أحداث القامشلي خيمت على إحتفالاتهم
نوروز راقص... وغاضب لأكراد سوريا في لبنان

عصام سحمراني من بيروت: إجتمعت كل المناسبات والأعياد في لبنان من مولد نبوي إلى أسبوع آلام مسيحي كي تسنح في المجال أمام أكراده من سوريين ولبنانيين وغير حاصلين على جنسية بالإحتفال بعيد النوروز بعطلة رسمية في مرة نادرة للغاية. شمس منطقة الروشة البحرية كانت صيفية لا ربيعية في هذا النهار الهادئ سياسيا وأمنيا في العاصمة. وكان مناسبا للغاية لإقامة الإحتفال الكردي الكبير الذي تسربت ألوانه الربيعية وألحانه التاريخية إلى الكورنيش البحري المحيط.

قد يكون النوروز مناسبة دائمة للحديث عن العيد بما يمثله من فرح وفرص التقاء وغراميات تجسدها الأقاصيص التاريخية لأبطال القصص الشعبية الكردية، لكن السياسة سرعان ما تتسرب منذ البداية حين تبرز قصتان للعيد تعودان بنا إلى ما قبل ميلاد المسيح بقرون...

ينظر الشاب بالنظارة الطبية صوب جوقة الدبكة تتسارع خطواتها وصيحاتها تحاول اللحاق باللحن المختلط بين الرقميات والآلات التراثية ويتحدث عن خلفية العيد التاريخية الذي يعود إلى العام 612 قبل الميلاد quot;يوم إنتصار إمبراطورية ميديا التي تضم تحالف قبائل الكرد والفرس والأرمن على الإمبراطورية الآشورية واستعبادها، فكان النوروز أو اليوم الجديد- Rojanūquot;. فهذا اليوم يضيف الشاب quot;هو يوم وحدة كل قبائل الشرق ضد الظلم.. والذي نتمنى أن يعيد توحيدهم في الوقت الراهن على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينيةquot;.

الرواية الثانية أكثر خصوصية وأقرب إلى الحس العام للبطولات الشعبية يفصح عنها شاب يتوسط مجموعة تنصت إلى حديثه حينا وتقاطعه أحيانا. يقول إن quot;النوروز يعود إلى الحياة الجديدة التي أشعلها كاوا حداد الذي تحدى ظلم ملك الفرسquot;. ذلك الملك الذي أصيب بمرض غريب كان دواؤه الوحيد امتصاص دماء رأس كردي. ولما وصل الدور إلى أحد العمال لدى كاوا قرر أن يتخلص من الظلم نهائيا ليعلن أمام رفاقه نيته قتل الملك؛ quot;فطلب منهم الإحتفال بمقتل الملك على يده إذا ما رأوا شعلة نار تبرز من أحد أبراج القصر، وهو ما حدث فعلا فكان النوروزquot; يؤكد الشاب على روايته بينما يتحدث آخر عن رواية أخرى مشابهة للغاية لكن بطلتها فتاة كردية.

وبين التاريخي والشعبي يرقص ويغني ويفرح الأكراد في نوروزهم رغم أجواء الحزن والغضب تترافق مع احاديتهم تجاه النظام السوري على وجه الخصوص. يتحلق الشبان للحديث عن الأحداث الطازجة التي جرت في القامشلي فيرتفع صوت من بينهم؛ quot;يسقط حزب البعثquot;.. يصرخ الآخرون quot;يسقط يسقط يسقطquot;. يرحل مطلق الشعار ليعلن لي أحد الشبان أنه من الممكن أن يكون أحد المندسين quot;المخابراتيين الذين يلاحقون إحتفالاتنا ويمنعونها في سورياquot;.

أما عن رواية الشبان بخصوص أحداث القامشلي فهي تحصل دون أي مبرر برأيهم من قبل قوات الأمن السورية الذين يصبون غضبهم تجاه أي احتفال يمثل quot;الأكراد وهويتهمquot;. أما الإتهامات فجاهزة دائما في محكمة أمن الدولة التي quot;أنشئت للأكراد فحسب كما يبدو وهي محكمة لا تعترف بدفاع أبدا وكل أحكامها تعسفيةquot; يقول أحدهم.

يتحدث الشاب ذو اللفحة الصفراء التي تمثل quot;البيشمركة بلون الحزب الديمقراطي الكردستانيquot; عن منع الأعراس الكردية حتى في سوريا وعدم السماح بها إلا بترخيص quot;ورشاوى للضباطquot;. يقاطعه شاب آخر ليتعمق أكثر في التمييز الذي يطال الأكراد حيث يمنع العسكري الكردي من quot;حمل السلاح حين يكون هنالك مواجهات بين العسكر والشعب الكرديquot;.

ومع فتح الباب للحديث عن التمييز يدلي كل شاب بدلوه حين يعلن أحدهم عن نائب كردي سابق قتل ولم يعرف شيء عنه، ويضيف آخر متحدثا عن شاب اختفى نهائيا من بين مجموعة تضم 10 شبان سجنوا، ويتحدث ثالث عن تغيير أسماء القرى الكردية من quot;كوبان إلى عين العرب، وقامشلو إلى القامشلي، وشيران إلى ثلاثة أسماء دفعة واحدة فرزدق وحداثو وأصلانطاشquot;. ويخبرنا ثالث عن اختيار نواب مناطق الكرد من العرب حيث لا يعترف لهم بنواب على أساس قومي؛ quot;وإذا كان النائب كرديا فهو لا ينتمي إلى أي حزبquot; أي إنّ وجوده كعدمه. ويستعرض رابعهم مجموعة من الإنتهاك والتمييز بحق أكراد سوريا التي لا تبدأ ولا تنتهي عند quot;التعاون السري بين النظامين السوري والتركي ضد الأكراد، وحجب مواقع الإنترنت الكردية كموقع باخرة الكرد وموقع والاتي مه، وقطع جميع خطوط الهاتف خلال المسيرات، وتعرض الآتين إلى لبنان للتحقيق قبل دخولهم بلحظات حيث يسأل الشخص عن مكان سكنه إن كان في مناطق المسلمين السنة أو الشيعة أو المسيحيين، وتحويل آخرين إلى طرطوس (مركز تحقيق) وإعادة غيرهم ومنعهم من دخول لبنانquot;.

