بعضهن يتمنين أن تكون صفات أزواجهن مشابهة لصفات أحد الزعماء
السياسيون ينافسون الفنانين حباً وإعجاباً في نظر اللبنانيات

حنان سحمراني من بيروت: تقف جمانة بانتظار دورها للإقتراع في صفٍ نسائي طويل وعلامات الملل بادية على وجهها، لكن عند الإقتراب منها وسماعها سؤالي تتغير ملامحها لتجيبني بحماس زائد أن حبها لشخصيتها السياسية لا ينازعها عليه أحد وهو نابع من قلبها، وتعتبر أنه الأفضل سياسياً في لبنان وله أحقية النجاح بسبب هيبة إطلالته التي تأسر كل قلوب النساء وهي تتحدى أي سياسي يضاهيه قوة شخصية. عادة تتناقل الأحاديث هوس النساء بالمشاهير من أهل الفن وخاصة عشق النساء اللبنانيات لأبطال المسلسلات المدبلجة وخاصة التركية منها التي أصبحت ظاهرة غريبة هذه الأيام. لكن الظاهرة الأغرب في ظل الإنتخابات اللبنانية، تعلق كثير من النساء اللبنانيات بما يسمى الحب الجنوني ببعض الشخصيات السياسية. حتى يصل الأمر ببعضهن إلى التمني لو تنقلب صورة حبيبهن أو شريكهن في الحياة إلى صورة شخصيتهن المفضلة سياسياً. فيتغاضين عن أي أخطاء إرتكبها أو ما زال يرتكبها ذلك السياسي بحق شعبه وبحقهن وكأن صورته بُرمجت ووضُعت أمام أعينهنكـ quot;الإله السياسي الأسطوريquot;.

أحلام يقظة وانحياز

فتاة عشرينية تقف أمام صورة لشخصية سياسية وهي غارقة في بحر من أحلامها الخاصة. أقترب منها لأفاجئها بسؤالي، تلتفت بإندفاع وحماس شبابي يناسب جيلها وتقول إنها تحب شخصيتها السياسية إلى حد الجنون وانها تتمنى عند زواجها أن يكون عريسها يشبهه من ناحية quot;رجولته وإطلالته التي تأسر القلوبquot;.

أما هبة فإنها تجد في شخصيتها السياسية رمزاً للبطولة الوطنية والبسالة إلى جانب قوة شخصيته. فهي دائماً ما تهم بالتصفيق والفرح عند إطلالته على شاشات التلفزة لتجر بحماسها كافة من يكونون إلى جانبها من الأهل إلى مشاركتها حبها لتلك الشخصية. حتى أنها تضع صوراً له على جدران غرفتها بجانب مجموعة من صور الفنانين الذين تعشقهم. ودائماً ما تتحدث هبة عن شخصيتها السياسية المفضلة بفخر وتباه أمام زميلاتها في العمل إلى حد أنه لو لزم الأمر تفتعل معركة كلامية مع من يعارضها quot;على حبهquot;. وتتمنى لو يصبح رئيساً للوطن فهو بنظرها quot;يستحق ذلكquot;.

بجانب بائع تسجيلات ثورية وأعلام حزبية كانت إبتسام تنزل من سيارتها المغطاة كلياً بصور شخصية سياسية لبنانية وأعلام حزبية متشابهة. أقترب منها وهي تهم بشراء علم كبير جداً لأحد الأحزاب اللبنانية وصورة مبالغ بحجمها لشخصيتها السياسية. تقول إن لديها نقطة ضعف أمام أي صورة جديدة لشخصيتها السياسية المفضلة، فهي تصاب بالحماس الجنوني عند رؤيته على شاشات التلفزة ولا تتوانى عن حضور أي إحتفال يكون فيه. ويصل بها الأمر إلى تعليم اولادها كيفية حب تلك الشخصية وزرعها في نفوسهم. وتصف إبتسام منزلها بأنه quot;أشبه بمعرض تحتل جدرانه صوره (السياسي) بمختلف القياسات والأحجام والمناسباتquot;.

