الفتوى تؤيد مشروع قانون محل خلاف فقهي وحقوقي


نبيل شرف الدين من القاهرة:
في أحدث حلقة من سلسلة الفتاوى المثيرة للجدل التي انتشرت أخيراً لأسباب شتى، حسمت دار الإفتاء المصرية لغطاً واسعاً شهدته أوساط فقهية وبرلمانية وحقوقية في مصر، بشأن مدى جواز إجهاض المرأة المغتصبة، إذ أباحت دار الإفتاء ذلك الأمر شريطة ألا تكون مدة الحمل قد تجاوزت أربعة أشهر، ولعل الأكثر أهمية في هذه الفتوى أنها تؤسس لتعديل قانوني جديد في مصر على قانون العقوبات، يجيز للنيابة العامة أن تأذن لمن حملت نتيجة اغتصاب، بأن تتخلص من هذا الحمل quot;السفاحquot; في أحد المستشفيات الحكومية، وبموجب إذن قضائي، في سابقة لم تشهدها البلاد رسمياً من قبل .

وجاءت هذه الفتوى التي سبق أن أثارت في وقت سابق جدلا واسعاً قبل الرد النهائي لدار الإفتاء المصرية على طلب بإيضاح الحكم الشرعي بشأن مشروع تعديل قانوني، أقرته لجنة الاقتراحات والشكاوى في مجلس الشعب (البرلمان) المصري، حول إباحة الإجهاض للحامل نتيجة جريمة اغتصاب .

وقال د. محمد عباس أمين الفتوى ونائب كبير الباحثين في دار الافتاء، إن هناك عدة فتاوى سابقة أكدت جواز الإجهاض وفق هذا الشرط، أي ما يساوي120 يوماً بعد نفخ الروح بإجماع الفقهاءquot;، على حد قوله
كان النائب محمد خليل قويطة وكيل لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان المصري، قد تقدم بمشروع لتعديل على (المادة 290) من قانون العقوبات من شأنه إباحة الإجهاض لمن تعرضت للاغتصاب، وأكد أن هذه الجريمة تعد من جرائم الاعتداء على الحرية الخاصة للأنثى، ولا يصح أن تلزمها بحمل لا ترغب فيه بما يخالف الشريعة الإسلامية والمنطق والأعراف السائدة في المجتمع .

خلاف فقهي
هذه المطالبة التي ألح عليها النائب البرلماني جاءت على خلفية الجدل الذي أثاره المسلسل الدرامي المصري quot;قضية رأي عامquot;، الذي لعبت بطولته الفنانة يسرى، وأثار في حلقاته إشكالية إجهاض المغتصبة، ورأى قويطة ـ وهو نائب عن محافظة دمياط شمال مصر ـ أن quot;جريمة خطف واغتصاب الأنثى من أخطر الجرائم التي يمكن أن تلحق بالمجتمعات قاطبةquot;، حسب تعبيره .
وطالب النائب البرلماني المصري في اقتراحه بإجراء عمليات الإجهاض للمغتصبات في مستشفيات حكومية وجامعية بشرط أن يكون ذلك قبل انقضاء المدة الشرعية اللازمة لإسقاط الجنين، مع وضع الضوابط والأحكام التي تحول دون الانتفاع بهذا التعديل سوى من تستحقه من ضحايا الاغتصاب .

وأشار النائب إلى أن مفتي مصر السابق نصر فريد واصل كان قد أفتى عام 1998 بالموافقة على جواز إجهاض المغتصبة في 120 يوما من الحمل، وأيده في ذلك شيخ الأزهر، وعدد من كبار الفقهاء في مصر وغيرها .

وقال شيخ الأزهر إن هذا الحكم الشرعي يستلزم لتحققه أن تكون ضحية الاغتصاب قد بذلت ما تستطيع للدفاع عن نفسهاrlm;,rlm; والحيلولة دون أن ينال منها الجاني، وأن الإجهاض هنا يندرج تحت مبدأrlm; rlm;الحقrlm;rlm; الذي يجيز قتل النفس البشريةrlm;، وهو استثناء لا يتجاوز حالة المغتصبة .

ومضى شيخ الأزهر قائلاً إن حق المغتصبة في الإجهاض لا يرتبط فقط بفترة نفخ الروحrlm;,rlm; وإنما يجوز أن يتم فور اكتشافه في وقت لاحق، مشيراً إلى تأييد الأزهر لإجراء أي تعديل قانوني ينظم هذا الاستثناء الشرعي ويبيحه، كونه يتسق مع صحيح الشرع ومقتضيات الواقع .

غير أن الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية يرى أن إجهاض الجنين ليست مسألة اتفاق بين الفقهاء، بل هي إحدى المسائل الخلافية بين الفقهاء، فبعد أن أجمعوا على أنه لا يجوز إجهاض الجنين بعد بلوغه 120 يومًا في رحم أمه، عادوا واختلفوا بشأن الجنين إذا لم يكن قد بلغ هذه المدة بعد، فضلاً عن وسيلة تحديدها على نحو حاسم .

ابن سفاح
أما النائب المصري الذي تبنى هذه القضية فقد واصل شرح رؤيته للمسألة قائلاً quot;إذا كان تطبيق القصاص العادل على الذئب البشري يطفئ نار الضحية وأهلها فإن المجتمع مطالب بالوقوف إلى جانب الضحية، بالعمل على إزالة ما لحق بها من أضرار نفسية وجسدية، وما فرض عليها من حمل غصبا وكرها لا ذنب لها ولا رغبة فيه، فضلاً عما يمكن أن يلحق بهذا الحمل من ضرر بالغ لهذا الطفل مستقبلاً الذي سيظل ينظر إليه بصفته (ابن سفاح) في نظر مجتمع محافظ كالمجتمع المصريquot; .

وينص مشروع القانون الجديد على أنه quot;إذا نتج من جناية مواقعة الأنثى دون رضاها حملُ، جاز للنيابة العامة أن تأذن بإسقاطه بناء على تقرير الطبيب الشرعي الذي أثبت الجناية، وقبل انقضاء المدة الشرعية اللازمة لإسقاط الجنينquot; .
ولم يقتصر الخلاف حول هذه القضية على الجانب الفقهي والشرعي، بل يمتد إلى خلافات حقوقية وطبية، إذ يرى حقوقيون أن السلبيات التي ستترتب على الإجهاض للمغتصبة أكثر من إيجابياته، ومن الأولى أن يتم تأهيل الفتاة التي تمر بتجربة الاغتصاب نفسيًّا واجتماعيًّا، كما أنه ربما يكون باباً لعمليات إجهاض خارج نطاق القانون، في ظل التفاف محتمل على الوقائع من قبل أطراف هذه العملية، والأجدر أن تسعى السلطات والأجهزة الرسمية ومنظمات المجتمع المدني إلى معالجة جريمة الاغتصاب ذاتها من خلال دراسة أسبابها الحقيقية .

تجدر الإشارة إلى أن عدة تقارير رسمية في مصر أشارت إلى أن عدد حالات الاغتصاب تصل إلى سنوياً إلى نحو20 ألف حالة اغتصاب لفتيات في مصر، بالإضافة إلى عدد مماثل لحالات زواج في أقسام الشرطة ناتجة من جرائم الاغتصاب .