الشاب ذو اللفحة الصفراء يستدرك أمرا يبدو أن الآخرين لم ينتبهوا له في معمعة أحاديثهم المتداخلة بصوت الموسيقى والغناء. يقول إن التهمة الرئيسية للكردي في سوريا هي quot;العمل على تقسيم الدولة وضمها إلى دولة أخرى أو الإنفصالquot;. يهزأ الشاب من هذه التهمة حين يقول إن quot;11 حزبا كرديا في سوريا لا يطالب أي منها بالإنفصال بل بمجرد الحقوق للشعب الكرديquot;.

شاب قومي كردي يضع يده بيد شاب آخر يرفع راية حزب العمال الكردستاني pkk ويطالب قبل مطالبة الشاب quot;الأحمرquot; بالعمل للإفراج عن quot;السيد عبد الله أوجلانquot; ليبرز وحدة صف كردي في ما خص القضايا المصيرية التي يتعرض لها الشعب. يرفض العمالي تشبيه أي مقاومة بمقاومة حزب العمال الذي quot;يتعرض للغزو التركي وهو يدافع عن نفسه سلمياquot; لكنه لا يعترف كذلك بـ quot;شبه الدولة التي قامت في شمال العراقquot; معتبرا أن الظلم الذي يتعرض له الأكراد يبقى ظلما quot;بحاكم عربي، تركي، او كردي.. كل ما نريده هو الحياة الحرة لا غيرquot;.

ومع اختلاط المرئي بالمسموع بالملموس في حلقات الرقص الفردي والجماعي الكردي تدخل حاسة إضافية على الخط، مع رائحة المشاوي الآتية من جهات اتخذت منها العائلات في هذا النهار البديع ملاذا لها، لتعبق في أجواء المكان وتنافس سخونة الأطفال والفتية والفتيات في ألعابهم المبتكرة أو المحضر لها.

يخنفي فجأة كل ذلك الصخب وتنسحب الفرقة الموسيقية ليسكن المكان بهدوء غريب.. سيدة تطل برأسها نحو جوقة أحاديث الشبان وتغادر مع زوجها وهي ترفع صوتها بالكردية تجاهي. ربما أدلت برأيها لكنني للأسف لم أفهمه.

لا ينسى الشبان شكرهم لقوى الأمن اللبناني والجيش التي تغطي كل عام مناسباتهم واحتفالاتهم. وتخلص المجموعة إلى عدد من الحقوق يطالبون بها الحكومة السورية أولها أن يكون الأكراد قومية ثانية هناك، وأن يسمح بتعليم اللغة الكردية، وأن تلغى الأحكام التعسفية بحق الأكراد، وأن يسمح للأكراد بالوظائف الحكومية دون تمييز، وأن تلغى القيود العسكرية المفروضة على مناطق الأكراد بشكل دائم.

تلك المطالب جاءت مغايرة تماما عن المطالب الرسمية التي جاءت بها كلمة الإحتفال وطبعا فالسبب الرئيسي للإختلاف ينشأ من كون الأكراد المحتفلين سوريون بمعظمهم بينما المنظمون ومشاركون آخرون لبنانيون أكراد من الحاصلين على الجنسية أو ممن ينتظرونها بورقة تحمل شعار quot;قيد الدرسquot;.

مطالب كلمة الإحتفال الطويلة جاء أهمها على الشكل التالي:
-إعتبار 21 آذار عيدا لبنانيا رسميا إحتفالا بالنوروز.
-تخصيص مقعدين نيابين في بيروت عرفا أو قانونا للأكراد quot;البيارتةquot;.
-إختيار كردي في مجلس بلدية بيروت.
-تخصيص 5 % من وظائف الدولة للأكراد.
-أن يعين سفراء لبنانيين من الأكراد.
-إعطاء الجنسية اللبنانية لحملة جنسية قيد الدرس أو مكتومي القيد الأكراد.
-السماح بجمع شمل المجنسين الذين سقطت أسماء بعضهم سهوا من مراسيم التجنيس.
-وضع إشارة مكان وتاريخ الولادة على هوية المجنس الكردي كل بحسب منطقته.

وعودا على بدء وبين الرسمي اللبناني والشعبي السوري يعيش الشبان الأكراد في لبنان أزمة تقبل الآخر لهم فيختم احدهم قائلا: quot;أصحابي من المسلمين الشيعة يقولون عني صهيونيا بنظرهم، أما المسلمون السنة فيقولون إنني سوري رغم أني أمقت النظام السوري أكثر منهم، أما المسيحيون فيقولون إنني مسلم!!!quot;. نحتار معه ونتمنى للأكراد نوروزا وquot;حياة جديدةquot; لا تنقصها الحقوق.

[email protected]
http://essam.maktoobblog.com