شكك الكثير من المنتقدين في ما إذا عملت نهائيات كأس العالم لمصلحة الاتحاد الدولي لكرة القدم أكثر من شعب جنوب افريقيا. فقد تدفقت دموع الفرح على المجتمعين في مركز quot;غوود هوبquot; في كيب تاون عندما فازت جنوب افريقيا بحق استضافة نهائيات كأس العالم لعام 2010. وفي زيوريخ، احتفل داني جوردان، رئيس اللجنة التنفيذية للبطولة، ونيلسون مانديلا رئيس البلاد السابق، بصخب في مقر الفيفا الضخم.
وبعد ست سنوات وعشية حفل الافتتاح التي سيحضرها مانديلا كضيف شرف، فإن هناك توقعات كبيرة والمزيج من الفخر مع المخاوف الكامنة حول ما إذا كانت للتأملات التي ستتحملها جنوب افريقيا ما يبررها.
وسترحب تسع مدن بوجود حوالي 350 ألف زائر أجنبي، وذلك حسب التقديرات الأولية بسبب الركود العالمي وأخطاء التحكم في بيع التذاكر والمخاوف بشأن ارتفاع الأسعار والأمن. لوجستياً، يبدو أن جنوب افريقيا على استعداد لإثبات خطأ المتشائمين، حيث ستكون الملاعب جاهزة وسترتبط المطارات بخطوط النقل بصورة كاملة وسيركز 41 ألف شرطي لمكافحة المخاوف الأمنية التي ستكون مهمة، ولكن مبالغ فيها.
وحالما يتحول الاهتمام إلى العمل على أرض الملعب، في ظل دولة تحتضن بحماس على أرضها أفضل اللاعبين في العالم، فإن الهيئة المنظمة للبطولة تستحق كل الثناء الذي يتدفق في طريقها. وكما ظهرت الأعلام على البنايات والسيارات، فإن رؤية المنظمين لنهائيات كأس العالم أخيراً في حدث quot;بناء أمةquot;، والمساعدة على كتابة فصل جديد لتاريخ البلاد في مرحلة ما بعد الفصل العنصري، يبدو مبرراً. كما سبق وأعلن جوردان في كلمة ألقاها في آذار الماضي في ستامفورد بريدج (تشلسي) عندما قال: quot;إنه عن بناء البلد والمجتمع الذي كان عملياً في حال حرب منذ سنوات طويلة لبناء ديموقراطية جديدة معاً. جنوب افريقيا لا تميّز بين الجنسينquot;.
ومع ذلك، فإن الإعلام في جنوب افريقيا يتساءل بصوت عالٍ ما إذا كانت نهائيات كأس العالم ستعمل لمصلحة الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي دخل في حسابه مبلغاً قياسياً بلغ 3.2 بليون دولار (2.2 بليون جنيه استرليني) من ايرادات وسائل الإعلام والتسويق والرعاية، أكثر من البلد المضيف وشعبه.
وتجادل اللجنة التنفيذية في الفيفا أن هذه العائدات ستعمل على تنمية كرة القدم في كل أنحاء العالم وكل ما يتعلق في السنوات الأربع بين نهائيات كأس العالم. وفي إطار نموذجه المربح، فإن كل النفقات ستقع على عاتق البلد المضيف. أما التسويق وايرادات وسائل الإعلام فسيحتفظ الفيفا بها، بينما ستحتفظ اللجنة المنظمة بعائدات بعض تذاكر الدخول لتغطية تكاليفها. وتعتبر مطالب الفيفا الطويلة على الحكومات الوطنية جديرة بالاهتمام في مقابل قيمة الاستثمار الداخلي والقوة الترويجية لوجود أعين العالم على الدول المضيفة لمدة شهر كامل. وما إذا كانت المبالغ الإضافية ستصل إلى البلد المعني السريع التنمية ndash; الذي يعيش 50 في المئة من السكان في حال الفقر ndash; مازال مفتوحاً للمناقشة الذي سيستمر في التفاقم بعدما يسدل الستار في جنوب افريقيا ويتحول الاهتمام إلى البرازيل في عام 2014.
