تحول أبنائها إلى حطب نيران العمليات الانتحارية بالعراق
تطوان الحمامة البيضاء تفرخ طيور الظلام في المغرب

عيسى العلي من الدار البيضاء: اشتهرت تطوان منذ القديم بإسم الحمامة البيضاء، لا لبيض دورها وأزقتها فقط ولكن لكونها رمز السلام والأمن والأمان، مما جعل هذه المدينة ترقد لسنوات في هدوء ينتزع قلوب كل من زارها لأول مرة. غير أن أيادي الإرهاب الغادرة أوقعت بحمامة المغرب بين أنياب ثعابينها، لتتحول أحيائها، خلال الشهور الأخيرة، إلى وكر لتفريخ طيور الظلام والانتحاريين الذين تتهافت الجماعة السلفية لدعوة والقتال، التي أعلنت أخيرا ولائها لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، على استقطابهم بكثافة من أجل إرسالهم ل quot;الجهاد في العراقquot;.


ولم تكن المحاولات المتأخرة جدا للسلطات لفك الطوق المضروب على عنقها منذ أعوام، أن يخرج هذه الحمامة الشمالية من دائرة التطرف الذي نخر جسدها ورمى بأبنائها في quot;مستنقع العراق الداميquot;.
فتركيز الاستخبارات المغربية على هذه المدينة، حملته التقارير الأمريكية التي أفادت أن quot;تفجيريين من أبناء حي مزواق، استطاعوا السفر إلى العراق انطلاق من تطوان او إسبانيا، فيما يوجد آخرون على الحدود السوريةquot;.
ورغم وجود 5 من أبناء الحي ضمن المجموعة التي نفذت أحداث 11 مارس بمدريد، لم يصدق سكان المدينة آنذاك ما وصفوها ب quot;افتراءاتquot; الأمن الإسباني، إلا بعد تأكيد القوات الأمريكية، من خلال اختبارات الحمض النووي التي أجرتها على أجساد بعض الانتحاريين، أن ما لايقل عن تسعة من المسؤولين عن العمليات الانتحارية ينحدرون من تطوان، والمنطقة المحيطة بها في سفح جبال الريف.
عززت هذه التقارير وحادث quot;ليغانيسquot;، الذي لقي فيه 5 مغاربة مصرعهم، تحريات المحققين حول تورط تطوانيين في هجمات مدريد، إلا أن خط مسار توجه quot;جهاديين من المدينة نحو العراقquot;، كشفه، بشكل واضح، اتصال هاتفي أجراه جمال أحشوش مع عائلته، يوم 26 نوفمبر 2006، أخبرهم فيه أنه quot;السلام عليك يا أمي، أنا في بغداد لعملية استشهادية في سبيل الإسلام. سامحيني واطلبي من أبي أن يسامحنيquot;.

دماء الحمامة في بغداد

بعد ثلاثة أيام، تلطخ بياض المدينة واستفاقت عائلة أحشوش على اتصال هاتفي من شخص قال إن إسمه أبوزيد العراقي ل quot;يعلن لها باقتضاب وفاة إبنها وتقديم التعازيquot;.
تصدر حي مزواق الأحداث، وتواترت الأنباء عن وجود ما بين 40 و45 انتحاريا ضمن خلية quot;نائمةquot; في الحي، قبل أن يكشف عن مغادرة أربعة شبان آخرين، في يوليوز الماضي، إلى العراق، حيث سيتحولون إلى حطب نار العمليات الانتحارية.
وتبين أن مسجدان في الحي يحاذي أحدهما مقر جمعية الدعوة والتبليغ التابعة للتيار السلفي، المعروف بعدم ممارسة العنف، وبعد استجواب إمامه قال إنه ينتمي إلى هذه الجمعية التي تستقبل أحيانا دعاة قادمين من باكستان والسعودية والعراق وقطر.
أجمعت التقارير على أن الجماعة السلفية اخترقت المدينة، فبدأ الأمن في تعقب تحركات انتحاريين مفترضين وسط أحيائها التي تطوقها أحزمة البؤس والفقر، خاصة حي مزواق الذي يفوق عدد ساكنته 50 ألف نسمة، فئة عريضة منهم من الشباب العاطل.


