد سيد أحمد البكاي

أحمد ولد سيدي من نواكشوط: مع استقلال موريتانيا عام 1960 بدأت المرأة الموريتانية كغيرها من نساء العالم في نيل حقوقها المشروعة والتي يكفلها لها القانون والشرع، وقد تمكنت المرأة الموريتانية من الحصول على حق الترشح في الفترة الأولى لقيام الدولة وبعد الاستقلال مباشرة.

ثم بعد ذلك قامت بإنشاء اتحاد النساء الموريتانيات في 12-12-1961 و الذي تمحورت أهدافه في تلك الفترة حول قضايا التعليم والاستقرار الأسري والدفاع عن حقوق المرأة التي لاقت آذانًا صاغية من أوساط المجتمع الموريتاني الذي تطبعه البساطة وحب التآخي والتساوي في الحقوق والواجبات، ولم تصطدم المرأة الموريتانية في كل فتراتها ومراحل نضالها وبحثها عن حقوقها بما يثير حفيظة الرجل الموريتاني الذي يعيش في بيئة محافظة ومجتمع بدوي تختلف أعراقه وتتوحد أهدافه حول الدين الإسلامي.

وفي حوار مع ايلاف يتحدث الباحث في قضايا المرأة سيدي ولد سيد أحمد البكاي ،وهو الباحث المعروف على الساحة الوطنية الموريتانية بكتاباته وتحليلاته في المواضيع المتعلقة بالمرأة الموريتانية على الخصوص والعربية والإفريقية بشكل عام، يتحدث عن طبيعة الحقوق المتاحة للمرأة الموريتانية قياسا على نظيراتها في العالم العربي والإفريقي. في ما يلي الحوار:

** في البداية كثيرا ما أكد رؤساء موريتانيون على ضرورة دمج المرأة وإشراكها في الحياة السياسية لتنال حقوقها كاملة هل تم هذا بالفعل؟

بداية لا يسعني إلا أن أسجل أن المرأة الموريتانية تختلف عن أخواتها العربيات والإفريقيات بحظوة و مكانة قل مثيلها في شبه المنطقة فرغم العادات و التقاليد التي تعيق عصرنتها rdquo; بالمفهوم الايجابي للعصرنة أو الحداثةrdquo; إلا أنها ظلت محط احترام الرجل و تقديره وحيث أن المقام لا يسمح لنا بالاستفاضة في هذا المجال فسنقتصر على مناقشة درجة الاهتمام الحكومي بتنمية المرأة بدءا من الاستقلال و حتى يومنا هذا .

في الفترة الممتدة من الاستقلال حتى بداية عهد اللجنة العسكرية(1960-1978) وهي ثاني أطول فترة سياسة شهدتها البلاد وقد تميزت في بدايتها بمنح المراة حق التصويت والترشح سنة 1961 ثم تأسيس اتحاد النساء الموريتانيات 12-12-1961 و الذي تمحورت أهدافه حول قضايا التعليم والاستقرار الأسري و الدفاع عن حقوق المرأة ..إلى غير ذلك من المطالب التي تسمح بتكوين نواة حركة نسائية يمكنها أن تشارك في تنمية المجتمع
و يجمع العديد من النساء اللواتي عاصرن هذه الحقبة أو اللواتي كتبن عنها، أن هذا الاتحاد و التنظيمات التي عقبته شكل إحدى هيئات حزب الشعب الحاكم آنذاك مما سمح لهن بالاحتكاك ، عبر المشاركة في البعثات الرسمية ، بالعديد من نساء العالم الأمر الذي انعكس على مطالب المرأة الموريتانية حيث بدأت المفاهيم النسوية تظهر عبر المجلات و الصحف النسائية الصادرة في ذلك الوقت.

استمرت المرأة الموريتانية في نضالها من خلال أنشطة المجلس الأعلى للنساء حتى انقلاب 1978 الذي أدى إلى حل جميع الهيئات الشبابية و النسائية في البيان رقم(1) لذلك الانقلاب.

اما حقبة اللجنة العسكرية في الفترة ما بين ( 1978-1985)، فقد شهدت هذه الحقبة من تاريخ موريتانيا عدم استقرار سياسي تمثل في العديد من الانقلابات ولم تحظ فيها قضية المرأة بأي اهتمام حسب- علمنا المتواضع- مع أنها تزامنت مع العقد الدولي للمرأة الممتد من 1975 تاريخ مؤتمر مكسيكو سيتي .