وقبل الدخول إلى غرفة الإقتراع في أحد الأقلام أقترب من مندوبة إنتخابية ترتدي quot;تي شرتquot; عليها صورة مرشحها السياسي فتجيب فوراً وبصوت غاضب متحدية من بجانبها من المندوبين المعارضين لتلك الشخصية السياسية أنها مستعدة لأن تفديه بروحها إذا ما لزم الأمر، فحبها له لا يتغير مهما تغيرت الظروف السياسية. وتؤكد مسبقاً أنه الرابح في الإنتخابات وسيحصل على أعلى نسبة أصوات ولن ينافسه على المقعد النيابي أحد. تبدي المندوبة إنفعالا يدل على أنها لن تتوانى عن الإستعداد لضربك إذا ما مسست بشخصيتها السياسية بأي كلام.

تعصب وجنون

أما الموقف الذي واجهنا في أحد أقلام الإقتراع فهو لامرأة حامل في شهرها الثامن تقريباً تجر ولدين بجانبها ويرتدي الجميع ثياباً بألوان الحزب الذي تنتمي إليه شخصيتها السياسية المفضلة. تجيبنا سحر بإندفاع حماسي كبير أنها تحب شخصيتها السياسية كثيراً إلى حد الهوس، وأنها أطلقت على ولديها إسم شخصيتها وحزبه، أما طفلتها القادمة فستطلق عليها إسم زوجته. وستنجب المزيد من الأطفال حتى اكتمال الأسماء طبقاً لأسماء عائلة تلك الشخصية السياسية. والأطرف أنها أسمت الكلب لديها على إسم كلبه. تتمنى سحر ختاما أن تراه وجهاً لوجه؛ quot;لأعبر له عن مدى حبي فهو الأفضل في لبنان ولا أحد يضاهيه كمالاً للشخصية السياسية اللبنانيةquot;.

وخلال رحلة الباص إلى مكان الإنتخابات كانت هناك سيدة عجوز تُخرج من نافذة الباص علماً حزبياً وتلوح به، وفجأة وبمرور سيارة عليها صورة معارضة لشخصيتها السياسية تنتفض لتتحول إلى ثورة شبابية حماسية لا نعرف من أين إستمدتها، لتبدأ شتم تلك الشخصية السياسية وحزبه بالكلام التحريضي المتداول في الشارع السياسي. يحاول من معها تهدئتها لكنها لا تنصت لهم وتكمل حملتها ملوحة بعلمها الحزبي فيخيل لك أنها ستطير من النافذة لتضرب المتواجدين في تلك السيارة. تبقى على هذه الحالة الجنونية إلى أن تغيب السيارة عن الأنظار لتتنفس بتقطع وتهدأ. هنا أتجرأ وأسألها لما هذا الإندفاع والحماس الذي أظهرته فتنظر إلي بغضب كأنها تهم بضربي يجعلني أتقوقع في مكاني؛ quot;لم لا أحبه.. هو أحسن واحد على وجه الأرض وعنده مصداقية ما حدا عندو ياها من السياسيين، وبقدم كل ولادي كرمال عيونه وكمان بفديه بدمي وروحي إذا بدو.. يقبرني طلته ووجه المنور الطاهرquot;.

مقاطِعات

وقبل ختام رحلة إيلافالإنتخابية لفتنا مشهد امرأتين تجلسان بمحاذاة الرصيف المقابل للبحر الموجود في تلك المدينة. أقترب منهما لأرى أن إبهاميهما في اليد اليسرى غير ملطخين بالحبر الذي لطخ به أكثر الشعب اللبناني كعلامة تمنع التزوير في الإنتخابات فاسألهما عن سبب ذلك وعدم اقتراعهما مع أن وقت الإقتراع شارف على الإنتهاء.

