على مدار أكثر من خمسين عاما، لم يعرف سالم كايد العبادي عملا آخر غير الإذاعة والإعلام، وخلال هذه السنوات الطويلة، صدح صوته عبر ميكروفون بي بي سي كأحد أبرز الأصوات الأردنية في الإذاعة منذ عام 1987 حتى غادرها في 2020، ثم وافته المنية صباح السبت 14 ديسمبر / كانون الأول الجاري في لندن.
ولد العبادي في منطقة الصبيحي في الأردن عام 1949 واستكمل دراسته الإعدادية والثانوية فيها، إلى أن انتقل إلى لبنان للدراسة الجامعية هناك، وتخرج في جامعة بيروت العربية كلية الآداب قسم اللغة العربية.
استهل العبادي، أو أبو كايد كما كان يلقبه زملاؤه، مسيرته المهنية بالعمل محررا وصحفيا ومذيعا في الإذاعة الأردنية عام 1970.
وتخبرنا زوجته أسماء العبادي والمعروفة بـ"أم كايد" بأنه كان دائما يتذكر اليوم الأول الذي عمل فيه كمذيع في الإذاعة الأردنية، "وقتها تغيب أحد المذيعين لظرف طارئ وطلب مديره منه قراءة النشرة على الهواء. ظل يتساءل عن أدائه إلى أن طلب منه المدير أن يصبح مذيعا بشكل دائم بعد هذه التجربة".
تقول أسماء إن أكثر ما يميز مسيرة زوجها المهنية هو "الإرادة والتصميم على أن يصنع نفسه بنفسه". تقول: "كان سالم يتيما منذ أن كان عمره عاما واحدا، والتحق في المرحلة الإعدادية والثانوية بكلية الشهيد فيصل الثاني التابعة لقسم الثقافة في الجيش العربي الأردني في عمان، وهي كانت مجانية للأيتام، وكان دائما يشعر بالفخر أنه بدأ من الصفر إلى أن وصل لبي بي سي".
في عام 1987، التحق العبادي بهيئة الإذاعة البريطانية بنظام الإعارة مبعوثا من وزارة الإعلام الأردنية، فعمل فيها صحفيا ومحررا ومذيعا، كما كان في تلك الفترة أيضا يعمل كمراسل لوكالة الأنباء الأردنية ومجلة "صوت الشعب".
في منتصف التسعينيات، انتقل للعمل في إذاعة إم بي سي، وذلك بين بريطانيا والإمارات العربية المتحدة، قبل أن يعود للعمل في بي بي سي عام 2003 .
تقول زوجته لبي بي سي: "كان جورج قرداحي مديره المباشر أثناء عمله في إذاعة إم بي سي، وعشنا فترة من حياتنا في دبي، لكن اضطررنا للعودة إلى بريطانيا بسبب دراسة الأولاد".
"جاء ومعه رائحة الأردن"
عندما التحق العبادي ببي بي سي، استقبله زملاء أردنيون كثر وعلى رأسهم المذيع المخضرم، علي أسعد، الذي يقول لبي بي سي: "سالم كان من عشيرة العبابيد الأصلاء، أتذكر أني وزملائي الأردنيين من بينهم سامي حداد وجميل عازر استقبلناه عندما جاء من الأردن إلى بريطانيا، فهو جاء ومعه رائحة الأردن، رائحة البلاد".
ويتذكر أسعد مواقف طريفة جمعته مع ابن بلده قائلا: "كانت علاقتي به تمتزج فيها الحميمية والمزاح، فهو كان يناديني بــ "أبو شركس" وأرد عليه بـ "يا شيخ" وهي كلمة كبيرة في الأردن تعني علو المقام. كنا نتقاسم ثمن الغربة من خلال الدردشة للترويح عن أنفسنا، وكانت النكتة على رأس لسانه".
عمل العبادي مع غالبية مذيعي بي بي سي، من بينهم الإذاعية، نجوى الطامي، التي تقول إن العبادي كان يتمتع بالشهامة العربية الأصيلة، فكان بحسب وصفها، كريم الأخلاق وراقيا في معاملة الآخرين. تقول: "ينادينا دائما الست فلانة، ويتكلم عن ابنته شوق بفخر واعتزاز. يعطي النصيحة برفق ويتلطف وقت شدة الأعصاب عندما تتفجر الأحداث والأنباء. يساعد الجميع بتواضع، ولا يدخل في مهاترات او مجادلات لا جدوى منها، ومع ذلك كان لديه رأي ورؤية".
أما عادل سليمان، المدير السابق لإذاعة بي بي سي، الذي عمل مع العبادي على مدار السنوات العشر الأخيرة قبل إغلاق إذاعة بي بي سي، فيصف العبادي "بالإذاعي الشامل" الذي مارس كل فنون العمل الإذاعي المتاحة صحفيا ومخرجا ومذيعا. ويقول سليمان إن العبادي "كان حريصا ومنفتحا على المساهمة في تطوير العمل الاذاعي خلال تحولها الرقمي في عقدها الأخير وكان يرحب بكل ما هو جديد ومبتكر بحماسة وهمة وإخلاص".
ويرثي فؤاد عبد الرازق، أحد أبرز مذيعي بي بي سي، العبادي الذي عمل معه لأكثر من 20 عاما، بنبرة حزينة: "من سيسألنا السؤال الذي طالما عرف به أبو كايد وهو "من حبيبك؟" فعندما كان يسألني هذا السؤال: أجيبه أنت... الآن أقول ستظل في القول حبيبا وذكراك خالدة بأخلاقك وبشاشة وجهك وبساطتك وعفويتك".
ويضيف عبد الرازق أن العبادي كان رجلا طيب الخلق إلى حد أنه " إذا شعر بأنه أغضب أحد يذهب لتقبيل رأسه لمراضاته، فهو كان شخصية نادرة في بي بي سي".
ويشير عبد الرازق إلى كتاب "خمسون عاما وراء المايكروفون" الذي نشره العبادي قبل نحو عامين وتضمن سيرته الذاتية، واحتفل بإصداره في مسقط رأسه الأردن مشيرا إلى أنه كتاب مفيد وإضافة للمكتبة العربية والإعلامية.
زوج صديق وأب مخلص
للعبادي أربعة أبناء، نجلان وكريمتان، من بينهما الصحفي في تلفزيون بي بي سي إبراهيم العبادي الذي يصف والده "بشريان حياته والسند الوحيد". ويضيف ابراهيم أن والده أول من علمه اللغة العربية حتى نجح في الالتحاق بالبي بي سي ليلحق بركب والده في العمل الصحفي.
يقول: "كان أبي يتسم بالإيثار الشديد، يفكر في وأخواتي قبل أن يفكر في نفسه. كانت السماحة تملأ وجهه وبراءة الأطفال تتجلى في شخصيته".
أما زوجته، فتصفه بالصديق لا الزوج فحسب، وتشير إلى أنهما بعد فترة تقاعده من بي بي سي سافرا لأكثر من دولة أوروبية لقضاء إجازات، كما أنه كان يزور بلده الأردن كثيراً في السنتين الماضيتين.
التعليقات