خالد طه من الدوحة:اذا اراد انسان في البلاد العربية - مهما بلغت كفاءته ومؤهلاته - الى شغل وظيفة صغيرة او كبيرة فلا بد من واسطة واذا اراد طالب الالتحاق بالكلية العلمية التي يحلم بها فلا بد من شفاعة واذا اراد ثالث ان يقضي بعض الاعمال في احدى الدوائر الحكومية ايضافلا بد له من واسطة او محسوبية تمهد له الطريق وتبعده عن تيار البيروقراطية الجارف.

وقد تاخذ الواسطة منحنى خطير حينما تقف حجر عثرة امام الخبرات المتميزة التي تجبرها على مغادرة الميدان لتركه امام فارغي العقول او الدهماء والرحيل الى بلاد العم سام او اوروبا وهذا ماحدث بالضبط لاحدى الكفاءات الطبية النادرة في احدى الدول العربية حيث قوبل طلب توظيفه بالرفض التام دون الالتفات الى خبرته وكفائته ما جعله يرحل الى غير رجعة والاستقرار في احضان بلاد الراين (المانيا) التي استفادت من علمه الغزير.

وتعتبر الواسطة احد مظاهر الفساد الاداري وقد اتسع نطاقها في الوقت الحاضر في عموم المؤسسات العربية حتى اصبحت تعرف باسمها العربي في المراجع الأجنبية Wasta

ومن الجوانب المخيفة لهذه الظاهرة هو عجز بعض المؤسسات عن تقديم الخدمات المناطة وهو ما يدفع بعض المراجعين الى البحث عن واسطة لتسهيل الحصول على بعض الخدمات وهنا مكمن الخطورة بمعنى اخر ان الواسطة لا تقتصر على الحصول على وظيفة وانما انتشرت فطالت المؤسسات الخدمية المقدمة للجمهور

** تعريف الواسطة

تعرف الواسطة بتدخل شخص ما لدى جهة اخرى لتسهيل مهمة او قضاء حاجة شخص اخر مقرب ذو حسب او جاه او مال وتسمى احياناً المحسوبية، وأياً كان الاسم فإن النتيجة واحدة، وهناك نوعان من الواسطة واسطة محمودة وواسطة مذمومة.

فالواسطة المحمودة أن تساعد شخصاً ما للحصول على حق يستحقه أو اعفائه من شرط لا يجب عليه الوفاء به أو تساعده في الحصول على حق لا يلحق الضرر بالآخرين، أما الواسطة المذمومة فهي ان تقوم بهذا الدور لحصوله على حق لا يستحقه أو اعفائه من حق يجب عليه دفعه مما يلحق الضرر بالآخرين، وقد اشار إليها القرآن الكريم حيث قال تعالى:

( من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها )

يؤكد محمد درزادة ان الواسطة تلعب دورا محوريا في الحصول على الوظيفة سواء في القطاع العام او الخاص القطري ويرى حسين الصايغ ان الواسطة موجودة الى حد ما في بعض المؤسسات بينما مؤسسات اخرى تحكمها قوانين الكفاءة ويشير على محمود الى ان الاغلبية العظمى من الشركات والمؤسسات تعتمد مبدا الواسطة قبل الخبرة مؤكدا انه في حال فقدان الواسطة فان الوظيفة متعذرة

ويرى عبدالله ان الكثير من المؤسسات المرموقة في قطر تعتمد اعتمادا كبيرا على الواسطة في تعيين كوادرها فاذا لم يكن لدى الشخص المتقدم للوظيفة واسطة فان دخول تلك المؤسسة ضرب من المستحيل دون النظر الى المؤهل والخبرة والكفاءة.

** قتل الكفاءات

ويؤكد هلال المهندي ان الواسطة منتشرة بشكل لافت للنظر في الكثير من الشركات والمؤسسات الحكومية منوها على وجوب مكافحتها بشتى الوسائل والطرق و القضاء على هذا الوباء الخطير الذي بات يهدد بشر مستطيرلأنه سوف يترتب عليه بلا ادنى شك قتل للكفاءات العلمية المتميزة واغتصاب فرصهم في الحصول على حقوقهم المختلفة واتاحة الفرصة للجهلاء المتطفلين الذين يتسلقون فوق ظهور غيرهم من المجتهدين المستحقينsbquo;

واضاف ان الواسطة خطر يداهم حاضرنا ومستقبلنا في كل لحظة وكل ساعة دون ان نشعرsbquo; وينبغي علينا كمجتمعات مسلمة تؤمن بالله وحده وبرسوله وباليوم الآخر ان نعتبر هذا الكلام ملزما لنا وليس مجرد امر وحده اختياري ان شئنا اخذناه وان لم نشىء تركناه لأن الكلام هو حكم الدين الذي نستظل تحت رايته حتى قيام الساعة

ويقول اخر اذا اردت قضاء مصلحة ما يفاجئك أحدهم بالسؤال التاريخي تعرف أحد..؟ وربما يرغب منك البعض التوسط فيما يشغله من أمور ولو كانت سهلة وهينة وفي المتناول كأن يطلب منك مثلاً مساعدته للاتصال على من يهمه الأمر للحصول على نتيجة ابنه أو ابنته قبل إظهارها بيوم واحد وربما بساعات فلا يهم ما دمت تعرف أحد ويشير الى إن مثل تلك الممارسات ولدت الاتكالية لدى الكثير من الناس فلا ضير في تأخير الحجوزات، أو حصول الأبناء على نسب متدنية.. أو القيادة بدون رخصة أو السرعة.. أوتجاوز القواعد والأنظمة ما دام أن هناك من يعرف أحد.

