واشنطن: أدت الملابسات التي أحاطت بإعلان نتائج إنتخابات الإيرانية الرئاسية، وما تمخضت عنه من فوز ساحق حققه الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، إلى إندلاع موجة من الاحتجاجات والعنف الذي لم يشهد مثلها الشارع الإيراني منذ اندلاع الثورة الإيرانية، حيث اعتبرت المعارضة وعلى رأسها المنافس الرئيس مير حسين موسوي أنه قد تم تزوير إرادة الناخبين الإيرانيين، وطالبوا برفض نتائج هذه الانتخابات وإعادتها من جديد، لما شابها من مخالفات كثيرة.

ونظرًا للأهمية الكبيرة التي تمثلها هذه الانتخابات وما ستسفر عنه من نتائج بالنسبة للولايات المتحدة وتعاملها مع إيران خلال المرحلة القادمة، فيما يتعلق بالملفات الشائكة بين الجانبين وعلى رأسها الملف النووي، أولت وسائل الإعلام الأميركية خلال الأسبوع المنصرم مساحة هامة لتغطية الأحداث التي شهدها الشارع الإيراني، وكيف يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تتعامل مع هذه الأحداث؟

حذر أوباما لن يجدي

فمن جانبه أكد جورج ستفانوبولوس في برنامجه quot;This Weekquot; - الذي يذاع على شبكة ABC - أن الإدارة الأميركية في تعليقها على نتائج الانتخابات الإيرانية، وما تبعها من أعمال شغب واحتجاجات، قد اختارت ألفاظها بحذر شديد، وفي هذا السياق استضاف البرنامج حاكم ولاية ماساشوسيتس والمتنافس السابق على بطاقة الحزب الجمهوري لمنصب الرئاسة مت رومني، والذي أكد أن موقف الولايات المتحدة الأميركية تجاه إيران في ظل الإدارة الجديدة برئاسة باراك أوباما قد تغير بشكل كبير.

وفي هذا السياق أكد رومني أن التعليقات التي صدرت عن الإدارة الأميركية خلال الأيام القليلة الماضية حول وجود نقاشٍ جادٍّ حول إيران تعبر عن اتجاه سياسي خاطئ من جانبها، فما حدث أن الانتخابات الرئاسية قد تم تزويرها هناك، والنتائج كانت غير دقيقة، ولم يكتف النظام الإيراني بهذه الأمور، بل إنه عمل على قمع التظاهرات والاحتجاجات التي انطلقت في الشارع بصورة لم يشهدها الإيرانيون منذ فترة كبيرة، ومن ثم كان على الرئيس الأميركي بدلاً من هذه الدبلوماسية التي ظهرت في تصريحاته، وإعلانه عدم رغبته في التدخل في الشأن الداخلي الإيراني، أن يكون حاسمًا في التأكيد على أن النظام الأوتوقراطي في إيران قد ارتكب أخطاء كثيرة في الانتخابات.

ويلفت رومني الانتباه إلى السياسات التي انتهجها أوباما منذ مجيئه إلى السلطة تجاه عديدٍ من الملفات الدولية الشائكة، أثبتت أنها سياسة غير مجدية بالمرة، فكوريا الشمالية ما زالت ماضية في تحديها للمجتمع الدولي، وإيران تتحرك بقوة صوب إنتاج السلاح النووي، كما أن اعتذارات أوباما المتعددة للأوروبيين لم تدفع أيًّا من الدول الأوروبية إلى تقديم مزيد من الدعم العسكري للعمليات الجارية في أفغانستان. ومن ثم يخلص إلى أن الكلام المعسول وانتقاد سياسة الولايات المتحدة الأميركية الخارجية في عهد سلفه بوش، لن يؤدي إلى نشر الحرية في العالم.