ولنموذجه العملي، يحتاج الفيفا إلى حماية أصوله بقوة التي تراجعت بشدة، ولاسيما في جنوب افريقيا، حيث يخشى السكان المحليون بأنهم لن يكونوا قادرين على المشاركة في الثروة الموعودة، بعدما فرض قيوداً صارمة على ما يمكن أن يباع من أماكن قريبة من الملاعب وفرض احتفالات للمشجعين بقوة. وقدم أصحاب الفنادق ودور الضيافة شكاوى منذ فترة طويلة ضد تظلمات الفيفا والمسؤولين عن الإسكان وشركاء بيع التذاكر.
وبحث التقرير، الذي صدر مؤخراً في 200 صفحة من قبل معهد دراسات الأمن، عن التفاصيل الدقيقة لقائمة الاهتمامات: عمليات المناقصة غير الشفافة والقلق من مطالب الفيفا وفحص الانتقادات وحكايات الإثراء الشخصي. وخلص إلى: quot;ان حجم هذا الحدث وتفرده وطبيعة صناعة البناء والتشييد ومشاركة مبالغ طائلة وضعف الرقابة المؤسسية الداخلية والمساءلة وعدم شفافية صنّاع القرار وندرة المعلومات المتاحة للجمهور، تسهم كلها في بيئة تقضي إلى تضارب المصالح والفسادquot;.
ولا يبدو أن إرث كرة القدم آمناً. فهناك أمل في جنوب افريقيا أن كأس العالم يمكن أن يجذب الطبقات المتوسطة من البيض الأغنياء إلى اللعبة التي كانت تقليدياً من اختصاص السكان السود. ولكن مارك فيش ولوكاس راديبي، المخضرمان اللذان شاركا في فوز جنوب افريقيا بكأس الأمم الأفريقية لعام 1996، رفعا ندائهما إلى رعاة مشروع القرار لجعل كرة القدم رياضة وطنية حقيقية. وانتقدا سلطات كرة القدم للطريقة التي فشلت من الاستفادة من هذا النصر وأهملت البنية التحتية للعبة لمصلحة سلطات الصراعات الداخلية. فالدوري الممتاز في البلاد هو الأضعف عالمياً، ومعظم المشجعين يفضلون متابعة الكرة الانكليزية، وعدد قليل من اللاعبين لائقين للعب مع أندية خارج البلاد. والشيء نفسه يعم على كل انحاء افريقيا، على رغم ان سيب بلاتر، رئيس الفيفا، كان صريحاً عند حديثه عن التكلفة البشرية لـquot;الاتجارquot; باللاعبين الافارقة الشباب في أوروبا والفشل في البنية التحتية التي يمكن أن تساعدهم، وحان الوقت لاعتبارها واحدة من بين أكبر الثغرات في وعود تراث كأس العالم.
وعلى رغم أنه تم تجديد ملعب أورلاند في سيوتيو، مركز القراصنة، الذي يتسع لأربعين ألف مشجع، وسيستضيف حفلة موسيقية عشية افتتاح البطولة وسيكون بمثابة مركز تدريب خلال بطولة كأس العالم، إلا أن معظم الملاعب الجديدة الرائعة ستعتمد على اقناع أندية الرغبي لإقامة مبارياتها فيها إذا أرادت أن تكون لها مستقبلاً قابلاً للحياة.
وبرامج التنمية الموعودة لفيفا ndash; ملاعب اصطناعية جديدة في كل أنحاء جنوب افريقيا وأيضاً لكل الـ53 بلداً في القارة ndash; هي موضع ترحيب، ولكنها تبدو تافهة جنباً إلى جنب مع ايرادات 3.2 بليون دولار. ويشير الفيفا إلى برنامجه الذي يستثمر 250 ألف دولار سنوياً في كل بلد من البلدان الأعضاء فيه و20 مركزاً quot;فوتبول فور هوبquot; التي سيتم نشرها في كل انحاء افريقيا بكلفة قدرها تسعة ملايين دولار وتقديم برامج حيوية للمجتمع في المناطق الفقيرة. ولكن بعض من سكان تالك المجتمعات ذاتها هي من بين النقاد الأكثر ضجيجاً في العالم. فبالنسبة إليهم فإن شعار الفيفا quot;احتفال الإنسانية في افريقياquot; عادي وسطحي وحلقة جوفاء. وقال ناشطون في حركة quot;استرد كيب تاونquot; إنهم أدركوا أن المقصود بفيفا كأس العالم 2010 ليس من أجل الفقراء، بل من أجل الأغنياء: quot;إنها لم تؤد إلى أي تغيير في حياتنا أو في الظروف التي نعيشهاquot;.