وتميزت فترة( 1985-2005 ) باهتمام بارز تمثل في خلق عيد وطني للمرأة الموريتانية اثر خطاب معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطايع الرئيس الموريتاني الأسبق وهو الخطاب الذي اصطلح على تسميته ldquo;بخطاب النعمة التاريخيrdquo; 5 مارس 1985 الذي تجسدت من خلاله الإرادة و التصميم على أهمية لعب المرأة لدور مهم في عملية البناء الوطني ، حيث تم إنشاء قطاع جديد للنساء في الأمانة الدائمة للجنة العسكرية لينتقل بعد ذلك إلى أمانة تنفيذية مكلفة بترقية المرآة التي تحولت بدورها بداية التسعينات إلى كتابة للدولة مكلفة بشؤون المرآة(1997-1998).

وبعد انقلاب 3 أغسطس 2005 و الفترة الانتقالية لم يطرأ تغيير على البنية الهيكلية للقطاع على الأقل من الناحية الشكلية حيث بقيت المرأة ممثلة في quot;كتابة للدولة مكلفة بشؤون المرآةquot; إلا أن العمل النسوي شهد نقلة نوعية تمثلت في ترقية المشاركة السياسية و التي تجلت أهم مظاهرها في اعتماد نظام التمييز الايجابي (كوتا 20%) الأمر الذي نتج عنه تمثيل غير مسبوق في المجالس البلدية نسبة 33% و في البرلمان بغرفتيه 18% وكذلك حضور بارز لقضايا المرآة و النوع عند مراجعة الإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر وكذا ولادة أحزاب سياسية ترأسها نساء بعد أن كان هناك حزب سياسي واحد ترأسه سيدة ، بالإضافة إلى إعداد العديد من السياسات القطاعية التي تصب في مجملها في ترقية المرآة و الأسرة و الطفل.

وتميزت الفترة الممتدة ما بين ابريل 2007 و أغسطس 2008 في ما يتعلق بقضايا المرأة بإعادة هيكلة القطاع المكلف بشؤون المراة حيث انتقل من كتابة للدولة لشؤون المراة إلى وزارة مكلفة بالترقية النسوية و الطفولة و الأسرة ليقضي بعد ذلك على آخر كلمة من التسمية الأولى (مكلفة) حيث أصبح اسم القطاع وزارة الترقية النسوية والطفولة و الأسرة، وكذلك تميزت هذه الفترة بإعادة تفعيل المنسقيات الجهوية من أجل تعزيز اللامركزية في أنشطة القطاع بالإضافة إلى تغذية الموارد البشرية للقطاع بدماء جديدة من مختلف التخصصات و التجارب ، ومن أبرز ما ميز هذه الحقبة المطالبة باعتماد بعد النوع في السياسات و البرامج القطاعية للحكومة و دعوة هذه القطاعات للمشاركة في تحقيق أهداف القطاع وتجسدت تلك المطالب بإعداد استراتيجية وطنية للنوع .

وبعد انقلاب6 آب 2008 في موريتانيا، تميزت الفترة بإعادة هيكلة القطاع من جديد حيث تمت تسميته بوزارة الشؤون الاجتماعية و الطفولة و الأسرة لتلتحق بها إدارة الشؤون الاجتماعية و التي شكل انتقالها مطلبا لدى القائمين على شؤون القطاع في العديد من الفترات السابقة ، غير أن هذا التغيير أثار جدلا بين العديد من المهتمين بشؤون المرأة ، مدفوعين في الكثير من الأحيان بمواقف سياسية مسبقة ، حيث يعتبرها بعضهم نكوصا في الاهتمام بقضايا المرأة ويعزز أصحاب هذا الطرح موقفهم بتراجع النسبة التمثيلية للمرأة في المناصب الوزارية إلى حقيبتين و التي ظلت تتأرجح في العهود الماضية بين ثلاثة حقائب أو أربعة وكذلك يرى أصحاب هذا الطرح أن حذف كلمة ( امرأة ، نسوية ) من تسمية القطاع معناه عدم الاهتمام بالمراة .

غير أن أنصار الرأي الآخر يرون عكس ذلك معتبرين أن الحقيبتين اللتين خصصتا للمرأة في بداية هذا العهد هما حقيبتين مهمتين تعدلان حقائب الوزارات المنتدبة أو كتابات الدولة ( وزارة الشؤون الاجتماعية، وزارة التنمية الريفية)، وكذلك أن إلحاق الشؤون الاجتماعية بمهام القطاع سيضيف له لا محالة مهام أخرى كانت تنقصه بل ويؤثر انتقاصها بالسلب على أداءه، إذ أن العمل على ترقية المرأة في إطارها الاجتماعي يعتبر أولى و أجدر.

