الرباط: أثارت صور نشرتها، على مدى اليومين الماضيين ، ماريا دولوريس دوس سانتوس والدة كريستيانو رونالدو، لاعب كرة القدم البرتغالي ونجم فريق ريال مدريد الإسباني، على حسابها بــ"إنستغرام"، جدلاً بين مغاربة وجزائريين، في عدد من مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً صورة ظهرت فيها والدة النجم البرتغالي وهي سعيدة، حد الانبهار، بطبق كسكس مغربي، خلال زيارتها لمراكش.

وفي الوقت الذي احتفى فيه المغاربة، على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، بسعادة والدة النجم البرتغالي، التي تتردد كثيراً على مراكش رفقة عائلتها، بـ"قصعة" الكسكس المغربي، مع إشارتهم إلى قيمة وشهرة وعناوين تميز مطبخ بلادهم، انبرى عدد من الجزائريين للتفاعل مع طريقة احتفاء المغاربة مع الحدث، مشيرين إلى أن الكسكس "جزائري الأصل"، الشيء الذي قوبل بـ"سخرية" و"استهجان" مبحرين ومواقع إخبارية مغربية.

ويحظى "الكسكس"، في المغرب، إلى جانب أكلات أخرى، لها هي الأخرى شهرة عالمية، من قبيل "الطاجين" و"الطنجية"، بعشق لافت.

ويرى الكاتب والشاعر المغربي سعد سرحان، في كتابه "ديوان المائدة"، أن الكسكس، الذي وصفه بـ"أيقونة المطبخ المغربي"، يستحق أن "يُفرد له كتاب ضخم يشترك في تأليفه نخبة من علماء التغذية والأنثروبولوجيا والتاريخ والأركيولوجيا والسيميائيات وغيرها من العلوم"، مشدداً على أن "تناوله، بالقلم وليس باليد أو الملعقة، بوصفه نصاً غذائياً يختلف أسلوبه حسب المناطق والمطابخ، لن يقِلَّ فائدة عن دراسة القطع النقدية والمشغولات اليدوية والأمثال الشعبية والوشوم والأحاجي والحليّ ورقصات القبائل ومواويل الجبال".

يبدو الكسكس، من النظرة الأولى، برأي سرحان، "حفيداً حقيقيّاً للثريد. تلك الأكلة العربية التي كانت تُحضَّرُ من الخبز المفتّتِ مسقياً بالمرق ومتوجاً باللحم، والتي لا تزال حتى الآن تنتاب موائد الفقراء من جوع لآخر، بعد أن صارت معدتهم متقشفة لدرجة أن لسائر الطعام فضلاً عليها. ولعل هذا الشبه ما جعل بعضهم ينسبونه إلى العرب ويعزون وصوله للمغرب إلى الجيوش الإسلامية التي قدمت من المشرق، إلا أن الكسكس، شيخ الأطعمة الطاعن في السن، يبدو أكبر بكثير ليس من الحفيد فقط وإنما من الجد أيضاً. ولأن الأجداد الأوائل في أرض المغرب هم الأمازيغ، فمن المرجح أن يكونوا هم من أبدعوه. وللذين يرون هذا الرأي حجة لا تقبل الدحض، ذلك أن كلمة "كسكسو" كلمة أمازيغية وتعني كويرات أو حبيبات".

يربط سرحان الكسكس، الذي يقول عنه إنه "كرنفال غذائي، لا أحد يعرف مَنْ ومتى أطلق عليه اسم الكسكس"، بدروس التاريخ والجغرافيا، مشيراً إلى أن "ليس للكسكس ملامح المدينة، فهو سابق على المدن. وليس له قسمات السهل، بدليل تضاريسه الوعرة. إنه سليل الجبال، من أخمص القصعة حتى لحم الأعالي. فمن طينها المَفْخور جُبِلَتْ مواعينه، ومن غلالها ومواشيها تخلّق طَبَقًا بسفح بَليلٍ وقمة بركانية تنفث البخار الحار درءًا لقرّ الثلوج. لذلك، فهو شامخ شموخها وراسخ رسوخها، وما نزوله منها إلى السهول والحواضر إلا كنزول الابن مع أهله بعد تبدل الأحوال بحثاً عن فسحة عيش أوسع من الفجاج. هكذا تغيرت صفاته وتعددت وصفاته بحسب الأرض التي يضرب فيها وما تنتج من خيرات".