تجيب عبير أنها من النساء الكثيرات المقاطعات للإنتخابات اللبنانية. وتبرر سبب مقاطعتها أنه لم يأت بعد الشخص السياسي الذي يطبق الديمقراطية العادلة، لذلك لا أحد من الشخصيات يجعلها تغير تفكيرها بعدم الإقتراع. وتعتقد عبير أن معظم النساء اللبنانيات يركضن وراء وهم إختلقته الأحزاب اللبنانية بشخصية سياسية محببة لهم تجعلهم ينصعن كلياً وراءه كالأغنام وراء الراعي.

أما ديما فإنها تعتقد أن مسألة تعلق بعض اللبنانيات بالشخصية السياسية يعود إلى نفسية المرأة وتأثيرها بهذا الأمر فالمرأة اللبنانية بطبيعتها تماشي كل التأثيرات المحيطة بها من التأثيرات العاطفية والسياسية والإجتماعية، كالقول الشائع quot;كل من يملك دفا يرقصن له لذلك هن يتعلقن بحب الشخصيات السياسيةquot;. وترى ديما أن الشخصيات السياسية quot;تتلاعب بعواطف الشعب وخاصة النساء منهم لأنهن الأكثرية بالأصوات ليقترعن لصالحهم وبعدها يصلون إلى مراكزهم وينسون كل من صوت لهم وأحبهمquot;.. هكذا هي السياسة اللبنانية برأي ديما.. لذلك quot;أنا ممن يقاطع الإنتخابات بالإضافة إلى أنه لا أحد يستحق صوتي من السياسيين اللبنانيينquot; تختم.

نظرة علم النفس الإجتماعي

إيلاف التقت الدكتورة في علم النفس الإجتماعي فاطمة وهبي جابر التي أوضحت لنا سبب تأثر النساء اللبنانيات بالشخصيات السياسية على أنه يختلف كلياً عن تأثرهن بالفنانين. فالأمر ليس مرتبطا بالمظهر الخارجي فقط بل quot;يأتي من منطلق صفات تلك الشخصية السياسية التي يظهرها لمؤيديه من صفات البلاغة الخطابية والهدف الذي يريد أن يوصله لهم والمكان والزمان المناسبين اللذين دائماً ما يوثران في نفسية الناس وبمن فيهم المرأة ويولّد لديهم الحماس ليتحول إلى إعجاب وحب لتلك الشخصية السياسيةquot; تقول وهبي.

وتضيف وهبي أن quot;الإعجاب ليس فقط إعجابا من الناحية الجمالية لتلك الشخصية مع أن المرأة تتأثر بالجمال الخارجي ويجذبها كما يجذب الرجل كذلك دون إختلاف، ولكن نلاحظ في لبنان كثيرا من النساء يعجبن بزعيم حزبي ويهتفن له ويتحمسن بشكل جنوني ويكون مظهره الخارجي أقل من العاديquot;. أما عن سبب ذلك فيعود برأيها إلى أن النساء quot;بطبيعة الحال من مؤيديه فبلا وعيهن يعجبن بإطلالته المميزة لديهن التي تمثل لهن الهدف الصحيح والقوة والمصداقية والأمان والحماية والثقة بالنفس فيصبح بذلك رمزاً لا يتزعزع أقرب إلى حد العبادةquot;.

وتكمل وهبي أن هذه الصفات في الشخصية السياسية quot;تترك في المرأة والرجل على حد سواء ثقة عمياء تجعلهم لا ينتبهون إلى الأخطاء التي يقع بها ذلك السياسي ويتغاضون عنها كلياً حتى أنهم يبررون تلك الأخطاء بالدفاع عنها بشتى الوسائل الممكنةquot;.

لكن وبرأي وهبي فإنّ الخطأ إذا تكرر quot;يتفاقم ويؤثرفي مؤيدي تلك الشخصية السياسية بشكل سيئ ومؤذ لهم وهنا تتزعزع تلك الثقة العمياء لتنهار المصداقية لديهم فيراجعون أخطاءه بعقلانية ووعي، بعدها ينقلبون عليه سياسياً ولا يعود رمزا لهمquot; تختم وهبي.