قبل انقضاء الدقيقة الثانية من المباراة النهائية لكأس الأمم الإفريقية في كرة القدم، كان بغداد بونجاح قد وضع الجزائر في المقدمة، بهدف كفى لمنح بلاده اللقب القاري الثاني في تاريخها.

تسديدته البعيدة التي ارتدت من المدافع السنغالي ساليف سانيه وسقطت "لوب" في مرمى الحارس ألفريد غوميس، كانت كفيلة بمنح الجزائريين، بالآلاف في ستاد القاهرة الدولي الذين لوحوا بالعلم الأبيض والأخضر، والملايين في بلادهم والعالم، فرحة مرتقبة منذ نحو ثلاثة عقود.

يوم توجت الجزائر باللقب القاري على أرضها عام 1990، لم يكن بونجاح قد أبصر النور بعد. لكن إبن السابعة والعشرين ساهم، مع العديد من "محاربي الصحراء"، في كتابة تاريخهم الخاص، كما أراد مدربهم جمال بلماضي في تصريحات على هامش البطولة التي انطلقت في مصر في 21 حزيران/يونيو، وانتهت الجمعة بفوز الجزائر على السنغال بهدف نظيف، في استعادة لنتيجة مواجهتها في الجولة الثانية من منافسات المجموعة الثالثة في الدور الأول.

يصعب اختصار مهاجم السد القطري بكلمة واحدة، لكن الأولى التي تحضر الى الأذهان خلال الحديث عنه هي "فعال". رأس الحربة ذو البنية الجسدية الضخمة، والشاربين واللحية الصغيرة عند الذقن، وفي بشكل مثالي الى الدور المنوط به: تسجيل الأهداف.

يتلمس بونجاح طريق الكرة الى الشباك ولو في أصعب الظروف. مثابر، عنيد، ولا يتخلى عن أدنى فرصة متاحة له، ولا ينكفئ حين تضيع منه، بل يثابر محاولا استعادة الكرة، كما عادة المحاربين. قال بلماضي ردا على سؤال حول التعويل عليه "اخترت بونجاح لأنه يعمل كثيرا. هو الأصل في كل أهدافنا (في البطولة)، وسجل في التصفيات".

وأضاف "هو أحد أفضل الهدافين في العالم (...) هو هداف لا يقارن، يقوم بعمل هائل. إضاعته ركلة جزاء ضد ساحل العاج لا تثير قلقي".

-&الدموع والتاريخ –

الركلة الضائعة التي تحدث عنها بلماضي حصل عليها المنتخب الجزائري في مطلع الشوط الثاني لمباراته ضد ساحل العاج في الدور ربع النهائي. أضاع مهاجم السد الركلة حين كان منتخب بلاده متقدما بهدف نظيف، قبل ان يتمكن العاجيون من معادلة النتيجة وجر المباراة الى الوقت الإضافي وبعده ركلات الترجيح، حيث أدى الحارس رايس مبولحي دورا أساسيا في ضمان عبور الجزائر (4-3).

لم يكمل بونجاح تلك المباراة، اذ دفع مدربه بلماضي بإسلام سليماني بدلا منه قبل نهاية المباراة بنحو ربع ساعة. منذ اللحظة التي أضاع فيه بونجاح ركلة الجزاء، تبدلت معالم وجهه، وبدلا من الابتسامة العريضة التي يعرف بها، حلت معالم القلق والحسرة.

زاد منسوب مشاعر التأثر على دكة البدلاء. جلس بونجاح قلقا مع مرور الوقت وعدم تمكن زملائه على المستطيل الأخضر من معادلة النتيجة. رفع يديه الى السماء بالدعاء، غطى وجهه، وبكى كالطفل الصغير على الأرض حين أطلق الحكم صافرته معلنا عبور الجزائر الى نصف النهائي.

يختلف بونجاح عن غيره من لاعبي المنتخب. ليس نجما في انكلترا مثل رياض محرز لاعب مانشستر سيتي، أو اسما لمع في فرنسا مثل يوسف عطال لاعب نيس. بونجاح إبن بلده، من نادي رائد شباب غرب وهران، الى اتحاد الحراش، ومنه عبر الحدود الى تونس مع النجم الساحلي، وصولا الى ناديه الحالي السد القطري، حيث برز موهبته التهديفية الفتاكة.

في قطر، ظهر بونجاح كماكينة أهداف لا تستكين، لاسيما في موسم 2018-2019 حيث سجل 39 هدفا في الدوري المحلي، وساهم في عودة السد الى عرش الدوري القطري للمرة الأولى منذ ستة أعوام.&

رأى فيه النجم السابق وصاحب الرقم القياسي في الأهداف المسجلة في أمم إفريقيا، الكاميروني صامويل إيتو، "أحد أفضل المهاجمين الأفارقة".

في الموسم الماضي، طبع في الذاكرة تسجيله سبعة أهداف من أصل العشرة التي سجلها فريقه في مرمى العربي في آب/أغسطس 2018.

بعد هذا الأداء، اعتبر تشافي، النجم الإسباني السابق في السد الذي اعتزل بنهاية الموسم ليتولى تدريب الفريق بدءا من الموسم المقبل، أن بونجاح "لن يُنسى أبدا بفضل سباعيته التاريخية".

مع هدفه الثاني عشر مع المنتخب في 29 مباراة دولية، دخل بونجاح تاريخ محاربي الصحراء من الباب العريض، وانضم الى شريف وجاني الذي سجل هدف الفوز بالنتيجة نفسها على نيجيريا في النهائي... قبل 29 عاما.