ويرى ان امر الواسطة يرتبط بأمرين لا ثالث لهما،الأول يتعلق بضعف الوعي الاجتماعي لدى البعض وبالتالي عدم تقديرهم لعواقب مثل هذه الممارسات غير السوية سواء على الفرد أو المجتمع.

و الأمر الثاني لا يخرج عن نطاق النظام المتبع في بعض المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، والتي تعاني من غياب المعايير الدقيقة وسوء البناء التنظيمي والذي يؤدي في الغالب إلى تفشي البيروقراطية وطول الإجراءات وعدم تحديد المسئولية وغلبة المصالح الشخصية، وعدم توافر نظام رقابي دقيق يضع الجميع تحت المحاسبة.

ويرى محمد الاحمد ان الواسطة موضوع في غاية الحساسية واضاف كم وكم نشاهد في الكثير من مجالات العمل وخاصة المجال الوظيفي في المؤسسات الخاصه وتجاهل الآيادي العاملة والتي تبحث عن الإبداع في شتى الاماكن

وقال عبدالرب عبدالرحمن إن مشكلة الوساطة والمحسوبية لاتكمن فى مساعدة البعض، وإلا كان هذا الفعل من أفعال الخير، لكن الأمر يتعدى هذا لفعل الشر، باقتناص حقوق البعض، وإعطاء حقهم لمن لايستحق !، فتضيع بذلك المعايير السليمة وتختفى القدرات الفذة والمواهب المبدعة والعقول المفكرة المبتكرة، ويحل محلها ويقتنص حقها غيرهم ممن لايملكون من تلك القدرات شيئاً، معتمدين على الواسطة والمحسوبية وهلم جرا، فيخسر المجتمع أبناؤه المخلصين ويالها من خسارة فادحة.

واضاف إن تفعيل القانون أمر واجب، ووضع الرجل المناسب فى المكان المناسب، هو أول شرط من شروط التقدم والنهوض والرقى بالأمم والمجتمعات، وهو مايسعى الجميع إليه، ويعولون عليه.

وتقول احدى المقيمات ان الواسطة اصبحت داءا مجتمعيا لا احد يستطيع انكاره وهو ما يسبب الاحباط خاصة للشباب اي يتحول الحلم الى سراب والامل الى يأس والفرح الى شقاء والنشاط والحيوية الى كسل وخمول وتتولد لديهم مشاعر الغربة وعدم الانتماء الى مجتمعهم وبلادهم وكثيرا ما يؤول بهم الحال في نهاية المطاف الى الانتحار لوضع حد لتلك الحياة البائسة بدلا من ان يحيا كجسد بلا روح وكقلب بلا نبض وكلحن بلا عازف وكنهر بلا ماءsbquo;

*** فيروس خطير

ويقول على الخليفي أن الواسطة قضية شائكة للغاية ومتداخلة الاطراف فهي فيروس خطير يضرب في جذور المجتمع وأعماقه بكل شراسة ووحشية فيترتب علي ظهورها عدم وجود تكافؤ فرص وموت للضمائر وضياع للحقوق بين الناس وانتشار الظلم والفساد إنها ظاهرة من اختراع أولئك الناس الذين يرفعون شعار البقاء للأقوى وأضاف لا بد من عمل استطلاع شامل لمعرفة رأي الناس حول هذه الظاهرة الخطيرة لأنهم هم المتضررون أولا وأخيرا من هذا الداء اللعين وهم من يدفعون فاتورة هذه الظاهرة من وقتهم وما لهم وأعصابهم ومصلحتهم وأعتقد أن الواسطة غالبا ما تتعلق بالعمل الوظيفي ومجال التوظيف والتعيين

وشدد الخليفي على ضرورة محاربة هذه الظاهرة والتصدي لها بشتى الوسائل والطرق وذلك من خلال وضع بعض الضوابط والقواعد مثل وجود لجان بحيث لا يقل عدد أعضاء اللجنة الواحدة عن عشرة اشخاص هم المسؤولون عن اتخاذ القرار بتوظيف الناس وتعيينهم واختيار الأفضل والأنسب من بينهم بعيدا عن الواسطة والمحسوبية اضافة الى وجود هيئة رقابية عليا للحد من انتشار هذه الظاهرة ومعاقبة المتسببين فيها والمنتفعين منها وذلك باعطاء كل ذي حق حقه حتى لا يضطر الناس للجوء للأساليب الملتوية للحصول على حقوقهم المكفولة من قبل دولهمsbquo;