أمال الهلالي من تونس: تعد الشاشية لباسا تقليديا تونسيا صرفا وقد كان ارتدائها في مضى لايستثني العجائز والكهول والشباب ولا حتى الأطفال ويقع وضعها فوق الرأس صيفا وشتاءا بالتوازي مع الجبة أو حتى البدلة العصرية عند مجموعة كبيرة من رجال الفكر والثقافة في تلك الحقبة أمثال الطاهر الحداد والثعالبي والطاهر بن عاشور وغيرهم.

وتتميز الشاشية التونسية بلونها الأحمر الذي يميزها عن مثيلاتها في البلدان المغاربية لاسيما الشاشية الليبية ذات اللون الأسود.هذه الصناعة التقليدية شهدت في السنوات القليلة الماضية تراجعا ملحوظا جعلها مهددة بالزوال لاسيما وان اغلب الدكاكين المتواجدة فيquot; سوق الشواشينquot; الشهير بتعاطي هذا النشاط بدأت شيئا فشيئا تغير من نوعية تجارتها واختار بعضهم كراءأو غلق دكانه بعد أن توفي والده.quot; ايلافquot;التقت مجموعة من تجار الشاشية بالشواشين لمعرفة واقع هذا القطاع والحلول التي وجدهاquot; الصنايعيةquot; لمواجهة الكساد الذي عصف بهذا القطاع.


وجدناه منهمكا في تنظيف شاشية حمراء ورغم صغر سنه إلا انه حدثنا بكل حماس ودافع بقوة عن حرفته. حافظ بليس ورث مهنة الشواشين عن أبيه الذي ورثها بدوره عن جده كما أكد لنا أن الدكان الذي يشتغل فيه يعود تاريخه لأكثر من 100 سنة ولازال محافظا على ذات النشاط.محدثي لم يخفي في ذات الوقت قلقه الدائم من تردي وضعية الشواشين لاسيما مع هجر التونسي لهذا اللباس التقليدي باستثناء فئة قليلة من الشيوخ.
ويقول: quot;مع الأسف لم تعد هذه المهنة قادرة على توفير الحياة الكريمة لصاحبها ومساعديه من الصنّاع , ولولا وجود التصدير الذي يعد ركيزة من ركائز هذا القطاع لأغلقت كل السوقquot;. محدثي بين أن اغلب البضاعة موجهة أساسا للخارج وتحديدا لليبيا ونيجيريا والنيجر كما انه من غرائب الأمور حسب قوله أن صناعة الشاشية يعد اختصاصا تونسيا مائة بالمائة لكن المادة الأوليةquot;الصوفquot; يقع جلبها من الخارج بالعملة الصعبة وquot;هو ما يزيد في تعقيد الأمور ويثقل كاهلنا بالديونquot;.

حافظ بليس ورغم تعلقه الشديد بمهنة الجدود إلا انه لم يستطع مقاومة الكساد وشح الطلب وقد اخبرنا انه بدأ فعليا يفكر في تغيير نشاطه عبر إضافة بعض الصناعات التقليدية والبضائع الأخرى التي تلقى إقبالا من التونسيين والسياح الأجانب على حد السواء على غرار العطورات ومواد الزينة والموكات والتحف وغيرها.

عم النوري بلغ من العمر 70 سنة وبتنهيدة من الأعماق رد على سؤالنا حول واقع قطاع الشاشية قائلاquot;ياحسرة على مافات لقد كانت رؤوس التونسيين تزينها الشاشية الحمراء ولاتفرق بين غني وفقير أو شيخ وصبي أو مثقف وجاهل أما الآن فقد تغيرت الأمور وهجر الشباب وحتى الكهول هذا اللباس نحو القبعات العصرية quot;.هذا الشيخ لازال محافظا على أناقته من خلال ارتدائه للجبهة quot;العكريquot; وشاشيته الحمراء التي تزين رأسه لكنه رفض مع ذلك أن نأخذ له صورة بحجة انه يكره الصور.عم النوري اجبر أولاده الخمسة على ارتداء الشاشية لكن واحد منهم فقط ظل محافظا على هذه العادة أما البقية فيرتدونها من باب المجاملة أو في المناسبات والأعراس.

وفي دكان مجاور لفت انتباهنا أنواع من الشاشية حمراء وسوداء مزركشة بألوان وأشكال تجعلها أكثر أنثوية. إبراهيم صاحب هذا الدكان بين أن مثل هذه التنويعات من باب تطوير هذا اللباس التقليدي وجعله أكثر مواكبة للعصر كما يدخل ذلك من باب الحلول الجيدة لترويج الشاشية بطرق وأساليب مختلفة.وبخصوص الإقبال أكد محدثي انه جيد ومحترم لاسيما من النساء والسيدات ذوي الطبقة الراقية الذين يقبلون على شراء هذه الأشكال الجديدة من الشاشية للسهر خارجا.

محمد علي شاب ويعمل في قطاع الصحة رفض فكرة ارتداء الشاشية من باب أنها غير مواكبة للعصر وبأنه من غير المعقول ارتداء بنطلون جينز وتي شيرت وفوق الرأس شاشية ولكنه تذكر انه لبسها ذات مرات في الأعراس ولاسيما عند ختانه.

البشير يعمل في احد دكاكين الشواشية المختصة في صناعة وتصدير الشاشية ذات اللون الأسود الموجهة أساسا لليبيا.محدثي بين أن طبيعة ومناخ كل بلد يؤثر على لون الشاشية فبلدان الشمال تميل ألوانها إلى الفاتحة بينما كل مااتجهنا جنوبا إلا وكانت الألوان أكثر فاقعة لتكون سوداء.

ورغم تشجيعات الدولة للنهوض بقطاع الصناعات التقليدية والتعريف بها خارجا وحث التونسيين على الإقبال عليها من خلال الحملات الدعائية عبر كافة وسائل الإعلام وتخصيص شهر مارس كشهر خاص بالتراث تبقى هذه الصناعة شانها شان غيرها من الصناعات التقليدية الأخرى تترنح من حين لآخر ويشكو اغلب أصحابها من شح الطلب ويبقى التصدير هو الحل الأنسب الذي ساهم في صمود هذا القطاع المحلي الذي يشهد إقبالا كبيرا في الخارج كما تراهن تونس على جودة منتوجاتها التقليدية لتصمد أمام المنافسات الدول الشقيقة.فالشاشية التي كانت في مامضى تزين رؤوس التونسيين حلقت بعيدا نحو بلدان افريقية مجاورة تقبل بشكل كبير على ارتداء هذا الزي التقليدي العريق.

تصوير أمال الهلالي