عندما يسدل أوساين بولت الستار على مسيرته الأسطورية بعد بطولة العالم لألعاب القوى المقررة في لندن خلال شهر آب/اغسطس، سيودع العالم أحد أعظم العدائين في التاريخ، الا انه موطنه جامايكا سيكون في صدد إعداد عداء يمكنه السير على خطاه السريعة.
أحد العاملين على هذا الاعداد هو أنطوني ديفيس، مدير الرياضة في جامعة كينغستون للتكنولوجيا التي خرجت منها أسماء بارزة في عالم "أم الألعاب" أبرزها بولت نفسه، قبل ان تتألق في المضامير العالمية.
ومن الأسماء الذين خرجتهم هذه الجامعة المتواضعة، إضافة الى بولت، شيلي-آن فريزر-برايس، أسافا باول، نستا كارتر وإيلين طومسون الفائزة بذهبيتي 100 و200 م في أولمبياد ريو 2016.
ويقول ديفيس لوكالة فرانس برس "الكل يريد ان يكون أوساين بولت المقبل لانه نجم عظيم"، في إشارة الى العداء البالغ 30 عاما، والذي أحرز تسع ميداليات ذهبية في ثلاث دورات أولمبية متتالية (جرد من إحداها لاحقا بسبب تنشط أحد زملائه في فريق التتابع 4*100 م).
وتعتبر جامايكا عاصمة سباقات السرعة في العالم بعد عقد من الهيمنة في الالعاب الاولمبية والبطولات العالمية، وهو نجاح لا يعكس بتاتا واقع أن عدد سكان الدولة الكاريبية لا يتجاوز الـ2,7 مليوني نسمة.
ويرى العداء تيكندو ترايسي أن الطابع هو السبب الذي يقف خلف نجاحات جامايكا، مضيفا "أن معظمنا يولد بعزم محض، من الصعب التغلب على جامايكي. أن التصميم يأتي من مستوى المنافسة العالية بما في ذلك المدرسة الثانوية، لدينا دائما هذا المستوى من التنافسية".
- "عراب" سباقات السرعة -
تعود جذور النجاح الجامايكي في ألعاب القوى الى عقود مضت، منذ فوز هيرب ماكينلي بذهبية وثلاث فضيات في أولمبيادي لندن 1948 وهلسنكي 1952.
شغل ماكينلي منصب مدرب المنتخب الجامايكي بين العامين 1954 و1973، ونال جائزة الاستحقاق الجامايكية في 2004 قبل ثلاثة أعوام من وفاته.
الا ان العمل الذي قام به دينيس جونسون زرعت بذار سلالة العدائين في جامايكا. فجونسون الذي عادل الرقم القياسي العالمي لسباق 100 ياردة (91,44 م وكانت مسافة معتمدة في العاب الكومنولث ومسابقة العشارية في الألعاب الأولمبية) ثلاث مرات في غضون ستة أسابيع عام 1961، تلقى الأساسيات على يد المدرب الأميركي باد وينتر في جامعة سان خوسيه في كاليفورنيا.
ولدى عودته الى بلاده، وضع جونسون برنامجا جامعيا على الطريقة الأميركية، وساهم في تأسيس جامعة التكنولوجيا في كينغستون، في خطوة تاريخية استحق بفضلها لقب "عراب" سباقات السرعة.
يؤكد ديفيس الذي عين من قبل جونسون عام 1971 "أننا حاولنا استيراد نموذج الجامعات الأميركية الى جامايكا"، مضيفا "قبل دينيس، الطلاب كانوا يمارسون كل الألعاب الرياضية المختلفة لأنها كانت ترفيهية في المقام الأول".
وتابع "الآن، يركز الرياضيون على رياضات محددة وهو صمم برنامجا يستمر لمدة 10-11 شهرا سنويا".
بدأت جامايكا تقطف ثمار هذا البرنامج خلال دورة الألعاب الأميركية عام 1975 في المكسيك حين فازت بفضية وثلاث برونزيات.
- نصف منحة دراسية -
وقال ديفيس أنه في الماضي كان الرياضيون الجامايكيون ينتقلون مباشرة الى الجامعات الأميركية من الثانوية، وغالبا ما كانوا يكافحون للتكيف مع الحياة في الولايات المتحدة، مضيفا "تترك المدرسة الثانوية حيث يطلب منك أن تفعل كل شيء ثم عليك أن تصبح راشدا بين ليلة وضحاها".
وواصل "بعض الرياضيين لم يكتشفوا إلا بعد وصولهم الى الولايات المتحدة أنهم لم ينالوا سوى نصف منحة دراسية لا تغطي تكلفة الكتب والإقامة. والآن، إذا بقوا هنا، سيركزون بشكل أفضل بدعم من أسرهم".
ينسب نجاح جامايكا في سباقات السرعة الى توليفة من كل شيء: أسلوب الحياة على الجزيرة حيث ثقافة المشي موجودة في كل مكان، مرورا بنظام غذائي يتضمن البطاطس الحلوة والموز الأخضر.
الا ان ديفيس يعتبر ان أسباب النجاح هي أكثر وضوحا: تفاني الرياضيين، التدريب الجيد وأساليب تدريبية مستندة الى العلوم.
أثار النجاح اللافت للجامايكيين أسئلة حول إحتمال استخدامهم للمنشطات، وقد أكدت المديرة السابقة للوكالة الجامايكية لمكافحة المنشطات رينيه تشيرلي أنه لم يتم القيام بما فيه الكفاية للحؤول دون غش التنشط في بلادها.
ورفض ديفيس أي تلميح بوجود جانب مظلم للهيمنة الجامايكية على سابقات السرعة، مضيفا "بالنسبة الى منتقدين أقول +توقفوا لدقيقة واحدة وعودوا بالزمن الى عام 1948 وهيرب ماكينلي، عودوا الى هلسنكي. برز دائما رياضيون جامايكيون عظماء قبل أن نعرف حتى ما هي المنشطات".
وختم "برنامجنا لم يتطور بين ليلة وضحاها. برنامجنا لم يسقط علينا من السماء. لقد عملنا طويلا وبجهد كبير عليه".
التعليقات