وردًّا على هذه الانتقادات التي وجهها رومني لسياسية أوباما الخارجية ذكر ستفانوبولوس أن هناك بعض الآراء التي أكدت أن هذه السياسة التي اتبعها أوباما كانت أحد الأسباب الأساسية في هزيمة حزب الله في الانتخابات التشريعية اللبنانية الأخيرة، وأنها أيضًا كانت أحد الأسباب المهمة في اندلاع الأحداث التي شهدها الشارع الإيراني مؤخرًا، كأحد أشكال الاحتجاج ليس فقط على نتائج الانتخابات الرئاسية، ولكن أيضًا رفض للسياسات التي انتهجها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على مدار الفترة الماضية.

أوباما يضحي بالأمن القومي الأميركي

وعلى هذا الصعيد لفت الحاكم الجمهوري الانتباه إلى أنه لا يستطيع أن يعرف الأسباب الحقيقة وراء ثورة الشارع الإيراني، وما إذا كانت هذه التحركات بمثابة تعبير عن رغبة الشعب الإيراني في رؤية قيادة جديدة للبلاد، ولكن المهم بالنسبة في هذا الإطار كما يشير - رومني - هي النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات ــ حتى الآن ــ وهي فوز الرئيس أحمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية، فهذه النتيجة تشير إلى أن إيران ما تزال مصرة على المضي قدمًا في تنفيذ برنامجها النووية وسياستها الخارجية المناوئة لمصالح الولايات المتحدة الأميركية.

ومن ثم فإن ما طرحه الرئيس أوباما من سياسات ndash; كما يؤكد رومني - قد تكون قوبلت بارتياح في الدخل الإيراني، إلا أنها أثارت كثيرًا من القلق في إسرائيل والعالم أجمع، لأن هذه السياسات تعبر عن تحول كبير في الوعود الانتخابية التي قطعها أوباما على نفسها أثناء حملته الانتخابية، وهنا أشار رومني إلى خطاب أوباما أمام لجنة الشئون العامة الأميركية الإسرائيلية الإيباك، حينما أكد أنه سيبذل قصارى جهده لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، ولكنه بعد ذلك ذهب إلى القاهرة وقال في خطابه لا ينبغي على أي دولة بمفردها أن تمنع دولة أخرى من حقها في امتلاك السلاح النووي، وهذا تغيير كبير وخطير الدلالة من وجهة نظر رومني ، وإذا كانت هذه الكلمات قد قوبلت بالترحاب في كثيرٍ من العواصم العربية والعالمية والدولة الفارسية، إلا أنها تعبر عن خطأ كبير ارتكبته الولايات المتحدة الأميركية، يحمل في طياته كثيرًا من التهديدات للأمن القومي الأميركي والأمن العالمي.

ولكن ستفانوبولوس أيضًا عارض رومني في هذا الطرح، وأكد أن الإدارة الأميركية أكدت أن من حق إيران أن تمتلك الطاقة النووية في ظل الضمانات والإجراءات التي تفرضها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومعاهدة منع الانتشار النووي NPT وليس السلاح النووي، إلا أن رومني أكد أن الرئيس أحمدي نجاد ليس هو الوحيد الذي يطالب ويؤكد على حق إيران في امتلاك القوة النووية، ولكن الجميع داخل إيران يرددون هذه المطالبات، بداية من المرشد الأعلى للثورة وجميع المتنافسين على منصب الرئاسة، وفي هذا السياق أشار إلى أنه بالنظر إلى حق الدول في امتلاك التكنولوجيا النووية فإن هذا أمر لا يمكن إنكاره، ونصت عليه معاهدة منع الانتشار النووي، ولكن إيران تسعى إلى الحصول على التكنولوجيا النووية العسكرية مخالفة لتعهداتها والتزاماتها الدولية.

