كامل الشيرازي من الجزائر:ما تزال القعدات الرمضانية في الجزائر، تمثل تقليدا راسخا بين السكان المحليين، هؤلاء يغتنمون فرصة حلول شهر رمضان الكريم لنسج أجواء حميمية يميزها الدفئ العائلي وصلة الأرحام، ويتشبث الجزائريون بالقعدات كعادة متجذرة قصد حمايتها من الاندثار و الزوال حيث تجدها على مدار أيام الشهر الفضيل تتداول على تنظيم سهرات و قعدات حميمية بمنزلها تستضيف فيها أفراد العائلة الكبيرة و كذا الأصدقاء و الأحباب على صينية الشاي المعطرة برائحة النعناع و المزينة بأحلى الحلويات التقليدية من quot;سيقار وقطايف وبقلاوة، إلى جانب التورتة و قلب اللوز والزلابية، وتزيّن مجالسها بصنوف من الحلوى والشاي والقهوة وشتى المكسرات.

وتبدأ هذه القعدات بعد وقت وجيز من الإفطار، وتستمر في الغالب إلى غاية موعد السحور، ويصارحنا عمي موح، ورفيق دربه quot;الشاوشquot; إضافة إلى فريد، عبد المجيد وكريم أنّهم لا يستطيعون للقعدات فراقا ولا بعادا، التي تعتبر عنوانا كبيرا لجزائر الزمن العتيق، وما يكتنزه موروثها من طبوع حية على غرار الحوزي والشاوي والوهراني وكذا نغمات الفلكلور الصحراوي.

وعلى وقع نوتات الطرب الشعبي الأصيل، يمضي الجزائريون سهراتهم في رمضان بطقوس محلية خالصة، يستحضرون ذكريات زمان، ويتسامرون في جو متميز، بينما يستمعون لوصلات أحد شيوخ الشعبي وهو فن ذائع الصيت في البلاد سيما بين سكان الحواضر، وبين التوشية والاستخبار، يتمايل الحضور ذات اليمين وذات الشمال، مبدين تلذذهم بما يعزفه المغني الشعبي وطاقمه على إيقاع آلتي القيثار والموندول، وتشتهر القعدات أيضا بـquot;العودquot; وquot;الجيثارquot; وquot;البونجولquot; وquot;القويطرةquot;، حيث تستخدم في التغني بقصائد شعبية عديدة تبث البهجة في نفوس سامعيها.

ويقول شيخ هرم، أنّ هذه القعدات الرمضانية تقليد له نكهته التي لم تغيّبها الظروف، حيث بقيت صامدة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وكان عديدالفنانينالبارزين كالراحلين محي الدين بشتارزي ورشيد القسنطيني وكذا الحاج العنقى والحاج مريزق والهاشمي قروابي وكمال مسعودي من ألمع نجومها، قبل أن يستلم الجيل الحالي الشاهد، في صورة: عمر الزاهي، عزيوز رايس، عبد المجيد مسكود، نصر الدين قاليز، دليلة الدزيرية، راضية عدة، نعيمة، بريزة السطايفية.


ويفضل كثيرون هذه القعدات عن الذهاب لحضور حفلات عامة، لما توفره هذه القعدات من جو محافظ يراعي خصوصيات العوائل وحميميتها بمنأى عن كل ما هو رديء ومبتذل، حيث ظلّ منظمو هذه القعدات صارمين جدا في محافظتهم على الينابيع الصافية لزخم تراثي يتشبث به كثير من الجزائريين، وتقام هذه القعدات على بساطتها في صحون الديار والبيوت العريقة، كما على السطوح وفي المقاهي وصالونات الشاي والمطاعم العائلية.
وتسعى الجمعيات الثقافية لترسيخ هذه القعدات وإدامتها، حتى لا تجرفها موضة quot;الديسك جوكيquot; وتوابعها، لذا سارع منشطون ثقافيون هنا وهناك لتنظيم قعدات في باب الوادي كما بلوزداد، الأبيار وبوسماعيل، إذ يتكفلون بمصاريف (لشايخ) وهم أعمدة هذه القعدات، واللافت هو تشبث الشباب كما الكهول وحتى النسوة من مختلف الفئات العمرية بهذه المجالس التراثية التي لها سمعتها أيضا في منطقة القبائل الكبرى وحتى بين سكان الصحراء سيما أهل اللثام (الطوارق).