وسينظر إلى نهائيات كأس العالم ليس فقط باعتبارها الاحتفال على مدى تقدم البلاد منذ الفصل العنصري، بل أيضاً لاختبار نظرية أن الأحداث الرياضية الدولية يمكن أن تكون وسيلة للاستثمار في البنية التحتية وتترك تراث اجتماعي ورياضي ايجابي بكل أنواع الطرق. وهو الانطباع الذي يحرص الفيفا واللجنة الأولمبية الدولية على تعزيزه بين الدول التي تتصارع بحماس من أي وقت مضى للحصول على حق استضافة ما يسمى بـquot;الأحداث الكبرىquot;.
ويدعي النقاد أن الفكرة القائلة إنه يجب أن يجبر الدول النامية على بناء المرافق الرياضية الضخمة بنفقة كبيرة، ايماناً منها أن ذلك سيسرّع التنمية، غير صحيحة. إذ يزعمون أن الأموال التي تصرف للتأكد من جوهرية الملاعب وتحسين نظام النقل وإشعار الزوار بالآمان، سيكون من الأفضل لو صرفت على الخدمات الأساسية. بينما يزعم المنظمون أن نهائيات كأس العالم ستجلب 5.5 بليون دولار التي ستدعم الاقتصاد وتخلق 415 ألف فرصة عمل. ولكن العديد من تلك الوظائف هي مؤقتة بطبيعتها. فيما يقول آخرون إن هذه الأرقام من المستحيل تحقيقها في الوقت الراهن.
وفي الطريق من المطار في كيب تاون إلى ملعب quot;غرين بوينتquot;، حيث ستواجه انكلترا الجزائر، لوحات تعلن quot;من الصفائح الأرضية إلى الكرامةquot;. إنها الإعلانات التي خططت الحكومة لإعادة إسكان 1.3 مليون نسمة الذي يعيشون في بلدة خايليتشا. لكن قائمة الانتظار تبلغ 400 ألف نسمة وهناك احتجاجات عنيفة على نحو متزايد في بعض البلدات حول بطء عملية التقدم في رفع مستويات المعيشة التي تحكي قصتهم.
يقول خبراء إن جنوب افريقيا دولة معقدة التي يستعصي تعميم السطحية عليها. بينما قالت آن بيرنشتاين، مديرة مركز التنمية والمشاريع، ينبغي الحكم على البلاد من خلال النظر إلى دولة سريعة التنمية مثل الهند والبرازيل، بدلاً من أن ينظر إليها من خلال عدسة quot;ما بعد الاستعمارquot;. وأضافت: quot;تحتاج جنوب افريقيا إلى النمو الاقتصادي المرتفع والقيادة القوية. لقد أثرت الأزمة الاقتصادية العالمية علينا، وأكثر من مليون شخص فقدوا وظائهم منذ آذار 2009، وتكافح البلاد من الناحية السياسية، فالاقتتال الداخلي وعدم وجود اتجاه بين حزب المؤتمر الوطني وحلفائه مقلق جداً. ولكن في نواحي عدة، فإن البلاد بحال جيدة جداً. وينبغي ألا يستنتج من ذلك أن كل شيء في البلاد في الانحدار، فقد نما الاقتصاد بنسبة 3.6 في المئة في الربع الماضيquot;.
وبالمثل، هناك وجهان لتدفق الاستثمار في استعداد البلاد لما وصف بخروج جنوب افريقيا من الحلقة الفارغة، إذ قالت بيرنشتاين: quot;أشعر بالقلق من الملاعب، وكان من الأفضل لو قمنا باستضافة هذا الحدث من دون ركود عالمي، ولكن ليس هناك أي شك من أن المطارات هي من بين الأفضل في العالم، وتم تسريع الاستثمار في الطرق والبنية التحتية، وكان من الممكن عدم حصول على هذه الأموال والاستثمار لولا كأس العالمquot;.
ولكل الاهتمامات، فإن قوة كأس العالم لخلق موجة من التفاؤل لا ينبغي التقليل من شأنها، إذ توقع غاري مابوت، مدافع توتنهام السابق الذي انتقل إلى جنوب افريقيا وأصبح سفيراً لها لإستضافة هذه البطولة على حد سواء سفيراً لانكلترا لإستضافة مونديال 2018، الذي تحدث باسم الكثيرين، بأن هذا الحدث quot;سيكون أفضل بطولة كأس العالم على الاطلاقquot;.
التعليقات