فوز نجاد في ميزان الشارع الإيراني

أما سوزان مالوني الباحثة في مركز سابان التابع لمؤسسة بروكينغز البحثية ، فقد حاولت في مقال كتبته في صحيفة The Daily Beast الإجابة عن التساؤلات التي دارت حول إمكانية حدوث تزوير في نتائج الانتخابات الإيرانية الرئاسية من عدمه؟ والى أي مدى تم تزوير إرادة الناخب الإيراني؟

في البداية أكدت مالوني أن فوز احمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية مثّل مفاجئة وصدمة كبير، خاصة في ظل الإقبال الكبير الذي شهدته الانتخابات من جانب الناخبين الإيرانيين، هذا الإقبال الذي يضع الكثير من علامات الاستفهام حول رغبة ما يقرب من ثلثي الناخبين الإيرانيين في إعادة انتخاب نجاد لفترة رئاسية ثانية، إذا وضعنا في الاعتبار فترة رئاسته الأولي، والتي لم تجلب على إيران وغالبية أفراد الشعب الإيراني ndash; بكل المقاييس - إلا الكوارث، ومن ثم فإن حسم مسألة فوز احمدي نجاد ما تزال مفتوحة، في ظل الاحتجاجات التي شهدها الشارع الإيراني على مدار الأيام الماضية، لأن هناك الكثير من الشكوك التي تثار في هذا الشأن، نتيجة عدد من العوامل التي أشارت إليها مالوني في مقالتها.

فعلى المستوي الاقتصادي الذي يعتبر المحك الأول بين نجاد وغيره من المرشحين، فقد جاء انتخاب نجاد في ظل تضاعف معدل التضخم الاقتصادي، فضلا عن أن هناك الكثير من الشكوك التي تحوم حول طريقة إنفاق مليارات الدولارات من عوائد النفط هذا من ناحية، كما أن أحمدي نجاد لم يفعل كثيرًا من أجل تحسين جودة الحياة للإيرانيين، فعديدٌ من المكاسب التي حققها الإيرانيون في مجالات الحريات السياسية والاجتماعية في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، قد تم التراجع عن كثيرٍ منها هذا من ناحية ثانية، ومن ناحية ثالثة قام نجاد بدور إقليمي مناوئ، لم يجلب لإيران سوى زيادة الضغوط والعزلة الدولية عليها.

نتائج مزورة لانتخابات

ومن العوامل الأخرى التي ساقتها الباحثة هو أن 82% من الناخبين الآخرين وجدوا بأن هناك اختلافًا كبيرًا بين النتائج الرسمية التي أعلنت للانتخابات وسلوكهم التصويتي الفعلي، فالخريطة الانتخابية الإيرانية شهدت عديدًا من التغييرات في هذه الانتخابات، حيث شهدت إقبالاً كبيرًا من الشباب، الذين يحسبون على التيار الإصلاحي وينتمون للمناطق الحضرية في إيران، وقد كانت هذه الفئة معروفة تاريخيًّا بعدم انخراطها في السياسة مقارنة بهؤلاء المنتمين إلى التيارات المحافظة في الساحة السياسية الإيرانية.

وتضيف مالوني إلى أنه لو أخذنا العامل العرقي والجغرافي في الاعتبار فسوف تزيد علامات الاستفهام حول نتائج هذه الانتخابات، فالمرشح الإصلاحي والمنافس الرئيس لأحمدي نجاد مير حسين موسوي يتحدث اللغة الفارسية واللغة الأذرية بطلاقة شديدة، كما أن المرشح الإصلاحي الآخر مهدي كروبي ينتمي إلى منطقة لوري ستان ، ومن ثم فان الإيرانيين الذين ينتمون إلى هذه الأقليات وهذه المناطق الجغرافية سوف يصوتون لأيٍّ من المرشحين الإصلاحيين، ولكن النتائج الرسمية التي تم الإعلان عنها في هذه المناطق أوضحت فارقًا كبيرًا في نسبة التصويت لصالح الرئيس الإيراني الحالي نجاد. هذه العوامل دفعت مالوني إلى التأكيد على أن نتائج الانتخابات الإيرانية تم سرقتها وتزويرها بدون أي مبررات عقلانية منطقية.