وبعد حكومة الوحدة الوطنية لتسيير المرحلة الانتقالية في موريتانيا (ما بعد اتفاق داكار) 10-06-2009/18/07/2009 ـ فلم لم تعتبر هذه الحكومة حكومة انجازات بقدر ماهي حكومة لتسيير المرحلة الانتقالية و الإشراف على الانتخابات لذلك لا ينتظر منها انجازا يحقق للمرأة وقد ضمت هذه الحكومة في تشكيلتها وزيرتين أحدهما للشؤون الاجتماعية وهي أول وزيرة من أصل إفريقي تتقلد هذا المنصب.

كانت هذه أهم المحطات التي طبعت المسيرة التنموية للمرأة الموريتانية في مختلف الحقبات السياسية التي شهدها البلد وبطبيعة الحال فقد أثرت على وضعية المرأة وتغيرت المؤشرات التي تحدد هذه الوضعية من تعليم و صحة و وولوج لمناصب اتخاذ القرار.

**متي بدأت المرأة تنال حقوقها؟

الأمر يتعلق بنوعية الحقوق، التي تقصد فإذا كان الحديث عن الحقوق السياسية فالمرأة الموريتانية حصلت مبكرا على ذلك الحق (1961) حق المشاركة في التصويت و الترشح بما فيها منصب رئيس الجمهورية ناهيك عن الوظائف الانتخابية الأخرى ، وفي مجال الحقوق القانونية و الاجتماعية فقد كانت موريتانيا من أوائل البلدان المصدقة على مختلف الاتفاقيات و المواثيق الدولية المتعلقة بالمرأة مثلا:

انضمت موريتانيا إلى اتفاقيات الأمم المتحدة السبع الرئيسية المعنية بحقوق الإنسان, وهي: quot;العهدان الدوليان الخاصان بالحقوق المدنية والسياسية, والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيةquot; (2004), وquot;اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصريquot; (1988), وquot;اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأةquot; (2001), وquot;اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينةquot; (2004), وquot;اتفاقية حقوق الطفلquot; (1991)، واتفاقية حماية جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (2007)

وانضمت موريتانيا كذلك إلى اتفاقيات منظمة العمل الدولية الثماني المعنية بحقوق الإنسان وهي: quot;الاتفاقيتان (87) و(98) المعنيتان بحرية التجمع والمفاوضة الجماعيةquot; (1961, 2001 على التوالي), وquot;الاتفاقيتان (29) و(105) المعنيتان بالسخرة والعمل الإجباريquot; (1961, 1997 على التوالي), وquot;الاتفاقيتان (100) و(111) المعنيتان بالقضاء على التمييز في شغل الوظائفquot; (2001, 1963 على التوالي), وquot;الاتفاقيتان (138) و(182) المعنيتان بمنع استخدام الأطفال والقاصرينquot; (2001).

تحفظت موريتانيا على أحكام بعض الاتفاقيات التي انضمت إليها على النحو التالي: اتفاقية مناهضة التعذيبquot;، المادة (20) التي تتعلق بحق اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب دعوة الدول الأطراف في الاتفاقية لدراسة ما يصل إليها من معلومات وتقديم ملاحظاتها بشأنها، وإجراء تحقيق سري، وطلب زيارة الدول الأطراف، والمادة (30/1) الخاصة بالتحكيم والإحالة إلى محكمة العدل الدولية في حالة الخلاف حول تفسير أو تطبيق الاتفاقية.
- اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة: تحفظ عام على ما يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية والدستور.
- اتفاقية حقوق الطفل: تحفظ عام على كل الأحكام الواردة في الاتفاقية التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية.

أما بالنسبة إلى المواثيق الإقليمية، فقد وافقت موريتانيا على quot;إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلامquot; الصادر عن مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية عام 1990, وهو وثيقة إرشادية لا تحتاج إلى مصادقة. كما وقعت على quot;الميثاق العربي لحقوق الإنسان/المعدلquot; الذي اعتمدته القمة العربية في تونس في مايو/ أيار عام 2004, لكنها لم تصادق عليه شأن معظم الدول العربية. كذلك انضمت إلى quot;الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوبquot;.

وفي ما يتعلق بحق التعليم و التصرف في الممتلكات فقد حصلت عليهم المرأة الموريتانية منذ نشأة هذه الدولة لكن الحديث الآن عن مدى وعي المرأة بهذه الحقوق ومحاربة المعوقات و العقليات التي تحول دون استفادتها منها بشكل كبير.

