قبل حوالى شهرين من الآن وصف رئيس نادي جمعية ميلان الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني مواطنه اللاعب ماريو بالوتيلي بالتفاحة الفاسدة تعقيباً على تفاقم مشاكله مع مواطنه روبرتو مانشيني مدرب مانشستر سيتي الإنكليزي ، غير أن بيرلسكوني و قبل أيام من سوق الانتقالات الشتوية أعطى موافقته لنائبه غالياني لانتداب بالوتيلي في صفقة فاقت قيمتها العشرين مليون يورو ، فهل كان دفع هذا المبلغ من أجل رمي تلك التفاحة في سلة السان سيرو فقط ؟


ديدا ميلود - إيلاف : في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تمرّ بها إيطاليا وسياسة التقشف التي لجأ إليها النادي منذ مدة لا يمكن أن نتوقع أن التعاقد جاء فقط للتعاقد ، وبالتأكيد أيضا لم يكن جلب بالوتيلي قرارا أحادياً من قبل أي جهة من الجهات النافذة في النادي بل تمّ بالمشورة بين الرئيس ونائبه و المدربين الرئيسين ماكسيميليانو اليغري و ذراعه اليمنى ماورو تاسوتي والذين أجمعوا على أن بالوتيلي سيكون سوبر ماريو حقيقيًا في الفريق و قادرًا على المساهمة في صنع مجده مجدداً خاصة في الدوري المحلي ما دام أنه غير معني بالمشاركة في دوري أبطال أوروبا بعدما خاضها مع السيتيزن و معلوم أن المسؤولين الإداريين والفنيين الأربعة يعرفون جيداً من هو بالوتيلي وسيرته الذاتية والمشاكل التي خلقها في الأعوام الماضية خاصة في إنكلترا ، و من هذا المنطق فإنهم لا يخشون إطلاقاً من القلاقل التي يمكن ان يحدثها الفتى المشاكس لقدرتهم على احتوائها ومعالجتها ما يحول دون ان تنتقل عدوى الفساد إلى بقية التفاح في السلة الميلانية .

و رغم أن الأداء الذي سيقدمه ماريو مع الفريق في استحقاقاته الرسمية وحده كفيل بالوقوف عن مدى نجاح الصفقة من عدمها فإن معطيات كثيرة توحي بأن ماريو وجد أخيراً الحضن الذي طالما بحث عنه خلال مسيرته ، في سيناريو مشابه لما عاشه اللاعب الفرنسي ايريك كانتونا الذي صال وجال في الملاعب الفرنسية لكن صولاته و جولاته كانت تنتهي كلها برفضه قبل أن يجد مكانته الحقيقية في الدوري الإنكليزي عندما انتقل في العام 1992 إلى ليدز يونايتد و توج معه باللقب و منه إلى مانشستر يونايتد ليجد في استقباله السير الذي لم يكن سيراً بعد اليكس فيرغوسون الذي عرف كيف يخرج ما في جعبة اللاعب من مهارات جعلته أحد أفضل اللاعبين في تاريخ الدوري الإنكليزي .

صحيح ان كانتونا انتقل غلى مانشستر و هو في سن الـ 26 عكس ماريو الذي لا يزال في الـ 22 إلا أن تكرار المشهد يبقى مرجحاً للحدوث خاصة أن نادي ميلان سبق له أن عايش تجربة فيها العديد من أوجه الشبه عندما تعاقد مع غاتوزو أيام المدرب كارلو أنشيلوتي و الكل يعلم ماذا قدم كاسحة الألغام للفريق محلياً وقارياً والجميع كان يشاهد غاتوزو وهو يعانق انشيلوتي بطريقة صبيانية تثير ابتسامته دون انفعال .

فاليغري وتاسوتي يعرفان جيداً الموهبة التي يتمتع بها ماريو والمهارات الفنية العالية التي يزخر بها والتي أظهرها في الكثير من المناسبات خاصة مع منتخب إيطاليا في نصف نهائي يورو 2012 الماضي ضد ألمانيا ، لذلك فإنهما سيركزان على استغلال الجانب الإيجابي من اللاعب سواء الفني منه او حتى الشخصي الانساني ، مع تفادي توجيه الانتقادات إليه مثلما كان الحال في إنكلترا فهو لا يحب ان يكون دوما مادة دسمة للصحافة و لا يحب ان يتم تركيز الاخرين على المربع السيئ من صورته ، و حمايته من الحملات الصحافية من خلال رعايته و معاملته كرجل يعرف جيداً مصلحته وواجباته و ليس كمجرد طفل مشاغب يجب فقط معاقبته على سلوكياته دون محاولة لتقويمه فالتقليل من النقد والتكثير من المدح ستكون له انعكاسات إيجابية على اللاعب.

وفي هذا السياق، فإن اليغري و بعد رحيل البرازيلي الكسندر باتو و تواضع بقية المهاجمين فإن رهانه الأول سيكون على ماريو لقيادة هجوم الفريق وصنع و تسجيل الأهداف وتحميله المسؤولية مع الثناء عليه عند النجاح دون لومه عند الفشل مع منحه الوقت الكافي للتأقلم وللتعبير عن مهاراته التقنية وأكثر وأهم من ذلك منحه حرية أكبر داخل الملعب وعدم تقييده بالتعليمات التكتيكية التي من شأنها أن تحد من مردوده ، وأيضا الحرص على معاملته كنجم للفريق وهو أمر واقعي بعدما انفرط عقد النجوم باعتزال البعض ورحيل البعض الاخر ، تماما مثلما كان يفعل السير مع كانتونا حيث أعطاه حرية في اللعب فأصبح يسجل في كل مباراة أهدافاً خرافية .

كما سيعمل مسؤولو الميلان على الاتعاظ من التجارب السابقة لبالوتيلي سواء مع الإنتر أو مع السيتيزن لتجنب أسبابها وسلبياتها وتفادي الوقوع في الأخطاء نفسها التي ارتكبها مانشيني ، وهناك نقطة مهمة وإيجابية في شخصية ماريو ستساعد حتما اليغري على ترويضه و هي استغلال حبه و تعلقه بالنادي خاصة أن رحيله إلى إنكلترا كان مجرد جسر ليعبره عائداً إلى عشقه الأول بعدما عارضت إدارة الإنتر انتقاله مباشرة إلى الغريم ميلان .

و لا شك أن المهمة لن تكون يسيرة على اليغري و جهازه الفني لكن استجابة سوبر ماريو ستجعلها كذلك خاصة ان اللاعب وفضلاً عن مؤهلاته الفنية والبدنية وسنه اليافعة يمتاز بالطموح إذ يحلم بأن يكون الأفضل في أوروبا و العالم خصوصاً أن الخبراء لا يرون فرقا كبيراً بين موهبته و موهبة الأرجنتيني ميسي أو البرتغالي رونالدو و يتطلع أيضاً إلى إثراء سجله بالبطولات المحلية والقارية مع ناديه و مع منتخب بلاده كما أن تواجد الناخب الوطني سيزار برانديلي بالقرب منه يمثل دافعاً معنوياً له للتحلي بالمسؤولية داخل و خارج الملعب.

و ها هو ماريو يسجل أول أهدافه في اول مباراة يلعبها مع الميلان و يساهم في انتصاره على اودينيزي ما سيحفز الطرفين معاً على المضي قدما ليلتقيا في هدف وهو خدمة النادي، كما أرتفع مبيعات القميص رقم 45 بنسب عالية و تحول ماريو في ساعات من منبوذ الجماهير والصحافة في إنكلترا إلى محبيها في إيطاليا.