تنفذ الصين مشروعا كرويا طموحا تأمل بأن يقودها الى الفوز بلقب كأس العالم، مكرسة التفوق الرياضي في هذا المجال على غرار بروزها في اختصاصات اخرى، من منطلق ان قوتها الدولية تنسحب على كل شيء.

ولا شك ان الاخبار التي تناقلت اخيرا السخاء الصيني في التعاقد مع نجوم لتعزيز الدوري المحلي لكرة القدم، اشارت مرات الى هذا الطموح وتلك الرغبة، اللذين كانا دفينين قبل اعوام قليلة، وتفتحت اوراقهما تباعا.

كما لفت محللون الى ان اقبال رجال الاعمال والاثرياء على الاستثمار في كرة القدم في الداخل والخارج جزء من اطار المشروع المتنامي. ففي اواخر نيسان (ابريل) الماضي، عرضت مجموعة من المستثمرين الصينيين شراء نادي آ. سي. ميلان الايطالي، احد الاصول البارزة التي يملكها رئيس وزراء ايطاليا السابق سيلفيو برلوسكوني، في مقابل نحو 700 مليون يورو تشمل الديون.

وكانت تقارير صحافية اوردت اخيرا ان التطورات الحاصلة التي جعلت من السوق الصينية الـ"الدورادو الجديدة لكرة القدم"، مردها الى تنفيذ "ارادة" رئيس البلاد شي جينيغ الراغب بان تصبح الصين قوة عظمى كرويا.

وقد ارسى الخطوات الاولى على هذا الصعيد عام 2012 حين كان نائبا للرئيس، وها هو يتابع المسيرة منذ ان تولى مقاليد الحكم في آذار (مارس) 2013، تزامنا مع تنفيذ برامج التطوير على اكثر من صعيد.

خلال العام الماضي، طرح "برنامج وطني" يتضمن خمس نقاط، ومن اهدافه ايجاد 50 الف مدرسة للعبة في غضون 10 سنوات، يترافق مع جعل المنتخب الذي يحتل الموقع الـ96 عالميا، والذي تأهل اخيرا الى الدور القاري الحاسم لنهائيات كأس العالم 2018، يتمكن من العبور للنهائيات للمرة الاولى منذ 2002، فضلا عن التحضير للترشح لتنظيم نسخة من المونديال وحصد اللقب في حدود عام 2034.

ولعل تعزيز وضع الاندية وضخ موازنات لجذب نجوم على غرار ما فعلت اليابان قبل اكثر من عقدين، وجعل البطولة تنافسية مثيرة تستقطب الاهتمام بعدما تلطخت بفضائح الفساد والنتائج المركبة، يعد خطوة حيوية في المسيرة الطويلة.

في الاعوام الاخيرة، سلطت الاضواء على اثرياء صينيين مؤثرين في اندية اوروبية عدة، ومنهم وانغ جيانلين (61 سنة)، الضابط السابق في جيش التحرير الشعبي، الرجل الغني المتربع على عرش امبراطورية تقدر بـ100 مليار دولار (89 مليار يورو). فصاحب مجموعة "واندا" الناشطة في مجالات العقارات والتجارة وصناعة الترفيه ومن ضمنها اكبر شركة رياضية في العالم، وقع اخيرا عقد رعاية مع رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" جياني انفانتينو، يسري مفعوله في المونديالات الاربعة المقبلة، وعد تمهيدا للطريق امام طموح الصين تنظيم هذا الحدث الكبير.

وكان جيانلين اشترى 20 في المئة من اسهم اتلتيكو مدريد في العام الماضي في مقابل 45 مليون يورو. كما حصل على وكالة التسويق "اينفرونت" في مقابل 05ر1 مليار يورو وتعتبر من اكبر شركات الاعلام والتسويق الرياضيين، وكانت تدير حقوق "فيفا" في كأسي العالم 2002 و2006 ورئيسها التنفيذي فيليب بلاتر إبن شقيق الرئيس السابق لـ"فيفا" جوزف بلاتر، وتأمل بحصة في نسختي 2018 و2022. كما ترتبط بشراكة عمل مع الاتحادين الدوليين للتزلج والهوكي على الجليد والدوري الايطالي لكرة القدم والدوري الصيني لكرة السلة.

