نكتشف من الوثائق التي نشرت في اطار فضيحة ما يدعى بأوراق بنما أن شركة موساك فونسيكا ساعدت غاليري فني في نيويورك في الدفاع عن نفسه أمام دعوى قضائية رفعتها اسرة تقول إن الغاليري يمتلك عملا فنيا مهما سرق منها عند دخول النازيين مدينة باريس في عام 1940 خلال فترة الحرب العالمية الثانية وهي تطالب باسترجاعه. والعمل هو لوحة "الرجل الجالس" لموديلياني ويقدر سعرها ب 25 مليون دولار رسمها الفنان في عام 1918 ونرى فيها رجلا جالسا يضع يديه على عصاه. وتحولت قصة سرقة هذه اللوحة ثم عودتها الى الظهور مجددا الى رمز يجسد مصير عدد كبير من الكنوز الثقافية التي نهبت خلال الحرب العالمية الثانية. وتقول الاسرة التي تطالب باسترجاع اللوحة إن العمل كان ملك اوسكار ستيتنر وهو يهودي وكان صاحب غاليري في باريس في ذلك الوقت وقد اضطر الى الفرار من المدينة اسابيع قبل دخول النازيين وتمكن من نقل زوجته واطفاله الى منطقة دوردوني الفرنسية ولكنه لم يستطع نقل مجموعته الفنية التي كانت في الغاليري والتي استولى عليها النازيون لاحقا. وبعد الحرب راحت الاسرة تبحث عن المجموعة ولكنها لم تجد أثرا للوحة موديلياني. وفي عام 2008، ظهر العمل فجأة في مزاد سوثبي في نيويورك حيث عرضه للبيع غاليري يحمل اسم "هيلي ناهماد" ويديره وريث اسرة معروفة في مجال تجارة الفن في العالم اسسها شقيقان هما ديفيد وعزرا ناهماد وتمكنا من تحقيق ارباح تقدر بمئات الملايين من الدولارات من بيع وشراء اعمال لاهم الفنانين في العالم. وصاحب الغاليري هو ابن ديفيد واسمه هيلي ناهماد وهو رجل امضى الكثير من وقته يلعب البوكر قبل ان يسجن في 2014 بسبب ادارته العاب قمار غير قانونية داخل شقته في ترامب تاور.&
في هذه الاثناء كان حفيد ستيتنر ووريثه الوحيد واسمه فيليب مايستراتشي مقتنعا بان عمل موديلياني الذي عرض في المزاد هي اللوحة التي كانت ملك اسرته علما ان مزاد سوثبي لم ينجح في بيعها في ذلك الوقت بسبب الشكوك التي حامت بشأن مصدرها. وبعد ذلك بدأ مايستراتشي مساع قانونية لاستعادة اللوحة من غاليري ناهماد الذي بذل كل الجهود الممكنة للاحتفاظ بها وبرر الامر بطريقة مثيرة للاستغراب، إذ قال ان غاليري ناهماد لا يملك اللوحة اساسا بل هي ملك شركة مركز الفن الدولي International Art Center SA التي انشئت في بنما في عام 1995 ما يعني أنه لا يمكن مطالبة الغاليري باستعادة لوحة موديلياني في نيويورك.&
واليوم ومع نشر اوراق بنما طرحت تساؤلات جديدة بشأن هذه القضية لأن الاوراق ذكرت عشرات اللوحات المنسوبة الى عدد من كبار الفنانين العالميين بدءا بكلود مونيه وانتهاءا بداميان هيرست مع وثائق تشير الى صفقة ابرمت في مزاد كريستي في التسعينات حولت الفن الى سلعة. ووفقا للوثائق قامت شركة اوفشور يشرف على حساباتها ملياردير تجارة العملات جو لويس بشراء اهم الاعمال الفنية في اطار اتفاق سري ابرم مسبقا. وفي اليوم نفسه وقعت الشركة عقدا لطرح هذه الاعمال في مزاد كريستي ولتسويقها باسم مجموعة غانز، Ganz. وحققت عمليات البيع في المزاد اسعارا عالية جدا وأدت في الوقت نفسه الى تعزيز سمعة صالة كريستي العالمية. ويذكر هنا ان كل هذه الصفقات تمت بشكل قانوني ولا شئ فيها يشير الى وجود مخالفات.&