وعلى صعيد مختلف لفتت مالوني الانتباه إلى أن الكرة الآن في ملعب الإصلاحيين، خاصة المنافس الرئيس لنجاد موسوي وغيره من أقطاب التيار الإصلاحي في إيران، فقد اعتبر هؤلاء أن الانتخابات شابها كثيرٌ من المخالفات، ومن ثم هل ستكون لديهم القدرة والجرأة على كشفها وعدم الخضوع للأمر الواقع، من خلال تشجيع أنصارهم على التظاهر والنزول إلى الشارع والاستمرار في الضغط حتى يصلوا إلى ما يصبون إليه، لان التاريخ السياسي الإيراني منذ اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979 يشير إلى أن كثيرًا من السياسيين الإيرانيين يترددون في مسألة النزول إلى الشارع والانخراط في الحركات الاحتجاجية الشعبية، من أجل تصعيد الضغوط السياسية على النظام، هذا فضلاً عن أن الأوضاع الداخلية في إيران الآن تسير في اتجاه عدم تطور هذه التحركات لتكون على مستوى أكبر، لأن كثيرًا من قوات الأمن الإيرانية هناك قد تم حشدها من أجل الاستعداد لمواجهة أي تصعيد من جانب الجماهير، كما أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية أصدر تحذيرًا إلى الجماهير بعدم معارضة نتائج الانتخابات، علاوة على أن النظام الإيراني في الوقت الحالي مستعد لقمع أي تظاهرات أو حركات احتجاجية على المستوى الجزئي.

أميركا هي الخاسر الأكبر

وفي نهاية التحليل أكدت مالوني أن هذا الوضع الذي أسفرت عنه الانتخابات الإيرانية يمثل السيناريو الأسوأ بالنسبة لإدارة الرئيس باراك أوباما، فاستراتيجية أوباما في الحوار ndash; في الأصل - لم تكن قادرة بأي حال من الأحوال على التنبؤ بشخصية الرئيس الإيراني القادم، والذي هو بدوره ليس القائد الفعلي للبلاد، وإنما المرشد الأعلى، ولكن كان فوز رئيس محسوب على التيار الإصلاحي كان من الممكن أن يوفر مزيدًا من الفرص لنجاح الحوار بين الدولتين.

ولكن مالوني أكدت أن ما شهده الشارع الإيراني مؤخرًا يؤكد أن الرئيس أحمدي نجاد لم يحظ بفوز انتخابي مقنع لكثيرٍ من أفراد الشعب الإيراني، مما يضع كثيرًا من الصعوبات والتحديات أمام مقاربة أوباما للتعامل مع إيران، حيث كان من الممكن ndash; إذا كان نجاد قد حقق نصرًا انتخابيًّا مستحقًا غير معترض عليه من الإيرانيين - أن يتعامل مع حكومة إيرانية متماسكة، مما يزيد من فرصها في إمكانية الإقدام على إحداث تحولات جذرية في سياساتها وتقديم بعض التنازلات التاريخية.

ولكنها رأت أن الوضع اختلف كثيرًا في الوقت الراهن، فهذه الانقسامات التي شهدها الشارع الإيراني والساحة السياسية الإيرانية حول نجاح أحمدي نجاد، سوف تؤدي إلى وجود حكومة منقسمة غير موحدة، الأمر الذي سيدفع القائمين عليها إلى محاولة إثبات الشرعية للمؤسسات السياسية القائمة والسعي إلى استعادة السيطرة على زمام الأمور في البلاد، وهذا سوف يحد من حركة الدولة وقادة النظام الإيراني في مسألة تقديم تنازلات فيما يتعلق بالملفات الخلافية بين الجانبين خاصة البرنامج النووي ودعم الحركات الإرهابية، هذه الأوضاع تفرض على أوباما المضي قدمًا في سياساته، التي طرحها للتعامل مع إيران واضعًا في الاعتبار الانتصار الكبير الذي حققه نجاد حتى الآن في الانتخابات.