من جهته استثمر جاك ما، ثاني اغنى اغنياء الصين ومؤسس موقع "علي بابا" للتسوق الالكتروني، 160 مليون يورو في حزيران (يونيو) 2014 لشراء نصف اسهم غوانغزو ايفرغراندي، الذي اضحى وفق وكالة "الصين الجديدة" اغلى ناد في العالم، اذ تقدر اصوله بـ 05ر3 مليار يورو، متقدما على ريال مدريد ومانشستر يونايتد.

واحرز "الفريق الثروة" لقب النسخ الخمس الاخيرة من الدوري "سوبر ليغ" الذي يضم 16 فريقا، فضلا عن فوزه بلقب دوري ابطال آسيا عامي 2013 و2015. ويتولى ادارته الفنية البرازيلي لويز فيليبي سكولاري، خلفا للايطاليين مارتشيللو ليبي وفابيو كانافارو.

وتعتبر اكاديمية ايفرغراندي الاكبر في العالم، اذ تضم 2800 منتسب و140 مدربا صينيا و24 اسبانيا. وارست عقد تعاون مع ريال مدريد عام 2012 مدته 8 سنوات، علما ان نحو نصف اندية الـ"ليغا" الاسبانية تربطها عقود مع مؤسسات صينية.

وكان الـ"ميركاتو" الشتوي اشتعل في كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) الماضيين، من خلال صفقات خيالية للاعبين شملت اندية الدرجتين الاولى والثانية، التي انفقت 385 مليون يورو في مقابل 247 مليونا انفقتها اندية الـ"برميير ليغ".

وبرز في طليعة القادمين الى "الدورادو الجديدة" البرازيلي اليكس تكسييرا (26 سنة)، المنتقل من شاختيار دونتسك الاوكراني الى جيانغسو سوننغ في مقابل 50 يورو، والكولومبي جاكسون مارتينيز (29 سنة) من اتلتيكو مدريد الى ايفرغراندي في مقابل 42 مليونا.

كما ضم سوننغ لاعب الوسط البرازيلي راميريز (تشلسي سابقا)، وهو يحصل على مدخول صاف مقداره 9 ملايين يورو سنويا.

وحصل هيباي فورتشون في مدينة كنهوانغداو (شمال شرق) على خدمات لاعب روما العاجي جيرفينيو في مقابل 10 ملايين يورو، وزميله لاعب باريس سان جرمان الارجنتيني ايزكاييل لافيتزي (13 مليونا).

وعرض شنغهاي شنخوا، الذي ضم سابقا الفرنسي نيقولا انيلكا والعاجي ديدييه دروغبا، على نجم مانشستر يونايتد والمنتخب الانكليزي واين روني مبلغ 100 مليون يورو لعقد مدته 3 سنوات، اي ما يوازي 630 الف يورو شهريا.

كما تتميز البطولة بحوافز مالية تطرحها اندية تصل احيانا الى مليون يورو في المباراة الواحدة.

ويكشف رئيس هيباي تشاينا يون جون (36 سنة)، ان سبب هذه الارقام الخيالية تحفيز لتطوير الدوري الصيني "المغمور"، وبالتالي "علينا جذب النجوم لقاء مبالغ كبيرة، لضمان عروض جيدة يسفر عنها تسجيل اهداف، ما يستقطب الجمهور وتسلك عجلة العمل دورتها المنتظرة".

وفي هذا الاطار، ارتفعت حقوق النقل التلفزيزني للسنوات الخمس المقبلة (2016 – 2020) الى 1ر1 مليار يورو (نحو 220 مليونا في السنة).

وشاركت في المناقصة ست شركات، وفازت بها وكالة "تشاينا ميديا سبورت"، التي بررت مديرتها زهوا يون هذا "العرض الفلكي" بالقول: "نحن نستثمر في المستقبل ونراهن على تطور جذري في المدى المنظور". وكانت حقوق النقل التلفزيوني بلغت 7 ملايين سنويا من 2012 الى 2015.