كما أكدت أن هؤلاء الشباب أدخلوا إلى هذه الدوامة من خلال نصوص ومواد منشورة عبر الإنترنت، وكذلك أشرطة quot;DVDquot; يجري توزيعها بطريقة سرية من طرف نشطاء تابعين للجماعات المتشددة في الجزائر.
وقال خبير في الجماعات الإسلامية، ل quot;إيلافquot;، إن quot;القاعدة بدأت تنشط في المملكة، من خلال الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، لتعزيز أتباعها في العراقquot;، موضحا أن quot;تحركاتها تنصب حاليا على استقطاب أكبر عدد من المتطوعين، قبل التحرك لتنفيذ مخطاطاتهاquot;.


وكانت التحريات التي? ?قامت بها مصالح الإستخبارات الإسبانية،? أبرزت أن جميع المتطرفين الإسلاميين الذين? ?يصلون لأوربا،? ?أو لدول أخرى،? ?بما فيها العراق،? ?تكون نقطة انطلاقهم عبر بوابة سبتة أو مليلية المحتلتين?، ?حيث تنشط خلايا مهمة وعديدة للأصولية العالمية،? ?والممولة بشكل كبير من طرف تجار المخدرات ومبيضي? ?الأموال،? ?بل وحتى تجار السلاح الموجودين هناك.

تطوان في قفص الاتهام من جديد

قبل أيام فقط من أيام من توديعها سنة 2006، وجدت الحمامة نفسها من جديد في قفص الاتهام، بعد اعتقال مصالح الأمن 26 شخصا يشتبه في انتمائهم إلى خلية إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة لها ذات تفرعات دولية وتختص في استقطاب وإرسال متطوعين نحو العراق.
وكانت أحياء بوجراح وسفير والسكنى والتعمير وحومة طنجاوة ومدينة الفنيدق، مسرحا لعمليات التفتيش وإيقاف المشتبه فيه، إذ حجزت بمنازلهم بعض الأشرطة ومجلات ووثائق مختلفة، كما ذهبت مصادر حقوقية بالمدينة إلى التأكيد على أن العملية شملت 40 شخصا نسجوا علاقات مع عناصر تنشط في مجال استقطاب الانتحاريين وإرسالهم لبلاد الرافدين.


كما أظهر التحريات وجود علاقات إيديولوجية ودعم مالي ولوجيستيكي بين هذه الخلية ومجموعات إرهابية دولية من بينها القاعدة، والجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية والجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية، وكذا مع أشخاص معروفين بتوجههم نحو العمل الإرهابي على الصعيد الدولي.
أثار ظروف وملابسات الاعتقال حفيظة الجميعات الحقويقية، التي وصفتها ب quot;الاختطافاتquot;، مشددة على ضرورة فتح تحقيق في شأن هذه الحالات التي جرت خارج نطاق القانون.
وأكدوا أن quot;الطريقة جرى تم بها اعتقال المعنيين بالأمر وتفتيش منازلهم مخالفة للقانون، وذلك لعدم وجود أوامر بالاعتقال صادرة عن الجهات القضائية المختصة ولعدم معرفة أماكن وجود المعتقلينquot;.
وبعد تأكيد الحكومة أن الاعتقالات جرت بطريقة قانونية سليمة، مثل الأظناء، الأسبوع الماضي، أمام استئنافية سلا، المختصة في قضايا الإرهاب، من بينهم موطان سويدي يدعى أحمد السفري.
ووجهت للسفري (54 سنة)، وهو مغربي يحمل جنسية سويدية، تهم quot;تكوين عصابة إجرامية لإعداد وارتكاب أعمال إرهابية، والانتماء إلى جماعة دينية متطرفة، والمساعدة على الهجرة غير الشرعية، وعقد اجتماعات عمومية بدون تصريح مسبقquot;.
وفي انتظار أن يفصل القضاء في هذا الملف، تبقى تطوان أيادي الإرهابيين الغادرة تربص بشبابها وتحولهم إلى قنابل بشرية موقوتة.

التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الاثنين 22 كانون الثاني 2007