يعتبر تاريخ برتراند راسل للفلسفة الغربية * من أهم الأعمال في فلسفة القرن العشرين. ويمكن ان يُقرأ هذا الكتاب الذي نشره راسل في عام 1946 وأُعيد طبعه في عام 1999 بطرق متعددة، منها ان يُستخدم "تاريخ الفلسفة الغربية" بوصفه موسوعة فلسفية ليس حسب الحروف الأبجدية بل وفقا للتسلسل الزمني. وفي الحقيقة ان كثيرين، لا سيما طلاب الفلسفة، يستخدمون كتاب راسل وكأنه موسوعة مرجعية يبحثون في فهرسها عن فيلسوف معين واحيانا عن موضوعة معينة ثم يقرأون تلخيصات راسل الطريفة للافكار الفلسفية العظيمة وأصحابها. كما يمكن ان يُقرأ الكتاب، مثلما طلب راسل نفسه، كعمل في التاريخ الاجتماعي يقارن ويشرح اتجاهات عامة ليس في الفلسفة وحدها بل في الحضارة البشرية. ولكن قلة يستخدمون الكتاب كما يوصي راسل. وأخيرا يمكن ان يُستخدم "تاريخ الفلسفة الغربية" مادةً مهمة للقراءة، يُقرأ كل فصل في اسبوع لمدة 18 شهرا. ولا شك في ان كثيرين يشترون الكتاب بهذه النية لأن كتاب راسل عمل ضخم زاخر بالوقائع ومن الصعب قراءته كما تُقرأ الكتب الأخرى.
يعترف راسل في مقدمة الكتاب بأنه ليس خبيرا متضلعا بأي من الفلاسفة الذين يعلق على افكارهم في الكتاب باستثناء لايبنتز. لكنه يحاول توحيد الاختصاصات المختلفة في مهمة معقدة دفعته الى إدراج الفلاسفة تحت عناوين مختلفة. وهكذا يفضي ديكارت مثلا الى الليبرالية وروسو الى النازية، بحسب تصنيف راسل. وأكبر مأخذ على عمل راسل الضخم هو اغفاله أي دور للفلسفة الشرقية. فهي تُنحى جانبا بوصفها مجرد رأي بلا بنية فكرية. &كما ان راسل رغم تناوله المستفيض لليونان القديمة أغفل زينون الإيلي. ويلاحظ الناقد مارتن كوهين في مجلة "الفيلسوف" ان راسل فاته ان يتناول حتى تلميذه المشاكس لودفيغ فيتنغشتاين، ربما بسبب مشاكسته استاذه تحديدا، مع انه يدرج فلاسفة آخرين من اوائل القرن العشرين مثل الاميركي جون ديوي الذي يقول راسل عنه انه قريب من تفكيره. ولكن هناك طريقة أخرى لقراءة "تاريخ الفلسفة الغربية" هي الاستمتاع بقراءته بوصفه حقا حديقة ازهار أدبية فكرية يتجول فيها القارئ متى ما يشاء. وينصح الناقد كوهين بوضع الكتاب على منضدة وتركه ينشر أريج ازهاره بدلا من قطفها زهرة تلو اخرى. فهو مجموعة زاهية ومنعشة من افكار راسل على مدى حياة كاملة من التنقيب في منجم الفلسفة واستكشاف معادنها الثمينة التي لا يقدرها المتعالمون وادعياء الفلسفة، بمن فيهم البعض ممن يدرسون الفلسفة في جامعات غربية اليوم. وهكذا يضيف راسل في كتابه كل الشذرات المثيرة التي فاتت على الأعمال الفلسفية الأخرى متعللا بوضع الفلاسفة الذي يتناولهم في "سياقهم الاجتماعي"، وهو ما يريد القارئ ان يعرفه لكنه كثيرا ما يُحرم من معرفته. ومن ذلك ان طاليس أصر على ان العالم يتكون من الماء حصرا ولكن بأشكال مختلفة وان كانط كان يعتقد ان هناك حياة عاقلة في جميع الكواكب التي تضمها منظومتنا الشمسية وان هذا العقل يكون اكبر كلما ابتعد الكوكب عن الشمس، وان فرانسيس بيكون مات بعد اصابته بنزلة برد حين كان يحشو دجاجة بالثلج....
ويطلق راسل العنان لقلمه مقدما أمثلة بمهارة تخفي عمق افكاره ويستطلع زوايا لا يستطيع الموسوعيون الآخرون ان يصلوا اليها. ومن الطرائف الفكرية في الكتاب ان راسل بعد هجوم كاسح على نيتشة يتخيل هذا الفيلسوف في سجال محتدم مع بوذا على ابواب السماء حول ما إذا كان الجمال والطيبة أنبل من القسوة والألم. &
يتفق فلاسفة القرن العشرين على ان "تاريخ الفلسفة الغربية" من أهم اعمال برتراند راسل وأبلغها تأثيرا رغم ان عمله الأساسي كان في حقل الرياضيات والمنطق. وتظهر اهتماماته بهذا الحقل بين ثنايا الكتاب &كما على سبيل المثال في النقد الذي يوجهه الى ارسطو من وجهة نظر منطقية محضة. ويكتب الناقد مارتن كوهين في مجلة "الفيلسوف" ان مشكلة راسل انه لا يعرف متى يتوقف وان العيب في "تاريخ الفلسفة الغربية" انه عمل طموح بافراط مثل صاحبه. ولكنه يبقى نتاجا فكريا متقدما على كل الأعمال الأخرى في هذا المجال.&
&
* هناك ترجمة عربية جيدة صدرت في سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية
&
&
الفصل الثالث: ماكيافالي
&
&