موسكو: لا يزال ميثاق عدم الاعتداء الذي وقعته المانيا والاتحاد السوفياتي عشية الحرب العالمية الثانية يشكل قضية محرجة لروسيا المعاصرة في الوقت الذي تسعى فيه موسكو الى اعادة تأكيد الدور الرئيسي الذي قام به الاتحاد السوفياتي في هزيمة النازية.

ففي عام 1939 وقع الاتحاد السوفياتي بزعامة ستالين والمانيا بزعامة هتلر ميثاق quot;مولوتوف-ريبنتروبquot; الذي ادى عمليا بعد اسابيع الى تقسيم بولندا والى اجتياح الاتحاد السوفياتي لدول البلطيق، ليتوانيا ولاتفيا واستونيا.

كما اتاحت هذه المعاهدة، التي تتضمن شقين رئيسيين احدهما ينص على الحيلولة دون ان يعلن اي من البلدين الحرب على الاخر والاخر سري يقسم الاراضي الواقعة بينهما الى 12 منطقة نفوذ، لادولف هتلر خوض غمار الحرب دون اي قلق من تدخل الاتحاد السوفياتي.

ويرى الكثير من المؤرخين الغربيين ان هذا الميثاق كان محاولة وقحة من ستالين للبقاء بمنأى عن الحرب مع الاستيلاء في الوقت نفسه على اراضي جديدة. وعلى العكس يرى العديد من الخبراء الروس في هذه المعاهدة تجسيدا لنموذج سياسة الواقع (الريلبوليتيك) الحكيمة.

وقال لولي كفيتسينسكي مساعد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الدوما ان هذا الميثاق quot;كان ملائما وضروريا ومشروعا بالنسبة لظروف هذه الحقبة وواقعيا من وجهة النظر الاستراتيجيةquot;.

واعتبر ان quot;اي سياسي غربي في مكان ستالين كان سيفعل الشيء نفسهquot;.

وتقول المخابرات الخارجية الروسية ان هذه المناورة كان لا بد منها لمنع هتلر من السيطرة على دول البلطيق تمهيدا لمهاجمة روسيا من موقع افضل.

وتتبنى وسائل الاعلام الروسية هذه النظرية بمناسبة الاحتفال بالذكرى السبعين لتوقيع هذه المعاهدة الاحد 23 اب/اغسطس.

وكتبت صحيفة quot;روسيسكايا غازيتquot; الروسية الرسمية السبت quot;منذ 70 عاما نجحت موسكو بفضل جهودها الدبلوماسية في تأجيل بداية الحرب الوطنية العظمى (التسمية التي تطلق على فترة الغزو الالماني الذي بدأ عام 1941) لمدة عامينquot;.

لكن في الوقت نفسه يغفل القادة السياسيون الروس تماما ذكر هذا الميثاق وان كانوا لا يكفون منذ اشهر عن الشكوى من التهميش المطرد في اوروبا لدور الاتحاد السوفياتي في سقوط هتلر.

في المقابل لا تزال دول البلطيق وبولندا تعتبر هذه المعاهدة ذكرى مريرة لتجاوزات النظام الستاليني.

فقد وقع الميثاق في 23 اب/اغسطس 1939 وفي الاول من ايلول/سبتمبر التالي شن هتلر هجومه على بولندا مطلقا شرارة الحرب العالمية الثانية في الوقت الذي دخل فيه الجيش الاحمر شرق بولندا في 17 من الشهر نفسه.

ويدين مشروع قرار اخير لمنظمة الامن والتعاون في اوروبا مقدم من ليتوانيا وسلوفينيا الحركتين النازية والستالينية معا مقترحا ايضا جعل يوم 32 اب/اغسطس مناسبة لتكريم ذكرى ضحاياهما.

ويرى المؤرخ الروسي الكسندر شوباريان ان الميثاق الالماني السوفياتي نموذجا للسياسة الوقحة التي كانت بالفعل وراء اتفاق ميونيخ الذي ابرمته عام 1938 كل من المانيا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا والذي شكل وثيقة وفاة لتشيكوسلوفاكيا كدولة مستقلة.

وقال في مناقشة عامة نظمتها وكالة انباء ريا نوفوسيت quot;اعتقد ان كل الاطراف- بريطانيا، الاتحاد السوفياتي، فرنسا- كانت تفكر اكثر في مصالحها الوطنية الخاصة مستهينا بوضوح بخطر الفاشية عليها وعلى العالم اجمعquot;.