ونعود الى لوحة موديلياني حيث تكشف اوراق بنما أن عزرا ناهماد هو الذي أسس مركز الفن الدولي فيما تقوم بإدارة شؤونه شركة قانونية مقرها جنيف. وتظهر وثائق موساك فونسيكا انه تم تحويل نصف اسهم المركز باسم ديفيد ناهماد في عام 2008 ثم تم تحويل النصف الثاني باسمه ايضا في عام 2014. ويقول محامو مايستراتشي إن المركز ليس سوى شركة تابعة نائمة وان محاولة فصلها عن غاليري ناهماد امر في غاية السخافة. ومع ذلك، أكد محامو ناهماد ايضا انه يجب عدم رفع دعوى قضائية او الدخول في اجراءات قانونية داخل الاراضي الاميركية لأن اللوحة غير موجودة اساسا في نيويورك ولأن مقر مركز الفن في بنما وليس في نيويورك كما قالوا ان المركز كان قد اشترى اللوحة بحسن نية في أحد المزادات.&
وتظهر اوراق بنما ان شركة موساك فونسيكا جاهدت لاثبات ان المركز موجود في الخارج "اوفشور" وان المسألة تقع بالتالي خارج نطاق المحاكم الاميركية. وكشفت الاوراق ايضا عن ان محامي غاليري ناهماد حاولوا تحديد الشخص او الاشخاص الذين يمكنهم توقيع أوراق رسمية باسم مركز الفن علما ان استخدام افراد من اسرة ناهماد تواقيعهم يعني انهم يربطون انفسهم بالمركز الموجود في بنما ولذا لم يتورط منهم احد في هذا الامر. وتذكر الاوراق في اشارة الى "عنوان لوحة معينة" أن محامي ناهماد في نيويورك أرسل ايميلات الى محام آخر يسأله "إن كان يملك صلاحية توقيع اوراق رسمية باسم المركز"، مضيفا "وإن كنت لا تملك هذا التخويل فارجو اعلامنا باسرع وقت ممكن بهوية من يملك صلاحية توقيع اوراق باسم المركز مع تزويدنا بجميع المعلومات الخاصة بكيفية الاتصال به". ورد المحامي الثاني بالقول إن الوثائق يجب ان يوقعها مدراء الشركة في بنما. وهنا يبدو ان مكتب بنما قدم لائحة باسماء المدراء والمسؤولين في الشركة وكانت النتيجة ان جميع المدراء العاملين هناك قاموا بتوقيع الاوراق مقابل مبلغ بسيط. هذا وامتنع متحدث باسم شركة موساك فونسيكا عن التعليق على قضية ناهماد وقال "لا يمكننا اعطاء اجوبة على اسئلة تتعلق بقضايا محددة لان ذلك سيمثل انتهاكا لسياساتنا والتزاماتنا القانونية بالحفاظ على أسرار وخصوصيات الزبائن".
والان، تستمر القضية في مسالك وممرات نظام المحاكم في نيويورك فيما تواصل قيمة اعمال موديلياني ارتفاعها وقد دفع جامع الفن الصيني ليون ييكيان العام الماضي مبلغ 170.4 مليون دولار للوحة موديلياني "المستلقية العارية".&
أما لوحة "الرجل الجالس" التي لم يتمكن عارضها من بيعها في مزاد سوثبي في عام 2008 فقد نقلت كما يبدو الى مستودع تابع لمركز الفن الدولي لا يخضع لنظام الضرائب ويقع قرب مطار جنيف في سويسرا. &
وفي عام 2007، ذكرت مجلة فوربس الخاصة بالاعمال ان في المستودع 5 الاف عمل فني تقريبا تقدر قيمتها بما بين 3 الى 4 مليار دولار بينها 300 عمل لبيكاسو يصل سعرها لوحدها الى 900 مليون دولار.&
ويبدو ان اسرة ناهماد تقر من جهتها بأن مئات اللوحات مخبأة هناك وبالفعل داخل مستودع جنيف ووصف ابن عم هيلي ناهماد المقيم في لندن الامر في احدى المرات بالقول "كما لو أن مؤلفا موسيقيا وضع معزوفة لا يسمعها احد".