** ما هو دور المرأة الموريتانية وما طبيعة مشاركتها للرجل؟

المرأة الموريتانية تمتاز من بين النساء العربيات بخصوصية واضحة للعيان ndash; كما أشرنا سابقا- هذه الخصوصية أملتها طبيعة المجتمع الموريتاني متعدد الأعراق و الثقافات ( المجتمع العربي الصحراوي ، المجتمع الإفريقي الأمومي..) وهي بهذا الشكل تلعب أدوارا متعددة منها الأدوار التقليدية البيولوجية و المرتبطة أساسا بتوزيع الأدوار حسب النوع مثل التنشئة الاجتماعية للأجيال بالإضافة إلى بعض الأوار الأخرى التي كانت من مسؤولية الرجال و أهملوها بفعل الهجرات المتتالية (من الريف إلى المدينة طلبا للعمل ، ومن الوطن إلى الخارج) و ادوار أخرى فرضتها العولمة و فرضتها تشعب و تعقد مهام الأسرة والتي جعلت المرأة تخرج لسوق العمل ، ليس تحيقيقا لذاتها فحسب بل ومن اجل تلبية بعض الحاجيات التي قصرت عنها يد الزوج بفعل تدهور الظروف الاقتصادية نتيجة الأزمات الاقتصادية المتلاحقة.

أما عن طبيعة المشاركة التي تشارك بها المرأة الموريتانية أخوها الرجل فحدث عنها ولا حرج ، فقد ولجت مختلف الميادين بدءا بقطاع التعليم و انتهاء بالملاحة الجوية مرورا بمختلف مناحي الحياة الاقتصادية بحيث تلعب المرأة دورا فاعلا في الحياة الاقتصادية ( هناك سيدات أعمال ناجحات و تتحدث الأرقام عن مستوى مشاركة في التجارة في حدود 33% وفي الحياة السياسية هناك مشاركة فعالة في البرلمان بغرفتيه وحتى الأزمة السياسية التي عرفتها البلاد في الآونة الأخيرة لعبت المراة دورا مهما سواء في صفوف الموالاة أو المعارضة بالإضافة إلى انه تتواجد بموريتانيا أربعة أحزاب سياسية ترأسها نساء ، إلى غير ذلك..)

** ما هو دور وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة في إرشاد المجتمع إلي حقوق المرأة؟

هذه الوزارة و بما أنها الوزارة المعنية بتنفيذ السياسات و البرامج الحكومية الموجهة للنهوض بقضايا المرأة تلعب دورا لا يستهان به في هذا الصدد من حيث نشر الوعي بالحقوق المكتسبة للمرأة وذلك عن طريق الحملات التوعوية و التحسيسية وعن طريق العمل على خلق ثقافة نسائية من خلال تنفيذ العديد من البرامج ذات الصلة بالإضافة إلى المناصرة لدى السلطات الأخرى من اجل تطبيق المتوفر من القوانين و الاتفاقيات ( مدونة الأحوال الشخصية ، اتفاقية إلغاء جميع أنواع التمييز ضد المرأةhellip;الخ)

**هل من نماذج قامت بها الوزارة دعما للمرأة ـ ورشات تكوين ـ مشاريع تنموية ـ ...؟

هذا السؤال كان الأولى به أن يوجه إلى المصادر العليا في القطاع وبمحكم اشتغالي في الميدان الإعلامي للقطاع ( خلية الإعلام و الاتصال و التهذيب) فأنصحك بالرجوع للموقع الرسمي لوزارة الشؤون الإسلامية و على كل حال تم القيام بالعديد من الو رشات و الأنشطة الاقتصادية مثل quot;مشروع حقوق المرأة و الطفل ، نساء بنك من أجل الترقية الاقتصادية و هو مستوحى من مقاربة quot;كرامين بنك quot; في بنكلادش ، وبعض المشاريع السوسيواقتصادية ( المشاريع المدرة للدخل) .

**بوصفك باحثا في مجال المرأة ما تقييمكم لأداء الحكومة والمجتمع معا في إعطاء المرأة حقها؟

أولا الحقوق تنتزع ولا تعطى إلا أنها حينما تعطى لا ينقص ذلك منها شيئا ففيما يتعلق بالحكومة فهي تساير المجتمع الدولي في اهتماماته وتوجهاته توقع الاتفاقيات و تعمل على تنفيذها ، وفي ما يتعلق بالمجتمع فالراسخ في ثقافته تكريم المرأة وتبجيلها لكن هنالك فرق شاسع بين تكريم المرأة من منطلق أنها ضعيفة وتحتاج إلى المساعدة و بين الانطلاق من فكرة ان هنالك حقوقًا كانت مهضومة ويجب أن تعاد إلى أصحابها.